Tajriba Unthawiyya
التجربة الأنثوية: مختارات من الأدب النسائي العالمي
Genres
جاءت إلى الباب في غلالة، وقد تشابكت خصلات شعرها فوق جبهتها الناعمة، وبدت ناعسة، غاضبة. وقبل أن تسمح لي بالدخول، حدقت في برهة، كأنها لم تعرفني.
وأخيرا قالت: «أوه هذه أنت! كنت نائمة.»
كنت قد ظننت أنها ستطردني. دلفت إلى الغرفة الزرقاء الكبيرة، وأنا ألقي بنظرة حائرة على الفوضى الضاربة في أرجائها. كان المقعدان الجلديان مقلوبين، والمائدة حافلة بأعقاب السجائر، مثل يوم زيارتي الأولى (فتامارا تطفئ سجائرها في أي مكان، وبأي طريقة، ولا تنظف مسكنها غير مرة واحدة في الأسبوع) والكتب والأسطوانات الموسيقية مبعثرة فوق الأرض. ذلك اليوم، بالرغم من اضطرابي، كان بوسعي أن أرى الحليات الصغيرة التافهة الموزعة فوق الأرفف، والتماثيل الزجاجية، والأقنعة الإفريقية. وفي نهاية الغرفة بدا مطبخ أبيض اللون من خلال باب مفتوح.
توقعت أن تقدم تامارا، على الأقل، تفسيرا ما لهذه الفوضى التي لا تصدق، لكنها لم تفعل. لقد أنشأني أبي - إذا كان بالإمكان حقا القول بأني تلقيت تربية ما - على اعتبار النظام واحدة من الخصائص الجوهرية للإنسان، وعلى الاعتقاد بأن انتفاءه يعني انتفاء الإحساس الجوهري بكرامة الإنسان؛ أبسط إحساس بالكرامة. فهل يجب علي أن أستخلص من وضع الغرفة، أنه كان يقول لي ما لا يعتقد؟
تخيلت أنها تبذل بعض الجهد، قبيل زيارته، لعمل شيء من الترتيب في الغرفة. ولم أكن مخطئة تماما في تصوري. ففيما بعد، أدركت أن أبي، دون أن يكون في الأمر نفاق ما، يمكن أن ينفر من الفوضى في منزلنا، بل ويعاني منها جسديا، بينما يميل إلى وجودها في أماكن أخرى، وفي الحالة الأخيرة يعتبرها خلفية تصويرية؛ نوعا من الإطار الذي يضاعف من شعوره بأنه في جو مختلف تماما أثناء وجوده مع تامارا. نفس ما اجتذبني في مثل هذا المنزل الغريب. كان مسليا، مضحكا، لكن أبي ما كان ليرغب في الحياة فيه، أيا كان الثمن. وعندما فهمت ذلك، أدركت أيضا أنه لم يكن يفتقر إلى الخيال، كما سبق أن قررت بحسم، بغرور الفتاة الصغيرة. لكن الخيال لديه كان مجرد لهو وتسلية، ترويح لطيف، بينما جعلت منه أنا، بالتمرينات المستمرة، ودون أن ألحظ الأمر، وحشا التهم كل شيء، حتى قوة إرادتي.
بينما كانت بعض هذه الخواطر تجول في ذهني، أنعشت تامارا وجهها بماء العطر، ثم مشطت خصلاتها الكثيفة في شيء من الشرود، دون أن تلتفت نحوي، كأنما لم يكن لي وجود.
قالت أخيرا بصوت خالص من أي عاطفة: «المسكن غير ملائم. إنه عبارة عن سلسلة من الغرف، سيئة التنظيم، بطول الجناح الخلفي من المنزل.»
مضت إلى المطبخ، وفكرت أنه من اللائق أن أتبعها. وفوجئت به يفتح على غرفة أخرى تقوم بدور المخدع .
كان فرش السرير مطويا، يوحي بأنها غادرته لتفتح لي الباب. وبجوار السرير كان ثمة مطفأة ممتلئة، موضوعة مباشرة على الأرض، قرب كتاب مفتوح. وكان الباركيه يلمع. ولم يكن ثمة سجاد، الأمر الذي كان مفاجأة محببة لي. ففي منزلي كنت أمقت الطريقة التي يظهر بها الآخرون فجأة دون تحذير؛ لأن الأبسطة الوثيرة كانت تخفي أقل الأصوات شأنا. وكانت نافذة كبيرة، كالتي في الغرفة الأخرى، تطل مثلها على البحيرة. وكانت هذه الغرفة أكثر فراغا، فبالإضافة إلى الفراش، لم يكن بها غير مقعد جلدي بذراعين، وصندوق مطعم ذي أدراج.
ألقت تامارا بغلالتها الفارسية فوق المقعد. كانت ترتدي بيجامة شاحبة الزرقة وخفا جلديا. أعجبت بقامتها النحيلة، وبلباسها الذي بدا بالغ الأناقة وأنا أقارن في رأسي بينه وبين ثياب نومي، وهي عبارة عن أشياء قديمة منتفخة، محلاة بباقات صغيرة من الزهور. كانت جوليا تصنعها لي، واحدة بعد الأخرى، كلما بليت إحداها، وكانت جميعا متماثلة.
Unknown page