كتاب الطهارة للشيخ الأعظم الشيخ مرتضى الأنصاري قدس سره المتوفي سنة 1281 ه مؤسسة آل البيت (ع) للطباعة والنشر
Page 1
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم اجمعن إلى يوم الدين الركن الأول الماء المطلق وهو من أوضح المفاهيم العرفية الا ان تعريف المصنف قدس سره كغيره له بأنه ما يستحق اطلاق اسم الماء عليه من غير إضافة لأجل الإشارة إلى امتياز افراده من افراد غيره عند الاشتباه وان الماء من كون حقيقا باطلاق الاسم المجرد عليه بمعنى بطلان سلبه عنه فتقييده أحيانا لبيان الفرد لا لقبح الاطلاق ثم لو شك في تحقق الضابط المذكور وللشك في الصدق أو المصداق عمل بالأصول وكله طاهر مزيل للحدث والخبث مع اجتماع شروط مفصلة في محالها ولو شك في شئ منها على عمل أصالة العدم بناء على عدم ثبوت عموم يرجع إليه عدا اطلاق قوله في رواية السكوني الماء يطهر ولا يطهر ولا عموم له من حيث حذف المتعلق لوروده في مقام الاهمال في مقابل السلب الكلى المستفاد من قوله ولا يطهر كما في قولك زيد يحكم ولا يحكم عليه ويعطى ولا بل ولا من حيث كيفية التطهير بالماء لعدم سوقه لبيان ذلك نعم لو ثبت الأمر الأول أمكن دعوى كون كيفية التطهير بالماء مبنية عند العرف وحصوله عندهم بغلبة الماء على المحل بحيث يزيل عين القذارة عن المحل القذر واما طهارة المايعات النجسة بالاستهلاك فيه ففي عده تطهيرا في العرف تأمل هذا كله حكم الماء بحسب أصل الخلقة واما حكمه باعتبار وقوع النجاسة فيه فيظهر بعد أن ينقسم إلى ثلاثة أقسام جار ومحقوف وماء بئر وتتلبت الأقسام بماء البئر عند القد ماء واضح واما عند غيرهم فباعتبار بعض الأحكام المختصة به بعد وقوع النجاسة فيه إما الجاري وهو السائل عن مادة لا النابع مطلقا ولا السائل كذلك خلافا في الأول لصريح شيخنا الشهيد الثاني قده والمبسوط جماعة من جعل النابع مطلقا محكوما عليه بحكم الجاري مع حصر الماء في الأقسام الثلاثة فيكون وصفه بالجريان للغلبة أو لجريان الاصطلاح عليه وفيه ان الغلبة لا يوجب مخالفة العرف واللغة خصوصا في مقام حضر الأقسام واما جريان الاصطلاح ففيه ان عبارات أكثر من تقدم على المحقق الثاني كالمقنعة والمبسوط و السرائر والغنية والوسيلة والكافي وشرح الجمل والمعتبر وأكثر كتب العلامة والدروس طاهرة بملاحظة عنواناتهم واستدلالاتهم على دفع النجاسة ورفعها عن الجاري في اعتبار السيلان فلا حظ واما ما ذكر من أن النابع غير البئر عندهم بحكم فلم يعلم ذلك من المشهور فيحتمل ان يكون عندهم في حكم البئر وهو ط المحقق حيث حكم بعدم تطهير القليل بالنبع من تحتة معللا بان النابع ينجس بالملاقات وجعله كاشف اللثام أوضح الاحتمالين وفى المقنعة كما في التهذيب انفعال القليل من الغدير النابع وتطهيره بالنزح وعدم انفعال الكثير منه بل في مفتاح الكرامة عن المح البهبهاني ان النابع الراكد عند الفقهاء في حكم البئر لكن الانصاف ان دخول هذا القسم في الجاري أشبه بكلماتهم من دخوله في البئر وابعد منهما كونه قسما ثالثا لكنه غير مجد بعد اختصاص أدلة احكام الجاري عرفا ولغة بالسائل نعم لو ثبت حكم لذي المادة عموما تعين جريانه فيه كما أنه لو قلنا بدلالة صحيحة بن بزيع الآتية في حكم ماء البئر على عدم انفعال مطلق ذي المادة بما عدا التغيير أو على ارتفاع النجاسة الحاصلة من التغيير عنه بمجرد زواله مط أو باختلاطه بما يخرج من المادة وكذا لو ثبت طهارة ماء البئر أمكن الحاق هذا الفرد به بالاجماع المركب وان لم يكن بئرا إما طهارته على تقدير النجاسة بالنزح فلم يثبت الالحاق فيه وان جزم به بعض المعاصرين نافيا عنه الريب لكنه مستند في ذلك إلى عموم التعليل بالمادة في صحيحة ابن بزيع لا إلى عدم التفصيل بينه وبين البئر واما كفاية مطلق السيلان ولولا عن مادة فهو المحكي عن بعض متأخري المتأخرين مستندين إلى صدق الجاري على المياه الجارية عن ذوبان الثلج خصوصا
Page 2
إذا لم ينقطع في السنة ويرده ان الاطلاق مجاز لمشابهة تلك المياه بمياه الشطوط النابعة ولذا لا يطرد عرفا في كل ما تلبس بالجريان ولو كان قليلا للقطع بصحة سلب الجاري عن الماء المنصب من الكوز وغيره من الا نية ولذا جعل في الاخبار ماء الحمام إذا كانت له مادة بمنزلة الجاري مع أنه جار من المادة حقيقة ومنه يظهر ان توصيف ماء الحمام في بعض اخباره بالجريان باعتبار المعنى اللغوي وقد اغرب بعض من انتصر هذا القول حيث استدل برواية الميزابين الجارتين أحدهما بول والاخر ماء المطر نظر إلى شموله لماء المطر بعد انقطاعه ثم لو شك في صدق الجاري لأجل الخلاف في كفاية مجرد النبع أو السيلان أو الخفاء صدق النبع المفسر عن جماعة بالخروج من عين عمل بعمومات احكام القليل والكثير أو البئر وقد يمنع شمول الأولين لان المتيقن منهما ما لم يكن له مادة فيبقى المشكوك تحت عمومات عدم الانفعال الا بالتغير وكذا شمول الثالث لمنع صدق البئر أو انصرافه ولذا حكى في الحدائق عن والده عدم تطهيره مثل هذه الا بار بالنزح بل بالقاء الكر الأخير حسن مع الشك في الصدق أو الانصراف وعدم عموم صحيحة ابن بزيع الآتية لجواز تطهير كل ذي مادة بالنزح والأول ممنوع جاد للاطلاق بل العموم في تلك الأدلة ولم يخرج منه الا الفرد المتيقن من الجاري فهو الذي اختص عند المش بأنه لا ينجس كثيره ولا قليله بمجرد الملاقاة بل ادعى الاجماع على عدم الفرق صريحا في الغنية وشرح الجمل القاضي و وكالصريح في المعتبر وظاهرا كما عن ظاهر الخلاف وحواشي التحرير للمحقق الثاني ومصابيح العلامة الطباطبائي واستدل عليه تبعا للخلاف والتهذيب بما دل على نفس البأس عن البول في الماء الجاري وبصحيحة ابن مسلم الواردة في الثوب الذي يصيبه البول وان غسلته في ماء جار فمرة واحدة بناء على أنه يشرط في الغسل بالماء المنفعل بالملاقات ورود الماء على النجاسة وط الصحيحة ايراد الثوب على الجاري وان ماء الحمام بمنزلة الجاري فإنه ظاهر في خصوصية لمطلق الجاري على غيره وكذا قوله ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا بناء على شموله للنهر الصغير وصحيحة ابن يزيع ماء البئر واسع لا يفسده شئ الا ان يتغير ريحه أو طعمه فينزح حتى يذهب الريح ويطيب الطعم لان له مادة بناء على أن التعليل إما راجع إلى الفقرة الأولى فيدل على عدم انفعال كل ذي مادة بما عدا التغير واما راجع إلى الفقرة الثانية فيدل على أن كل ذي مادة متغيرة ترتفع نجاسة بزوال تغيره بتجدد الماء عليه من المادة بل بمطلق الزوال وهذا لا يجتمع مع انفعال قليله بالملاقات ولو عورضت هذه بظواهر انفعال الماء القليل لزم على تقدير التكافؤ الرجوع إلى عموم خلق الله الماء طهور الا ينجسه شئ الا ما غير الخ وخصوص المرسل المحكي عن نوادر الراوندي الماء الجاري لا ينجسه شئ وعن دعائم الاسلام عن أمير المؤمنين (ع) قال في الماء الجاري يمر بالجيف والعذرة والدم يتوضأ ويشرب وليس ينجسه شئ ما لم يتغير أو صافه طعمه لونه وريحه وصريح المحكي عن الفقه الرضوي المنجبر جميع ذلك بما عرفت مضافا إلى استصحاب الطهارة وقاعدتها وقد يضاف إلى ذلك أيضا عدم الخلاف ظاهرا في أن طريق تطهير الجاري المتغير بتكاثر الماء من المادة عليه والنابع تحتها لا يبلغ الكر غالبا والصبر إلى أن يبلغه لا يجدى كما لا يخفى وفى أكثر هذه الوجوه نظر لقصورها دلالة أو سندا لولا الاجماعات المعتضدة بالشهرة إما اخبار نفى البأس عن البول في الجاري فلو رودها في حكم البول في الماء لا الماء بعد البول بل الرواية ساكتة عنه كما أن قوله (ع) في بعض هذه الأخبار بعد قوله لا بأس ان يبول الرجل في الماء الجاري وكره ان يبول في الماء الراكد لا ينافي انقسام الماء الراكد الذي يبال فيه إلى ما ينفعل والى مالا ينفعل والانصاف ان الظ من الماء الجاري والراكد في هذه الأخبار ما لا ينفعل وان الحكم بالكراهة بعد فرض عدم انفعالهما نعم لو تمسك برواية سماعة عن الماء الجاري يبال فيه قال لا باس به أم يخل من وجه بناء على ظهورها في السؤال عن الماء لا عن البول فيه فتأمل واما صحيحة ابن سرحان ان ماء الحمام بمنزلة الجاري فهى أدل على خلاف المطلب بناء على اشتراط بلوغ المادة المعتبرة في ماء الحمام ولو بضميمة ما في الحياض كرا لان مقتضى التنزيل تساوى الشيئين في الحكم نعم لو قيل إن ماء الحمام بعد تقييده بالكرية نازل منزلة مطلق الجاري لثبت به المطلوب لكنه خلاف ظ اطلاق اللفظ ودليل اشتراط الكرية في ماء الحمام لا يوجب ملاحظة التقييد فيه في هذا التنزيل بل لا وقع للتنزيل بعد اخذ الكرية فيه فكأنه قال الكريه بمنزلة الجاري فالانصاف حمل الرواية بناء على اعتبار الكرية في ماء الحمام على تنزيله بمنزلة الجاري في تجدد الماء النظيف منه تدريجا فيرتفع القذارة المتوهمة من ملاقاة بعضه للنجاسة فان الماء الراكد ولو كان كرا مورد لتوهم استقرار القذارة المتوهمة من الملاقاة فيه فهذا التنزيل لدفع ما في النفس من الاستقذار الناشئ من ملاقاة النجاسات فليس الكلام مسوقا لبيان حكم الجاري من حيث اعتبار الكثرة فيه وعدمه ومنه يعلم عدم صحة الاستدلال برواية ابن أبي يعفور المرسلة ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا فان السؤال فيها عن حكم ماء الحمام مع اغتسال اليهودي وشبهه فيه فالمراد بالتطهير فيه إما رفع القذارة المتوهمة منه من الملاقاة واما دفع القذارة الشرعية واعتصامه عن الأنفال فالمراد بالتطهير حفظ الطهارة كما في أية التطهير واية تطهير مريم لا رفع النجاسة المتحققة واما ما ذكره بعض الفحول من أن المراد الرفع ويعلم حكم السؤال أعني الدفع من الفحوى فيما الذوق السليم مع أن رفع النجاسة المتحققة في بعض النهر أو بعض ماء الحمام لا يكون بأي بعض وعلى أي وجه على ما هو ظاهر عموم الرواية بخلاف دفعها فان كل بعض
Page 3
منه معتصم بالبعض الأخر ومنه يظهر ان الرواية أدل على خلاف المطلوب حيث إن طاهرها اعتصام ماء النهر بعضه ببعض الا بالمادة فيدل على اعتبار كثرته في اعتصامه وأيضا فمقتضى المماثلة المساواة من الطرفين ومن المعلوم ان رفع النجاسة المتحققة في ماء الحمام لا يكون الا بالمادة البالغة كرا فمقتضى المماثلة اعتبار ذلك في الجاري وإذا تنجس بعضه وهذا عين مذهب العلامة في الجاري هذا مع أن في اختصاص لفظ النهر بالنابع ثم في شموله لما دون الكر تأملا أو منعا واما صحيحة ابن بزيع فيحتمل فيها رجوع التعليل إلى ترتب ذهاب الريح وطيب الطعم على النزح لان هذا الترتيب مستند إلى المادة فيكون كما ذكره شيخنا البهائي في الحبل المتين بمنزلة قول الرجل لازم غريمك حتى يوفيك حقك فإنه يكره ملازمتك و دعوى ظهوره في الرجوع إلى ما ذكر في الاستدلال عرية عن الشاهد واما ما ذكر في طريق تطهير الجاري إذا تنجس فهو شئ لم يذكره عدا من نص على عدم انفعال القليل من الجاري بالملاقات فلا يكون فيه حجة على من خالفهم نعم قد ذكره مه أيضا في المنتهى مع قوله بانفعال قليل الجاري ولابد من حمل كلامه على ما إذا علم كرية الطاهر الغالب على المتنجس المتغير ولو بضميمة ما في المادة فان الظاهر أنه يكفي عنده مشترط الكثرة في الجاري بلوغه مع ما في المادة كرا لكن عليه ان يراعى ما يعتبر في اعتصام الكر من تساوى سطح الماء أو كون العالي كرا واما صحيحة ابن مسلم فالاستدلال بها مبنى على الفرق بين الورودين وسيأتي الاشكال فيه مع أنها على تقدير التسليم كالمحكى عن النوادر والدعائم والرضوي معارضة باطلاق أدلة إناطة الاعتصام بالكثرة والتقييد في اطلاقات الجاري اخرج للفرد النادر لان مالا يبلغ مع ما في المادة بل بنفسه كرا قليل بخلاف تقييد الماء بغير الجاري في أدلة إناطة الاعتصام فإنه اخراج للفرد المتعارف ودعوى ان الخارج عن أحد الاطلاقين هو الجاري القليل ولا يتفاوت الحال بين خروجه عن اطلاقات الجاري أو عن تلك الاطلاقات مدفوعة بان الخارج من أدلة إناطة الاعتصام بالكثرة في مثل قوله ع بعد السؤال عن الماء الذي لا ينجسه شئ انه الكر من الماء وقوله إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ ونحو ذلك هو مطلق لجاري فيكون المقسم في هذه الأدلة هو الماء الراكد وهذا أبعد من تقييد الجاري بما يبلغ الكر كما لا يخفى على المنصف هذا مضافا إلى شهادة الاعتبار بان المعيار في عدم تأثير النجاسة في الماء هي غلبة الماء واستهلاكه لها والنبع عن مادة لا يدخل له في ذلك لكن يوهن هذا الاعتبار ملاحظة حكم ماء المطر الروضة، واما ما ذكره من الرجوع إلى عموم خلق الله الماء طهور الا ينجسه شئ وانه المرجع بعد التكافؤ فهو مبنى على عدم كون الانفعال من مقتضيات نفس الملاقاة وكون الجريان كالكرية عاصما مانعا من النجاسة لكن فيه تأمل من ظهور قوله ص خلق الله طهورا لا ينجسه شئ الا ما غير لونه الخ في أن الماء بنفسه غير قابل للانفصال خرج من ذلك الراكد حيث دل أدلة الكرية على أن اعتصامه وعدم انفعاله لأجل كريته لا لنفسه ومن ضعف الرواية فيجب العمل بمقتضى أدلة الكرية الظاهرة في كون الماء بنفسه قابلا للانفعال بالملاقات الا إذا كان كرا فان الكرية يوجب عدمه ومنه يظهر عدم التكافؤ الموجب الرجوع إلى الأصل ثم إن الشهيد قده قال في الدروس ولا يشترط فيه أي في الجاري الكرية على الأصح نعم يشترط دوام النبع انتهى ولم تضح لمن تأخر عنه مقصوده من دوام النبع لان ظاهره غير مراد قطعا فيحتمل ان يحترز بذلك عن العيون التي تجرى في الشار وتجف في الصيف وان يحترز به عن مثل الأبار حيث إنها تنبع حتى تعلو الماء إلى مقابل النبع فيقف فإذا نقص منه اخذ في النبع وان يحترز به عما ينقطع زمانا لعارض من سند المادة ونحوه فيعتبر الجريان حين ملاقاة النجاسة وان يحترز به عن العيون الصغار التي يرشح انا فانا بحيث لا يتصل نبعه والقابل للإرادة والمحتاج إلى البيان هو الاحتمال الثاني فيكون العيون الراكدة عنده غير ملحقة بالجاري ويكون الجريان فعلا معتبر أو هو الحق على تقدير عدم اعتبار الكرية لأنه المتيقن من الأدلة السابقة ومن معقد الشهرة والاجماعات المتقدمة لما عرفت ان الجاري عندهم هو السائل عن نبع نعم لو كان مدرك الحكم صحيحة ابن بزيع عم الحكم لمطلق ذي المادة بشرط اتصاله بها وكيف كان فالجاري لا ينجس الا باستيلاء اثر عين النجاسة ولو في ضمن متنجس على ما هو الغالب من تغير الجزء البعيد من الماء بالجزء القريب المتغير بعين النجاسة الواقعة فيه بل ولو لم يقع في الماء الا المتنجس المتغير بعين النجاسة كالماء المتلون من الدم و دعوى عدم شمول الاخبار لذلك واختصاصها بما إذا وقع عين النجاسة فغير به ولو بالواسطة يدعها ان المناط تغير الماء باثر النجاسة لا تغيير عين النجاسة للماء يشهد به صحيحة ابن بزيع لا يفسده شئ الا ان يتغير ريحه أو طعمه وصحيحة حريز كلما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضأ واشرب وإذا تغير الماء وتغير الطعم فلا تتوضأ ولا تشرب واحترز بعين النجاسة عن اثر المتنجس فإنه لا يوجب الانفعال الظهور والأدلة في الاختصاص فان ط بالشئ في قوله ص لا ينجسه شئ الا ما غير لونه هو نجس العين لان المتنجس انما ينجس ما يلاقيه بواسطة نجس العين مع أن بعض الأخبار مشتمل على القرينة لذلك مثل قوله ع في صحيحة ابن بزيع لا يفسده شئ الا ما غير لونه أو طعمه فينزح حتى يطيب الطعم ويذهب اللون فان طيب الطعم قرينة على إرادة نجس العين من الموصول وظاهر المبسوط والمعتبر والتحرير ان المضاف المتنجس إذا اختلاط بالماء المطلق الكثير وبقى أحد أوصاف المضاف لم يطهر واستفيد من ذلك حكمهم بان التغير بالمتنجس ينجس وفى الاستفادة تأمل لكن هذا القول المشهور عن الشيخ وكيف كان فيكفي في الحكم بالطهارة أصالة عدم الانفعال ولو عورضت في بعض الموارد كما إذا القى مايع متنجس في الماء بأصالة بقاء نجاسة رجع بعد التساقط إلى قاعدة طهارة الماء كما في الماء المتنجس المتمم كرا بطاهر ثم إن
Page 4
الانفعال بالاستيلاء على أحد أوصافه المعهودة في النص والفتوى وهي الطعم والريح واللون مما لا ريب ولا خلاف فيه والاخبار بالأولين متواترة وفى الثالث مستفيضة وان تأمل فيه بعض لعدم عثوره فيه على خبر صحيحة وفيه ان غير الصحيح قد يبلغ بالجبر مرتبة الصحيح فيكفي ما تقدم عن دعائم الاسلام مضافا إلى غير ففي الصحيح المحكي عن بصائر الدرجات بسنده عن شهاب بن عبد ربه قال أتيت أبا عبد الله (ع) أسأله فابتدأني فقال إن شئت فاسئله يا شهاب وان شئت أخبرناك بما جئت قال قلت أخبرنا جعلت فداك وساق السائل إلى أن قال جئت تسئلني عن الماء الراكد الغدير يكون فيه الجيفة أتوضأ منه أو لا قال نعم توضأ من الجانب الآخر الا ان يغلب على الماء الريح فينتن وجئت تسئلني عن الماء الراكد من البئر قال فما لم يكن فيه تغير أو ريح غالبة قلت فما التغير قال الصفرة فتوضأ ومتى كلما غلب عليه كثرة الماء فهو طاهر الخبر وذكر خصوص الصفرة لبيان اللون الحاصل من الجيفة وفى رواية العلاء بن فضيل عن الحياض يبال فيها قال لا بأس إذا غلب لون الماء لون البول وليس فيه الا محمد بن سنان وقد ذكر بعض المتأخرين قراين للاعتماد على روايته مثل رواية الاجلاء عنه خصوصا صفوان الذي لا يروى الا عن ثقة مع انجبار الضعف على تقديره بالاجماعات المستفيضة وما دل على الانفعال بمطلق التغير ففي رواية أبي بصير عن الماء النقيع تبول فيه الدواب فقال إن تغير الماء فلا تتوضأ منه وان لم يتغير بأبوالها فتوضأ منه وكل الدم إذا وكذلك في الماء وأشباهه ثم إن مقتضى اطلاق بعض الأخبار وإن كان كفاية مطلق التغير ولو بالمجاورة مثل صحيحة ابن بزيع ماء البئر واسع لا يفسده شئ الا ان يتغير ريحه أو طعمه وغيرها الا ان الظ منها ومن غيرها وقوع الاستثناء عما يلاقى الماء لا عن كل شئ فان الظ التبادر المركوز في أذهان المتشرعة من قول القائل هذا ينجس الماء أو الثوب حصول ذلك بالملاقات ولذا لم يحتمل أحد في مفهوم إذا كان الماء قدر كر لا ينجسه شئ حصول الانفعال للقليل بمجاورة النجاسة ولو خرج بعض الجيفة عن الماء وعلم استناد التغير إلى مجموع الداخل والخارج فالظاهر انفصاله لصدق تغيره بما قوع فيه ولو شك في استناده إلى خصوص أحدهما فالأصل الطهارة ولا عبرة بغير الأوصاف الثلاثة وان خالف اطلاق اخبار مطلق التغير للاجماع الظاهر المصرح به في محكى الدلايل و شرح المفاتيح واستظهر من كل من اقتصر في معقد اجماعه على الأوصاف الثلاثة مضافا إلى الحصر المستفاد من عموم الاخبار المتضمنة لبيان الثلاثة أو بعضها ولو تغير ما لا ينفعل بالملاقات كالسطح العالي المتغير بسبب وقوع النجاسة المغيرة في السافل ففي انفعاله للعمومات وعدم لأن الظاهر أن التغير انما ينجس ما يقبل الانفعال لو كان قليلا والعالي ليس كل فكأنه تغير بالمجاورة وجهان أقواهما الأول بناء على صدق الماء الواحد على المجموع وعدم انفعال بعضه العالي بملاقات السافل للنجاسة انما هو باجماع فت ثم اعلم أن المراد من صفة الماء المتغيرة أعم من صفة نوعه أعني اللون والطعم والريح الثابتة لطبيعة الماء وإن كانت طبيعة خالية عنها أو عن بعضها لكن المراد بصفاتها الطبيعة مقابل الصفات العارضة له ومن صفة صنفه كماء النفط والزاج والكبريت ومن صفة شخصه كالماء الأحمر فإذا زالت حمرته بسبب ملاقاة عين النجاسة وصار ماء صافيا فالأظهر نجاسة لحصول التغير عرف فان هذا الصفاء هو صفاء النجاسة الواقعة فيه كالبول الصافي مثلا خلافا لبعض فلم يعتد بالصفات العارضية للماء فزوالها بالنجاسة لا يوجب عنده تغيره بها حتى ينجس ووجودها لا يمنع من تنجس الماء بالنجاسة إذا كانت مغيرة له لولا هذه الصفات كما سيأتي منه والأظهر عندنا ان المستفاد من الاخبار إناطة نجاسة الماء بظهور اثر النجاسة فيه لموجب للتغيير والاستقذار وإن كان بإزالة صفاته العارضة وإناطة طهارته بعدم ظهور اثر النجاسة ولو للمانع العارضي فيه كما لو فرضت مثل الحناء الذي لونه أخضر قبل الرطوبة واحمر بعدها ومن ذلك ما لو وقعت على لون فأحدت لونا اخر كما إذا وقع لون الزرقة على الصفرة فيصير أخضر فان هذا المحسوس هي الزرقة القائمة بجسم أصفر ومن هذا القبيل الصفرة الحاصلة للماء من قليل الدم فان لو في الحمرة والبياض إذا تأثر كل منهما بالآخر فيحدث الصفرة فالاستهلاك يحصل من الطرفين توضيح ذلك أن الماء إذا خالف النجاسة في نوع اللون أو شخصه فتلونه بلونها ليس بانتقال نفس العرض منها إليه وانما هو بتلاشي اجزاء ذي اللون في الماء فترى تلك الأجزاء كالمتصل الواحد فيحصل التأثير والتاثر من الطرفين لكن قد يحصل الاستهلاك من أحدهما لغلبة اللون فيه والحاصل من تأثير الأخر ليس الا التخفيف في اللون الغالب لا إلى حد الاستهلاك فإن كان الغالب فهو ظاهر وإن كان النجاسة فهو نجس وقد يحصل الاستهلاك من الطرفين فيحصل لون ثالث كالخضرة في المثالين المذكورين وان أبيت عن صدق الاستهلاك من الطرفين سمه تأثير أو تأثر أو إما إذا ساواه في اللون نوعا وشخصا فلا يحصل استهلاك أصلا فان زيادة اللبن لا يوجب تفاوتا في البياض لاستحالة الترجيح بلا مرجح فلون كل جزء قائم بنفسه لاستهلاكه الأجزاء المساوية في اللون ثم المساواة بينهما قد يكون من جهة عدم اللون العرفي لأحدهما كما في النجاسة والماء الفاقدين اللون وإن كان الجسم لانج عن لون ولو باعتبار الأجزاء الترابية الواقعة في الماء وقد يكون من جهة ثبوت اللون العرفي المساوى وللون الأخر سواء كان اللون فيهما أو في أحدهما بحسب أصل الخلقة أو العروض عارض وحكم هذه الصور انه ان قلنا إن المعتبر في نجاسة الماء استهلاك النجاسة له بحيث يتأثر الماء فعلا تأثيرا عرفيا إذا الحقيقي لابد منه عقلا أخص الحكم بالنجاسة بالصورة الأولى أعني الاستهلاك المطلق للماء وان قلنا إن المناط تأثر الماء بالنجاسة وذهاب صفته السابقة سواء اثر هو أيضا في النجاسة وذهب بصفته السابقة
Page 5
كالخضرة والصفرة في المثالين السابقين أم بقيت عرفا واما البقاء الحقيق فغير ممكن لحصول الضعف فيها لا محالة لحقت الصورة الثانية أعني الاستهلاك من الطرفين بالأولى وان قلنا إن المناط تأثر الماء عن النجاسة بالقوة بمعنى كونها بحيث لو خالف لونها لون النجاسة لاستهلكته وعدم المخالفة بين الطرفين وتارة لعدم اللون لها واخرى لتوافق اللونين عم الحكم الصورة الثالثة بقسميها واما الفرق بين قسميها بان التغير في القسم الثاني محسوس لكنه مستور فلم يفهم محصله فان الجسم الواحد لا يتصف بلونين إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم أن الاظهر في معنى الروايات هو المعنى الثاني وعليه فلا يعتبر التغير التقديري باقسامه المتقدمة أعني ما لو كان النجاسة فاقدة أو كانت ذات صفة في الماء صفة مانعة عن تأثيرها ذاتية كانت كماء الزاج والكبريت أو عرضية كالمصبوغ بطاهر احمر وهذا هو كل من اطلق التغير غلافا للمنتهى وعد حيث قال فيهما لو وافقت النجاسة الماء في صفاته فالأقرب الحكم بنجاسة الماء إن كان يتغير بمثلها على تقدير المخالفة والا فلا ويحتمل عدم التنجيس لعدم المقتضى وهو التغير انتهى ولعل الوجه في ذلك ما اختاره في موضع اخر من أن التغيير كاشف عن مؤثر التنجيس لا انه نفس المؤثر ولازم ذلك أنه إذا حصل ما يكون علة تامة للتغير لا مانع منه الأسبق الماء بعلة أخرى له فتخلف المؤثر لقصور المتأثر عن التأثر لا لنقص في المؤثر فيحصل النجاسة وفيه أولا منع كون التغير كاشفا وطاهر الاخبار كونه نفس المؤثر نعم قد يتراءى من بعض الأخبار إناطة الحكم بالغلبة والاستيلاء الظاهر بن في اعتبار النجاسة من حيث الكمية لكن الظاهر منها بعد التأمل إرادة الغلبة من حيث الوصف مع أن اعتبار الغلبة من حيث الكم يوجب عدم الحكم بالنجاسة الا مع استهلاك الماء وخروجه عن حقيقته لكثرة النجاسة ولم يقل به أحد وثانيا منع تحقق المؤثر فيما نحن فيه لعدم الكاشف عنه غير التغير المفقود بالفرض ثم إن ظاهر العبارة صيرورة النجاسة كالماء في كيفية الأصلية الغالبة فيها من عدم الوصف لا صيرورة لماء كالنجاسة في وجود الصفة الثابتة لها غالبا فلا وجه لما اورده عليه جامع المقاصد من أن حق العبارة أن يقول لو وقعت نجاسة مسلوبة الصفات لان موافقة النجاسة الماء في الصفات صادق على نحو الماء المتغير بطاهر احمر إذا وقع فيه دم فيقتضى ثبوت التردد في تقدير المخالفة في هذه الصورة وينبغي القطع بوجوب التقدير المصباح لان التغير هنا تحقيقي غاية الأمر انه مستور عن الحس انتهى ولا يخفى عدم صدق العبارة المذكورة على الصورة التي ذكرها كما لا يخفى على العارف التأمل ثم الظاهر من جامع المقاصد انه لا ينبغي التأمل في التقدير فيما ذكره من صورة عروض وصف للماء مانع من ظهور التغير لما ادعاه من كون التغير تحقيقا مستورا وحكى نحوه عن المدارك والعالم وسبقهم إليه الشهيد قده في البيان قال إن الماء إذا كان مشتملا على ما يمنع من ظهور التغير فح يكفي التقدير وعن الحدائق انه قطع به متأخروا الأصحاب من غير خلاف معروف بينهم في هذا الباب وعن المصابيح إما إذا كانت النجاسة موافقة في صفته الأصلية كما في المياه الزاجية والكبريتية أو العارضة كما لو وقع في الماء المتغير بطاهر احمر دم فان الماء ينجس قطعا الظهور وصف النجاسة عليه حقيقة بل قد يقال إنه لا بد ان تؤثر النجاسة فيه اشتداد التحقق التغير حسا انتهى أقول لا خفاء في امتناع لون محل واحد شخصي بلونين وقد عرفت ان لون الماء بالنجاسة لا يكون الا مع تأثيرها فيه فعلا وانه لو فرض ممازجة جسمين متساويين في اللون لم يصر أحدهما منفعلا بلون الأخر بل كان جزء من المجموع مركب من جزئين لون كل منهما قائم بنفسه غير مؤثر في الأخر لامتناع الترجيح بلا مرجح فلا أجد معنى لظهور وصف النجاسة وتحقق التغير والاستيلاء ودعوى استتاره عن الحس ولا لما ذكر من أنه لابد من تأثير النجاسة اشتداد في الون الماء الموافق له وقد مثلنا لك ان زيادة اللبن على اللبن لا يؤثر في بياضه ولأجل ما ذكرنا اعترف العلامة والشهيد قده فيما تقدم من كلامهما بان التغير هنا تقديري ثم الفرق بين صورتي التوافق مشكل كما يظهر من الحدائق ومحكى حاشية المدارك بل جزم في الروض بعدمه وهو الظاهر لاشتراكهما في كون التغيير الفعلي معلقا غاية الا متوقفه في أحدهما على وجود المقتضى وفى الأخرى على انتفاء المانع بل الظاهر كونه من قبيل الثاني في كليهما لأن الماء وإن كان فاقد للصفة عرفا كالنجاسة الا انهما لا يخلون عن لون قطعا ولذا قد يستهلك الفاقد الواجد ويسلبه صفته فيقال انه صار بصفة ما استهلكته فالتأثير المصباح يتوقف على عدم هذا الوصف الذي يطلق عليه مسامحة عدم الصفة ويتلوا الفرق المذكور في الاشكال بل الضعف ما عن المحقق الخونساري في المشارق من الفرق في صورة وجدان الماء للصفة المانعة بين كونها أصلية كالمياه الزاجية والكبريتية وكونها عارضية كالمصبوغ بطاهر فيعتبر التقدير في الثاني دون الأول ولعله يعتبر استيلاء النجاسة على أوصاف الماء الأصلية ولو من حيث الصف لا من حيث خصوص النوع ولا يعمهما والشخص ثم إن بعض من اعترف بعدم تحقق التغير الصنفي في صورة عروض الصفة المانعة من التغير للماء اختار الحاقه به في الحكم وبنى على أن المراد بصفات الماء صفاته الأصلية لا الصفة الطارية بمغير عن صفته الأصلية ومرجعه إلى كفاية كمال التأثير في النجاسة وان قصر الماء عن التأثر لتأثره قبلها وذكر لذلك وجوها نذكرها ملخصا مع الجواب عنها الأول ان التأثير المذكور لا يكون الا مع اثر للنجاسة صالح للتغير لو فرض وهذا الأثر يجب ازالته في تطهير الماء لو فرض تغيره حسا بنجاسة أخرى كما يشهد به اخبار البئر فهو مؤثر في التنجيس أيضا وفيه ان المتيقن من أدلة الانفعال الأثر المغير فعلا واما الأثر الصالح للتغير فمشكوك التأثير فيرجع في حكمه إلى الأصول ومقتضاها الحكم بعدم النجاسة مع الشك في حدوثها بسبب هذا الأثر وببقائها مع الشك في ارتفاعها إذا لم يرتفعا ذلك الأثر مع أنه قد يمنع وجوب ازالته لمنع الاستصحاب في مثله أو لقيام
Page 6
الدليل على الطهارة بعد استهلاك التغير المحسوس وملاقات الكر الثاني انه لو زالت الصفة أولا بالنجاسة ثم ورد عليه الطاهر المغير لولا سبق النجاسة فلا اشكال في النجاسة فكل العكس لأنا نعلم أن زوالها بالطاهر أولا لا يوجب قوة للماء لو لم يوجب ضعفا وفيه ان العلم بذلك لا وجه له إذ لا يبعد ان يكون.
المناط في النجاسة ظهور صفة النجاسة الموجب التنفر والاستقذار فإذا قهر الماء النجاسة ولم يظهر فيه اثرها ولو من جهة صفته الشخصية بقى على الطهارة الثالث انه لو القى في الماء طاهر ونجس بحيث استند تغيره إليهما معا وكان النجس صالحا للتغير فهذا الماء نجس قطعا ولا وجه لذلك الا وقوع ما هو صالح لتغيره وفيه امكان منع نجاسته ولا سند للقطع بها بعد ظهور الأدلة في استناد التغير إلى نفس النجاسة ولو سلمنا فغاية الامر كفاية مدخلية النجاسة في التغير الفعلي وهو مفقود فيما نحن فيه فلا وجه للمقايسة عليه بعد تسليم الحكم في الأصل الرابع انه لو فرض وقوع نجاسة مغيرة إلى صفة ثم وقوع نجاسة مغيرة عنها إلى أخرى فالماء نجس يقينا ولا وجه لمنع كون تغير الثاني غير مندرج في التغير المعتبر الواجب ازالته في التطهير والمفروض ان النجاسة الثانية لم يتغير صفة الماء المذكور في النص والفتوى ولذا لا يكفي إعادة الصفة أولي لو فرض امكانها فتعين اعتبار الصفة الذاتية للماء وتقدير وقوع النجاسة حال وجوها ان وردت حال زوالها وجعل توارد المغير بمنزلة توارد الناقص فإذا توارد طاهر ونجس اثر النجس اثره وهو المط وفيه ان المعتبر في نجاسة الماء وجود اثر النجاسة فيه فعلا فلا يضر تبادل افراد الأثر ولا يعتبر في النجاسة كونها هي المزيلة لصفة الماء كما يشهد به قولهم (ع) وإذا غلب لون الماء لون البول نعم يبقى الكلام بناء على أن النجس في أن نجاسة الماء بهذا المغير الفعلي أم بالتغير الأول الزايل الظاهر هو الثاني لكن هذا الكلام جاز في تغير صفتين من الماء على التعاقب فعلا ولا دخل له فيما نحن فيه الخامس انه لو تغير الماء بطاهر احمر ثم بالدم ثم صفى الماء عن حمرة الطاهر فظهر لون الدم فان الماء نجس قطعا ولا وجه له الا ما قلنا لعدم بقاء عين النجاسة حين ظهور صفتها وعدم تجدد تأثيرها في الماء فيلزم الحكم بتنجسها من حين وقوعها وفيه منع اعتبار كون حدوث التغير حين وجود العين السادس انه لو القى بالماء طاهر احمر حتى استعد لان يحمر لقليل من الدم فالقى فيه فتغير فلا سبيل إلى الحكم بنجاسته كما هو الظاهر فعلم أن الملحوظ في فط الشارع حال الماء قبل حدوث الطوارى فلا عبرة بتغيره باعداد الطوارى ولا بعدمها لمنعها وفيه منع عدم انفعال الماء المذكور ولا مخرج له عن عمومات التغير الا استبعاد كون هذا القليل مؤثر أولا عبرة به كاستبعاد كون كثير من النجاسة المسلوب الصفة غير مؤثر فلعل المناط عند المشهور تأثر الماء فعلا بصفة النجاسة الموجب للاستقذار وتنفر الطباع كما أن أصل النجاسة في الأعيان غالبا لأجل الاستقذار السابع ان اعتبار الصفات الثلاث كما استفيد من مجموع اخبار الباب كذلك المحصل منها بعد الجمع بينها ان المعتبر في طهارة الماء غلبته على النجاسة وقهره لصفاتها بحيث لا يوجد شئ منها في الماء على وجه يصلح لتغيره أصلا وفيه انه لم يظهر لنا بعد ملاحظة الاخبار هذا المعنى وانما المتيقن من اخبار النجاسة بالتغير غلبة النجاسة على الماء بحيث يظهر اثرها عليه فيرجع في غير هذه الصورة إلى الأصل والعمومات الثامن انه كما لا يعتبر في النجاسة الا صفاتها الأصلية المستندة إليها لا صفاتها العارضة المستندة إلى غيرها وإن كانت هي الموجودة بالفعل فلا تكون معتبرة في صفات الماء أيضا لدلالة الإضافة على اعتبار الحيثية في الموضعين وفيه ان المعتبر في النجاسة صفتها الذاتية ولو لخصوص شخصها في مقابل صفة الطاهر الممازج معها كالبول الواقع فيه شئ من الزعفران أو المعزة الطين الأحمر الذي يصبغ به مجمع والمراد بلون الماء أيضا هذا و ح فإذا كان في النجاسة مانع من تأثيرها بلونها الأصلي في الماء كما لو كان في العذرة مسك يمنع من ظهور العفونة في الماء أو كان في الماء ما يمنع من تأثره بلون الأصلي من النجاسة كما في مسئلتنا فهما خارجان عن مورد الاخبار فلا دليل على التقدير في الموضعين فدلالة الإضافة الحيثية في الموضعين وظهور الاخبار في اللون الأصلي لكل من الماء والنجاسة انما ينفع في ثبوت النجاسة مع استناد التأثر والتأثير الفعلين إليهما لا في ثبوتهما مع صلاحيتهما للتأثير والتاثر لو قدر عدم الطارئ ومن هنا يعلم أن بناء المسألة على اعتبار الصفات الأصلية الماء واستظهار الاخبار في ذلك لا ينفع في مطلوبه بعد ظهورها في تأثر الماء فعلا المفقود فيما نحن فيه ومن هنا يظهر ما ذكره من وجه تاسع ذكره ثالث الا وجه التسعة طوينا ذكرها للعلم بجوابه من أجوبة ما تأخر عنه (ويطهر) المتغير (بكثرة الماء الطاهر) الجاري من مادته (عليه) متدافعا حتى (يزول التغير) ولو زال قبله كفى التدافع الموجب للامتزاج ولا يكفي مجرد الزوال في ظاهر كل من اعتبر كظاهر الكتاب تدافع الماء عليه من المادة وتكاثره كالمبسوط والسراير والوسيلة والمعتبر (والتذكرة) واحتمال ذكر التدافع والتكاثر في كلماتهم لكونه أسهل أسباب زوال التغير وأغلبها في الجاري والا فيطهر بمجرد زوال التغير لاتصاله بالمادة في غاية البعد عن القيود المذكورة في كلمات العلماء بل المتعين ح التعبير كما في اللمعة والجعفرية بأنه يطهر بزوال التغير مع أن الاستدلال عليه في المعتبر والتذكرة بان مع زوال التغير بغلبة الجاري ولا يقبل الطارئ الانفعال والمتغير مستهلك فيه فيظهر صريح عدم كفاية الزوال واليه يرجع استدلال الشيخ أيضا في الخلاف على طهارة المتغير إذا زال تغيره بالقاء الكر عليه كما سيجئ والقول بكفاية مجرد زوال التغير لم يعرف ممن تقدم على الشهيد في اللمعة نعم ربما يلزم العلامة حيث اكتفى في تطهير النجس القليل بمجرد اتصاله بالكر وقد وافق الشهيد المحقق والشهيد الثاني ان وجماعة إما لكفاية اتصال النجس بما لا ينفعل كالمادة والكر وماء المطر وعدم اعتبار الامتزاج كما سيجئ في تطهير القليل واما للاكتفاء بذلك هنا وان قيل في غيره باعتبار الامتزاج لخصوص ما دل في المقام على كفاية وجود المادة في النابع بعد زوال تغيره مثل قوله (ع) في صحيحة ابن بزيع ماء البئر واسع لا يفسده شئ الا ان تغير ريحه أو طعمه فينزح حتى يذهب
Page 7
اللون ويطيب الطعم لان له مادة بناء على كون ذهاب الريح والطعم علة غائية للنزح لكون حتى تعليلية أو للانتهاء مع استظهار كون مدخوله علة غائية مثل قولك كرر النظر في العبارة إلى أن تفهمها فيدل على أن المقصود من النزح ليس الا زوال التغير وإذا تعدينا إلى البئر إلى كل ذي مادة بمقتضى النص على علية المادة دل على أن كل ذي مادة يطهر بزوال تغيره ويؤيده اطلاق قوله (ع) ماء الحمام كماء البئر يطهر بعضه بعضا حيث إن ظاهره ان وجود بعضه يرفع خبث الأخر ولو لم يحصل الامتزاج خرجت صورة وجود التغير وما دل على كفاية ايصال ماء المطر بالماء المنفعل مثل قوله (ع) في مرسلة الكاهلي كل شئ يراه ماء المطر فقد طهر فيكفي الاتصال بمادة الجاري أيضا لان المطر بمنزلة الجاري وفى الجميع نظر لمنع كفاية مجرد اتصال المنفعل بما لا ينفعل بل قد يقال بعدم كفايته هنا وان قلنا بها في غير الجاري لان شرط كفاية الاتصال علو المطهر أو مساواته المفقودان في المقام فيعتبر التدافع وتكاثر الماء واما الصحيحة فليست ظاهرة في رجوع التعليل بالمادة إلى الفقرة الأخيرة ولا في كون حتى تعليلية أو داخلة على العلة الغائية بل الظاهر منه اعتبار كون الذهاب بالنزح الموجب لتدافع الماء من المادة ليزول بذلك تغيره واما رواية ماء النهر فقد تقدم ظهورها في الدفع والعصمة لا الرفع مع أنه لا اطلاق فيها من حيث كيفية التطهير بل المركوز في كيفية اختلاط المطهر بالنجس واستهلاكه له واما المرسلة فلا يدل الا على طهارة الجزء الملاقى للمطر كما سيجئ إن شاء الله فظهر من ذلك أن الأقوى ما هو المشهور بين من تقدم على الشهيد قده ثم إنه لا يعتبر فيما يمتزج من المادة مع التغير كونه كرا بناء على المشهور لكون النجس مستهلكا فيما لا ينفعل وسيأتي كفاية ذلك كما هو ظاهر الدليل المتقدم عن المعتبر والتذكرة نعم على قول العلامة قده من اعتبار الكرية في الجاري لو استهلك المتغير بأقل من الكر فان خرج من المادة ما يعلم به كون الممتزج جزء امن كر جامع لشرائط الاعتصام من تساوى السطوح على القول باعتباره في اعتصام الكر حكم بطهارة المتغير من أول الامتزاج وان علم عدم ذلك حكم بنجاسة المجموع وان شك فالأصل عدم الكرية ويظهر من كاشف اللثام انه لابد على القول بالامتزاج الصبر إلى أن يخرج الكر من المادة ويمتزج فيحكم بالطهارة من هذا الزمان نعم بناء على القول بكفاية ملاقاة الكثير يحكم بعدم خروج الكر بالطهارة من أول زمان الخروج والاتصال وفيه ما عرفت من أن العبرة بما لا ينفعل سواء القول بالامتزاج و الاتصال ثم إن النابع الواقف لو قلنا بكونه جاريا أو كالجاري فان تغير بعضه طهر بتموج الباقي عليه حتى يزول تغيره وان تغير جمعه وزال تغيره من قبل نفسه فعلى المختار لا اشكال في بقاء النجاسة وعلى القول الآخر فهل يكفي مجرد وجود المادة وان لم يخرج منه شئ ظاهر الاستدلال بالصحيحة المتقدمة ذلك ويجب عليه طهارة البئر المتغير بمجرد زوال التغير لكنك عرفت حال الصحيحة نعم على المختار لو نزح من النابع حتى قل مائه فخرج من المنبع ما استهلك به تغير الباقي فينبغي القول بالطهارة لحصول الامتزاج بما لا ينفعل واستهلاك المتغير فيه لكن سيجئ من جماعة عدم طهارة القليل المتنجس بالنبع من تحته وفصل في الذكرى بين كون النبع بقوة كالفوارة وكونه رشحا وسيجئ في تطهير القليل إن شاء الله ويلحق به أي الجاري في عدم الانفصال القليل منه ماء الحمام وهو المختص به اختصاصا معهود الا بجميع انحاء الاختصاص والملابسة المسوغة للإخافة فلا عموم في الاختصاص وان عم الطرفان والمراد به ما في حياضه المصروفة في الغسل المستمدة من المادة لصحيحة داود بن سرحان هو بمنزلة الجاري ورواية قرب الإسناد ماء الحمام لا ينجسه شئ لكن يجب تقييده برواية بكر بن حبيب ماء الحمام لا بأس به إذا كانت له مادة وليس في سنده سوى ابن حبيب المرمى في المدارك بالجهالة لكن الظاهر أنه بكر بن محمد بن حبيب الذي ظاهر المحكي عن النجاشي وصريح الخلاصة انه من علماء الإمامية وحكى ابن داود عن الكشي انه ثقة مع أن في الطريق صفوان ابن يحيى والمضمون مجبور بالعمل وموافق للرضوي فينهض لتقييد الصحيحة وغيرها مع أن في تنزيله منزلة الجاري دون الكر إشارة إلى كونه مستمدا من مادة بل دلالة على احتياجه في الاعتصام إلى المادة ومنه جميع ذلك يظهر اعتبار الاتصال بالمادة ثم مقتضى الاطلاق عدم اعتبار كرية المجموع ومن المادة والحوض فضلا عن خصوص المادة الا ان يمنع الاطلاق لغلبة الكرية في المادة حتى في أواخر أوقات نزح الناس من الحياض الصغار وشبهه بمطلق الجاري لا يقتضى الغاء الكرية في مادته كما قيل لان الغالب في الجاري أيضا يلوغه مع مادته كر أو لو فرض نقصان مادته عن الكر عند قرب انقطاعه خرج عن افراد المشبه به فتدبر هذا كله مع أن في رواية ابن أبي يعفور ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا إشارة بل دلالة على أن العاصم له هي الكثرة لا مجرد المادة مضافا إلى عدم نهوض الاطلاقات المذكورة للخروج بها عن قاعدة انفعال القليل بالملاقات وإن كانت التشبه بينهما عموما من وجه ويرجع في مثله إلى أصالة الطهارة وعموماتها الا ان التقييد في اخبار الحمام أقوى لكون الاطلاق فيها أضعف وقد يذكر لها مرجحات لا يخفى على المصنف حالها نعم قد يقال بعدم التعارض في المقام بناء على اختصاص أدلة الانفعال بصورة ورود النجاسة على المأمون مثل المقام وفيه ان الكلام في انفعال الموجود في الحوض الصغير بورود النجاسة عليه لا فيما يرد عليه ثم إنه لم يعلم مصرح من الأصحاب بعدم اعتبار كرية المجموع وانما ينسب ذلك إلى اطلاقاتهم وما يظهر من الاستدلال الفاضلين بلزوم جرح الظاهر في كون الحكم رخصة مع قيام مقتضى المنع ومن افراد الكل له عنوانا مستقلا خصوصا عقيب الجاري كما في المبسوط وغيره من أن له خصوصية على غيره ولا يكون الا بالغاء الكرية فيه ولكن الاطلاقات كالاخبار منزلة على المتعارف والافراد بالعنوان المتابعة النص كما في افرادهم لكثير من افراد القواعد تبعا للنص الوارد فيها مع احتمال الفرق بينه وبين غيره من الراكد بما سيجئ باعتبار الكرية في المادة ولا دلالة في الاستدلال بالجرح بعد تصريح المستدل باعتبار كرية المادة كالعلامة
Page 8
في المنتهى نعم صرح المحقق قده بعدم اعتبار كرية المادة لكن لم يعلم منه عدم اعتبارها في المجموع فيمكن موافقته فيما لا يلزم منه مخالفة أدلة انفعال القليل كما لو فرض عدما في الحياض مع المادة ماء واحد التساوي السطحين أو قلنا بأنه لا يعتبر في عدم انفعال الكر سوى اتصال الماء بعضه ببعض إما مع كرية المادة فلا ضير في الخروج عن قاعدة الانفعال لو فرض القليل على ما في الحوض حتى حال اتصاله بالمادة على وجه لا يوجب الاتحاد لأنه كالمتيقن من اطلاق النص والفتوى فان تقييده بصورة اتحاد المادة معه عرفا ليدخل المجموع تحت الكثير في غاية البعد ولعل هذه المزية هي الخصوصية الداعية لافراد ماء الحمام عن الواقف والحاقه بالجاري وربما يخدشه ان ظاهر بعض كشارح الدروس على ما سيجئ في مسألة الكر الاتفاق على اعتصام القليل بالعالي الكثير مطلقا فلم يختص بماء الحمام لكن يمكن منع الاجماع لان العلامة في التذكرة والمنتهى مع تصريحه باعتبار الكرية في مادة الحمام استشكل في الحاق غير ماء الحمام به في الحكم والانصاف انه لم يعلم الاجماع على اعتصام الا سفل بالأعلى في غير ماء الحمام فيما لو كان وأراد غليه بميزاب وشبهه كما هو الغالب في مادة الحمام ثم إن العلامة في السراير اعتبر زيادة المادة على الكر ولعله لاعتبار ذلك في تطهيرها للحوض الصغير عند تنجسه كما صرح به الشهيد والمحقق الثانيان والا فلم اعرف وجها لاعتبارها في الاعتصام الا ان يؤل الكلام بإرادة الكر فما زاد كما في قوله تعالى وان كن نساء فوق اثنتين وفى الرضوي وكل غدير فيه من الماء أكثر من كر لم ينجسه شئ ويشهد بذلك تعبيره بنظير ذلك في الجاري فراجع وطريق تطهير ما في الحوض لا يمتاز عن غيره إذ لا خصوصية هنا وما تخيل من استفادة ذلك من قوله (ع) في الرواية السابقة ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا مع ما فيه ضعف الرواية سندا بالارسال وغيره ودلالة بظهورها في الدفع ان المطهر للبعض النجس من النهر ليس مجرد وجود بعضه الأخر وانما هو امتزاجه به فليلتزم ذلك في ماء الحمام وهذه أيضا قرينة أخرى على إرادة الدفع حيث إن ظاهر الرواية كون وجود البعض مطهرا فالتطهير هنا يراد به العصمة عن الانفعال كما أشرنا سابقا (ولو مازجه) أي الجاري بل مطلق الماء وانما ذكره في ذيل الجاري بمناسبة التغير (طاهر فغيره) عن أحد أوصافه الثلاثة أو غيرها (أو تغير من قبل) نفسه (لم يخرج عن كونه مطهرا) ضرورة من العامة والخاصة (ما دام اطلاق الاسم عليه باقيا) بلا خلاف منا وان أوهمه نسبة الحكم في الذكرى إلى الشهرة وعبارة المقنعة بل المبسوط الا ان ظاهر هما في غير مقام وصريح غيرهما عدم العبرة بالتغير ولذا ادعى في الغنية والمنتهى وغيرهما الاجماع على المسألة لإناطة الحكم بالاسم فلا وجه لما حكى عن المشارق من الاشكال والاحتياط في التطهير بالمياه المغيرة ولعل وجهه ظهور بعض الأخبار في المنع عن التوضي بما تغير ببول الدواب وللرضوي كل ماء مضاف أو مضاف إليه فلا يجوز التطهير به مثل ماء الورد ماء الرياحين والعصير و الخل وماء الباقلا وماء الزعفران وماء الخلوق هو كرسول على ما قيل طيب مركب يتخذ من الزعفران وغيره من أوج الطيب والغالب عليه الصفرة والحمرة ومنه الحديث وتحشوها القابلة بالخلوق وغيره وما يشبهها وكل ذلك لا يجوز استعمالها الا الماء القراح أو التراب ومثل للمضاف في المبسوط أيضا بماء الباقلي وماء الزعفران وماء الورد وماء الأس وماء الأشنان وأشباه ذلك حتى يكون الماء خالصا بما يغلب عليه وإن كان طاهرا انتهى لكن المسألة واضحة في الغاية (واما المحقون) وهو المحبوس وان سال لعارض (فما كان منه دون الكر) وزنا ومساحة (ينجس بملاقات النجاسة) والمتنجس على المشهور بل عن الشهيدين والشيخ الاجماع عليه وربما يذكر في المقام اجماعات لا يدل على الاجماع في المسألة ولا حاجة إلى الكل بعد استفاضة الاخبار بل تواترها كما قيل و قيل إنها تبلغ ثلاثمائة ولنذكر منها ما اتضح دلالته بحيث يستهجن تأويله منها قول الصادق (ع) في صحيحة ابن مسلم قال قلت له الغدير فيه ماء تجمع تبول فيه الدواب وتلغ فيه الكلاب ويغتسل فيه الجنب قال إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ ورواية معاوية بن عمار في الصحيح أيضا دل بمفهومه بعد تخصيص المنطوق بما عدا التغير على أن القليل ينجسه شئ سوى التغير ولا حاجة لنا إلى اثبات عموم الشئ لكفاية الايجاب الجزئي في المقام ومنها صحيحة إسماعيل بن جابر عن الماء الذي لا ينجسه شئ قال كر قلت وما الكر الخبر وفى مصححة أخرى له عن الماء الذي لا ينجسه شئ قال ذراعان عمقه في ذراع وشبر سعته ويستفاد منها كون انقسام الماء ما لا ينفعل والى ما ينفعل مركوزا في أذهان الرواة (ومنها) صحيحة البقباق الواردة في سؤر الكلب قال (ع) انه رجس نجس لا يتوضأ بفضله واصب ذلك الماء واغسل الاناء بالتراب أول مرة ثم بالماء وصحيحة علي بن جعفر في خنزير يشرب من اناء قال يغسل سبع مرات وصحيحة محمد بن مسلم عن الكلب يشرب من الاناء قال اغسل الاناء وصحيحة البزنطي سئلت أبا الحسن (ع) عن الرجل يدخل يده في الاناء وهي قذرة قال يكف الاناء وصحيحة ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) عن الرجل الجنب يجعل الزكاة أو التور بالفتح والسكون انا صغير من صفر أو خزف يشرب منه ويتوضأ فيه فيدخل إصبعه فيه قال إن كانت قذرة فأهرقه وإن كان لم يصبها قذر فليغتسل منه هذا مما قال الله عز وجل ما جعل عليكم في الدين من حرج هذا ما حضرني من الصحاح واما غيرها فأكثر من أن يحصى وسيجئ بعضها في معارضة اخبار عدم الانفعال التي استدل بها للعماني والمحدث الكاشاني والشيخ المحدث الغتوني فقد استدل لهم مضافا إلى الأصل وعموم الرواية المشهور خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شئ الا ما غيراه باخبار كثيرة ظاهرة في عدم الانفعال منها حسنة محمد بن ميسر سئل أبا عبد الله (ع) عن الرجل الجنب ينتهى إلى الماء القليل في الطريق بريدان يغتسل منه وليس معه اناء يغترف به ويداه قذرتان قال يضع يده ويتوضأ ويغتسل هذا مما قال الله عز وجل ما جعل عليكم في الدين من حرج وفيه ان الاصطلاح الشرعي غير ثابت في لفظ القليل فغاية الامر كونه من الأخبار المطلقة القابلة للتقييد بالكر مع امكان دعوى ذلك في لفظ القذرة كما قيل ويؤيد ان ادخال اليدين قبل غسلهما ولو لم يكونا نجسين مورد توهم المنع كما يستفاد من الاخبار الآتية والاستشهاد باية نفى الا حرج لا ينافي ذلك كما في صحيحة أبي بصير المتقدمة ثم الاظهر منها في هذا المطلب ما عن قرب الإسناد وكتاب المسائل لعلي بن جعفر قال سئلت عن جنب أصاب يده جنابة فمسحه بخرقة ثم ادخل يده هل
Page 9
يجزيه ان يغتسل من ذلك الماء قال إن وجد ماء غيره فلا يجزيه ان يغتسل وان لم يجد غيره أجزئه لكنهما معارضان في خصوص مورد هما بما دل من الأخبار المستفيضة على عدم جواز الاغتسال إذا ادخل الجنب يده القذرة في الاناء مثل رواية شهاب بن عبد ربه عن أبي عبد الله (ع) عن الرجل الجنب يسهو فيغمس يده في الاناء قبل ان يغسلهما قال لا باس إذا لم يكن أصاب يده شئ وموثقة سماعة إذا أدخلت يدلك في الاناء قبل ان يغسلها فلا باس الا ان يكون أصابها قذر بول أو جنابة فان أدخلت يدك في الماء وفيها شئ من ذلك فأهرق ذلك الماء وموثقة سماعة إذا أصاب الرجل جنابة فادخل يديها الاناء فلا باس إذا لم يكن أصابهما شئ من المنى وموثقته الأخرى وإن كان اصابته جنابة فادخل يده في الماء فلا باس به ان لم يكن أصاب يده شئ من المنى فان أصاب يده شئ فإنه دخل في الماء قبل ان يفرغ على كفه فليهرق الماء إلى غير ذلك مما ورد في هذا المضي مثل روايتي زرارة في كيفية الوضوء والغسل حيث اشترط في غس اليد في الماء طهارتها وأي فقيه يأخذ بظاهر حسنة ابن ميسرة ويحكم بعدم انفعال ماء الغسل بادخال اليد النجسة فيه ويطرح هذه الأخبار مع كونها أكثر وأظهر ومنها رواية أبى مريم الأنصاري قال كنت مع أبي عبد الله (ع) في حايط له فحضرت الصلاة فنزح دلوا للوضوء من ركى له فخرج عليه قطعة من عذرة يابسة وأكفأ رأسه وتوضأ بالباقي وظهورها في عدم الانفعال لا ينكر بناء على ظهور العذرة في عذرة الانسان أو مطلق غير المأكول الا ان أحد لا يرض بتوضأ الإمام (ع) من هذا الماء مع ما علم من اهتمام الشارع في ماء الطهارة بما لا يهتم في غيره ومع ذلك فهى معارضة بما دل على عدم التوضي بمثل هذا الماء ففي مرسلة علي بن حديد عن بعض أصحابه قال كنت مع أبي عبد الله (ع) في طريق مكة فصرنا إلى بئر فاستقى غلام أبى عبد الله (ع) دلوا فخرج فيه فأرتان فقال له أبو عبد الله (ع) ارقه فاستقى آخر فخرج فيه فارة فقال أبو عبد الله (ع) ارقه فاستقى الثالث فلم يخرج فيه شئ قال صبه في الاناء فصبه في الاناء الامر بالإراقة لا يكون الا مع النجاسة ومنها خبر زرارة عن أبي جعفر (ع) قلت له راوية من ماء فسقطت فيها فارة أو جرذ أو صعوة ميتة قال إن تفسخ فيها فلا تشرب من مائها ولا تتوضأ وصبها وإن كان غير متفسخ فاشرب منه وتوضأ واطرح الميتة إذا أخرجتها طرية وكذلك الجرة وحب الماء والقربة وأشباه ذلك من أوعية الماء وظهوره لا ينكر الا انه معارض بما هو أكثر وأظهر من المستفيضة مثل موثقة سعيد الأعرج قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن الجرة يسع مائة رطل من الماء يقع فيه أوقية من الدم أتوضأ منه واشرب قال لا وحمله على التغير يعلم بعده من نسبة الا وقية إلى مائة رطل وخبر أبي بصير وما يبل الميل ينجس حبا من ماء وما ينجس من النبيذ ينجس حبا من ماء وخبر عمر بن حنظلة في المسكر وفيه لا قطرة قطرت منه في حب الا أهريق ذلك الحب و رواية قرب الإسناد عن حب ماء يقع فيه أوقية بول هل يصلح شربه أو الوضوء قال لا يصلح وموثقة عمار عن الصادق (ع) في ماء شرب منه باز أو صقرا وعقاب أو دجاجة فقال كل شئ من الطير يتوضأ بما يشرب منه الا ان ترى في منقاره دما وان رأيت في منقاره دما فلا تتوضأ منه ولا تشرب وما ورد في الإنائين المشتبهين من أنه يهريقهما ويتمم إلى غير ذلك ولم اقف لهم على خبر خاص اخر نعم قد استدل لهم بما يعم القليل ولكن يخصصه عمومات طهارة الماء بما تقدم وغيره والله العالم ثم إن في كيفية نجاسة مجموع الماء القليل بل جميع المايعات بملاقات النجاسة بعضه بخلاف غيرها من الجوامد الرطبة وجوها أحدها السراية من حيث الحكم بان يلاقى الجزء الأول للنجس فينجس وينجس ملاقيه مما يليه وهكذا لان كل جزء ملاق بالفعل لما يليه فينجس جميع الأجزاء في زمان واحد لحصول الملاقاة بينهما قيل نجاسة شئ منها ففي زمان الحكم بنجاسة الجزء الأول ينجس جميع ما عده الحصول الملاقاة بينه وبين الجزء الأول فلا يتوقف الحكم بنجاسة كل جزء على أزيد من الحكم بنجاسة ما يلاقيه بينه وبين النجس ويبطل هذا الوجه مضافا إلى النقض عليه بما أجمع على عدم السراية كالثوب الرطب إذا لاقي جزء منه النجاسة وكالدهن الجامد ونحوه مما لا يتعدى النجاسة إلى غير محلها وكالعالي من الماء المطلق إذا تنجس السافل منه ان ملاقاة كل جزء لما يليه ممنوعة لاستحالة ذلك فان المتلاقي من الجزئين سطحاهما لا تمامهما ومن المعلوم عدم ملاقاة أحد السطحين الملاقى للنجس للسطح الأخر فلا وجه لتنجسه حتى يتنجس به ما يلاقيه من سطح جزء اخر ودعوى ان نجاسة السطح الملاقى عبارة عن نجاسة الأجزاء اللطيفة من الماء لأن النجاسة تعرض الجسم لا العرض ولا يفرض في نظر العرف لذلك الجزء سطحان حتى يختص بالتنجيس أحدهما وان أمكن ذلك واقعا بناء على بطلان الجزء الغير المتجزي رجوع إلى حكم العرف تنجيس الجسم وان لم يلاقى النجاسة الا بعضه ولا حاجة معه إلى دعوى السراية من حيث التلاقي (الثاني) السراية من حيث نفس المتنجس فان الجزء الملاقى للنجس يسرى بنفسه إلى ما حوله من الأجزاء كما يظهر للحس مع كون ذلك الجزء النجس ذا كيفية سريعة النفوذ كما للون أو الطعم وقد اعتنى الشارع بهذه السراية وان دقت وخفيت ما لم يبلغ الماء كرا فإذا بلغه لم يعتن بها وان ظهر من غير جهة من الأوصاف الثلاثة كالحرارة والبرودة وهذا أكثر نقضا من الوجه الأول لانتقاضه بالكر مع احساس السراية فيه وبما ذكر في الوجه السابق ويلزم عليه ان يكون انفعال مجموع الماء على التدريج وان يتفاوت زمان السراية بالنسبة إلى المايع الرقيق والغليظ مع أن التدريج باطل اجماعا فضلا عن تفاوت المايعات في ذلك (الثالث) ان يكون الوجه تعبد الشارع بذلك في المايعات دون غيرها فالساري إلى ما عدا الجزء الملاقى للنجس من الأجزاء النجاسة الشرعية لا غير وليس في الحقيقة سراية وفى المصباح فالمتبع هو الدليل الشرعي المتبادر عرفا من الدليل الشرعي وهو قوله (ع) إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ ان ما دون الكر ينجسه شئ وينجسه ظاهر في تنجس جميعه من غير فرق بين الجزء العالي منه والسافل والمساوي وكما أن المتبادر من نسبة التنجيس إلى النجاسة كون الواسطة هي مطلق الملاقاة
Page 10
والاتصال من غير فرق بين وروده على النجاسة وورودها عليه كما أنه لا فرق بين النجاسات كما هو المستفاد من الروايات خصوصا مفهوم الصحاح إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ والقول باهماله ضعيف في الغاية منشئه توهم كون كرية الماء علة لعدم تنجسه بجميع النجاسات لا لعدم تنجسه بكل فرد لكن ظاهر السياق هو الثاني فانتفاء الكرية يوجب تنجسه بكل فرد لأن النفي عن كل فرد يفرض من النجاسة إذا استند إلى الكرية انتفى بانتفائها وليس هذا من قبيل إذ أصبحت زيدا فلا تخف أحدا لقيام القرينة في المثال فكيف كان فقد خرج عن عموم قاعدة انفعال القليل بالملاقات مورد ان اجماعا وموارد على الخلاف فاحد الموردين ماء الاستنجاء وسيجئ المشهور وثانيهما الجزء العالي من الماء إذا كان جاريا إلى السافل واستدل عليه في الروض بان سراية النجاسة إلى الاعلى غير معقول وفيه مالا يخفى فالأولى التمسك بالاجماع كما ادعاه هو قدس سره وبعض متأخري المتأخرين كالعلامة الطباطبائي في مصابيحه وبعض أفاضل تلامذته في مقابيسه و هو في الجملة مما لا ريب فيه الا ان الاشكال في تعيين مقدار العلو والسفل فان مسمى العلو المتوقف عليه الجريان لا يمنع عن السراية وكلمات الأصحاب مطلقة والمتيقن من الاجماع صورة التسنيم وما تشبهه من التسريح وللتأمل في غير ذلك مجال والتمسك بالعموم أوضح وفاقا لظاهر كاشف الغطاء ره لصدق وحدة الماء فيدخل في عموم تنجيسه ولذا لو كان الماء على هذه الهيئة كرا لم ينفعل شئ منه بالملاقات واما موارد الاختلاف فأحدها ماء الغسالة وسيأتي (الثاني) ما ذكره الشيخ ره من عدم انفعال القليل بما لا يدركه الظرف من الدم ولعل المراد ما يحتاج ادراكه إلى دقة النظر وفى المبسوط ما لا يمكن التحرز منه مثل روس الإبر من الدم وغيره فإنه معفو عنه لأنه لا يمكن التحرز عنه انتهى وتعليله بعدم تيسر الاحتراز كما ترى نعم قد بدل خصوص الدم مصححة علي بن جعفر عن أخيه (ع) في رجل رعف فامتخط فصار الدم قطعا صغارا فأصاب انائه هل يصح الوضوء منه فقال إن لم يكن شئ شيئا يستبين في الماء فلا باس وإن كان شيئا بينا فلا تتوضأ منه ودلالتها مبنيه على إرادة السايل إصابة الماء من الاناء تسمية باسم المحل لان إرادة خصوص الظرف لا يناسب السؤال نعم يحتمل ان يراد الأعم من الظرف والمظروف فيكون وصول الدم إلى الأعم منها معلوما وشك في وصوله إلى خصوص الماء أو الاناء ومعنى الجواب انه إن كان الدم المفروض اصابته شيئا يستبين في الماء أي شيئا معلوما فيه فلا باس فيكون الاستبانة في الماء كناية عن العلم بوصوله إليه لا صفة زائدة على العلم بالوصول ويقوى هذا الاحتمال على تقدير كون الشئ مرفوعا كما في بعض النسخ هذا ولكن الانصاف ان الرواية أظهر في مطلب الشيخ مما احتملناه لكن الخروج بهذا المقدار عن الاخبار التي عرفت قليلا منها مشكل مع دعوى الحلى الاجماع على خلافه (الثالث) ما نسب إلى السيد المرتضى قدس سره في الناصريات من عدم انفعال القليل الوارد على النجاسة نسبه إليه المحقق في المعتبر في مسألة إزالة.
الخبث بالمضاف نسب إلى الحلى في السرائر ناسبا له إلى فتاوى الأصحاب وهذه النسبة إليهما قد اشتهرت فلنذكر العبارة المحكية عن السيد ره في السراير قال الحلى في باب إزالة النجاسات ان اصابه من الماء الذي يغسل به الاناء من الولوغ فإن كان من الغسلة الأولى وجب غسله وإن كان من الغسلة الثانية أو الثالثة فلا يجب غسله ثم ذكر الخلاف في ذلك ثم قال وما اخترناه هو المذهب قال السيد المرتضى في الناصريات قال الناصر ولا فرق بين ورود الماء على النجاسة على الماء قال السيد وهذه المسألة لا اعرف لها نصا لأصحابنا ولا قولا صريحا والشافعي يغرق بين ورود الماء عليها وورودها عليه فيعتبر القلتين في ورود النجاسة على الماء ولا يعتبر في ورود الماء على النجاسة وخالفه ساير الفقهاء في هذه المسألة والذي يقوي في نفسي عاجلا إلى أن يقع التأمل فيه صحة ما ذهب إليه الشافعي والوجه فيه انا لو حكمنا بنجاسة ماء القليل الوارد على النجاسة لادى ذلك إلى أن الثوب لا يطهر من النجاسة الا بايراد كر من الماء عليه وذلك يشق فدل على أن الماء الوارد على النجاسة لا يعتبر فيه القلة والكثرة كما يعتبر فيما يرد عليه النجاسة قال محمد بن إدريس وما قوى في نفس السيد هو الصحيح المستمر على أصل المذهب وفتاوى الأصحاب انتهى ولعل حكمه بنجاسة الماء في الأولى من غسلات الولوغ لامتزاجه بالتراب المتنجس ويمكن استظهار هذا القول من الشيخين أيضا قال في المقنعة بعد الحكم بطهارة ما يرجع من ماء الوضوء إلى بدن المتوضى وثيابه وكذلك ما يقع على الأرض الطاهرة من الماء الذي يستنجى به ثم يرجع عليه لا يضره ولا ينجس شيئا من ثيابه و بدنه الا ان يقع على نجاسة ظاهرة فيحملها في رجوعه فيجب غسل ما اصابه منه انتهى وقال في المبسوط لو كان على جسد المغتسل نجاسة أزالها ثم اغتسل فان خالف واغتسل ارتفع حدث الجنابة وعليه ان يزيل النجاسة إن كان لم تزل بالاغتسال انتهى وهو مبنى على اشتراط طهارة ماء الغسل هذا ولكن الظاهر من السيد ره في بعض كلماته المحكية عنه موافقه المشهور حيث حكى في السراير عنه في مسألة المستعمل في رفع الحدث الا صغر والأكبر انه يجوز ان يجمع الانسان وضوئه من الحدث أو غسله عن الجنابة في اناء نظيف ويتوضأ به ويغتسل به مرة أخرى بعد أن لا يكون على بدنه شئ من النجاسة انتهى فان الظاهر أن تقييد الاناء بالنظيف لانفعال الماء لو كان الاناء نجسا وكذا قوله بعد أن يكون بناءه على أن المراد خلو البدن عن النجاسة في الطهارة الأولى لكن حيث كان المنقول عنه طهارة الغسالة فيمكن ان يكون التقييد لأجل كون الغسالة لا ترفع الحدث على ما هو المشهور بل المجمع عليه وكذا الظاهر من الحلى في مواضع من كلامه نجاسة الماء الوارد على النجاسة (منها) قوله في أول السراير والماء المستعمل في تطهير الأعضاء والبدن الذي لا نجاسة عليه إذا جمع في اناء نظيف كان طاهرا مطهرا سواء كان مستعملا في الطهارة الكبرى أو الصغرى على الصحيح من المذهب انتهى واحتمال ان يكون قيد خلو البدن عن النجاسة ونظافة الاناء لكون الماء الوارد عنده غير مطهر وإن كان طاهرا خلاف لظاهر كلماته لان المستفاد منه ان الماء الطاهر مطهر وهذا كله رد على الشيخ المانع من التطهير بالمستعمل في رفع الحدث الأكبر (ومنها) في مسألة ماء الاستنجاء وماء الاغتسال من الجنابة فقال إنه متى انفصل ووقع على نجاسة ثم رجع إليه وجب ازالته (ومنها) انه قد ادعى الاجماع والاخبار على نجاسة غسالة الحمام مع أنها
Page 11
غالبا من المياه الواردة على النجاسة ومنها انه رد القول تبعدي النجاسة عن ملاقي الميت إلى ما يلاقيه كما هو المشهور بأنه لو كان كذلك لزم نجاسة الماء الذي يستعمله ماس الميت في غسل المس مع أن المستعمل في رفع الاحداث طاهر اجماعا واما ما حكى عن الشيخين فلا ظهور له في المطلوب لاحتمال ان يكون مراد المقنعة من حمل الماء النجاسة تنجسه كما في قوله لم يحتمل خبثا لأحمله جزءا من النجاسة الظاهرة الشيخ فتحمل على الاغتسال فيما لا ينفعل واما كلام السيد قدس سره فيحتمل اختصاصه بالغسالة كما يظهر من استدلاله المتقدم ولذا حكى عنه ذلك في التذكرة في ذلك المقام بل الظاهر الشهيد في الذكرى ان كلامه وكلام الحلى كلاهما في الغسالة قال والعجب خلو كلام أكثر القدماء عن حكم الغسالة مع عموم البلوى بها واعترف المرتضى (ره) بعدم النص على الفرق بين ورود الماء على النجاسة وعكسه وقواه فحكم بعدم نجاسة الماء الوارد والا لما طهر المحل ويلزمه ان لا ينجس بخروجه بطريق أولي وفهم الفاضلان منه ذلك وتبعه الحلى انتهى وعلى أي تقدير فالقول بالفرق في الانفعال بين الورودين ضعيف مخالف للمشهور بل للكل بناء على عموم الاجماعات المنقولة على نجاسة القليل بملاقات النجاسة ومخالطتها ودعوى عدم شمولها لورود الماء على النجاسة كدعوى العكس في بداهة الفساد ولذا لا يتأمل أحد في شمول ما دل على النجاسة المضاف بالملاقات لوروده على النجاسة أو ورودها أو تواردها من ميزابين ونحوهما ويشهد لذلك جعله ماء الاستنجاء وماء الغسالة من مستثنيات هذه الكلية فقال في الذكرى استثنى الأصحاب من انفعال ماء القليل ثلاثة مواضع ومما ذكرنا يطهر انه لا تأمل في عموم المفهوم في قوله (ع) إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ لما نحن فيه بعد البناء على أن المستفاد من نسبة التنجيس إلى النجاسة كون ذلك باعتبار ملاقاتها وقد يتوهم ان شموله له لما نحن فيه يستفاد من عموم الشئ في المفهوم فيمنع عمومه لكونها نكرة في سياق الاثبات وقد يذب عن ذلك بعد تسليم المنع بعموم لفظ الماء وفي كليهما نظر لان الورود من الأحوال لكل من الماء والشئ بالنسبة إلى الأجزاء لا من افرادهما وإذا كان نسبة التنجيس إلى الشئ يستفاد منها عرفا أو لا فسال أهل المتشرعة بكيفية تنجس النجاسات لما عد الماء من المايعات والجوامد الرطبة كون هذا التأثير لأجل مجرد وصولها إليه لم يفرقوا بين كيفيات الوصول والحاصل ان مجرد الخلاف في المسألة الشرعية لا يوجب الوهن في المحكمات العرفية فإذا فرضنا حدوث الخلاف في انفعال الماء بالنجاسة إذا تواردا من ميزابين فلا يوجب ذلك تزلزلا في فهم العموم من أدلة الملاقاة هذا كله مضافا إلى الاجماعات المستفيضة كالاخبار على ما هو الظاهر في المطلوب فان الحلى ادعى الاجماع والاخبار للمعتمدة على نجاسة غسالة الحمام مع أنها تجتمع غالبا من المياه الواردة على النجاسات كما لا يخفى وقد ادعى المحقق ره في مسألة غسل مس الميت الاجماع على نجاسة الماء الذي يغتسل به الجنب إذا كان قبل غسل موضع النجاسة وكذلك غيره من ذوي الاحداث وادعى العلامة (ره) في السراير والمنتهى في مسألة الماء المستعمل في رفع الاحداث الكبيرة الاجماع على نجاسة إذا كان على بدن المغتسل نجاسة ومنها عدم الخلاف في أن الماء القليل الوارد على الماء المتنجس لا يطهره فلو لم ينفعل لطهره كما يطهره الكثير لان دليل تطهير الكثير جار في القليل المصباح وربما اعتذر بعض الفحول عن هذا وشبهه بان القايل بعدم الانفعال لا يقول به مع استقرار الماء على النجاسة وفيه مع أن الحلى بنى طهارة غسالة الولوغ على هذا مع استقرار الماء في الاناء انه ان أريد الاستقرار في الجملة فهو حاصل في كل غسالة وان أريد دائما فلا محصل له واما الاخبار فكثيرة جدا (منها) ما ورد في النهى عن غسالة الحمام معللا باغتسال اليهودي والنصراني وان صب فيه ومنها مفهوم ما دل على اشتراط طهارة ماء المطر الواقع على النجاسة بالجريان (ومنها) رواية علي بن جعفر عن أخيه (ع) عن الكنيف يصب فيه الماء فينضح على الثياب قال إن كان جافا فلا باس فان الظاهران اشتراط الجفاف لحصول العلم بالنجاسة مع الرطوبة غالبا (ومنها) ما دل على وجوب تطهير اناء الخمر في جواز جعل الماء فيه فلو لم ينفعل الماء لم يشترط تطهيره (ومنها) ما سيأتي في نجاسة الغسالة (ومنها) خبر الأحول الدال على عمد الباس بماء الاستنجاء معللا بان الماء أكثر من القذر فان العلة على هذا القول ورود الماء على النجاسة وبالجملة فأظن هذا القول أضعف من قول العماني وان قال به أو مال النية جماعة من متأخري المتأخرين والله العالم (ويطهر) الماء القليل إذا انفعل (بالقاء كر) عليه مزيل لتغيره إن كان متغيرا (دفعة) عرفية إما اعتبار الكرية فموضع وفاني لان ما دونه ينفعل بالملاقات وإن كان واردا على ما تقدم لكن لا يعلم أن القايل بعدم انفعال القليل مطلقا بالملاقات قايل بطهارة الماء القليل الواقع فيه ماء متنجس امتزج معه مع بقاء النجس على نجاسة أو يحكم بطهارته بالامتزاج أو بمجرد الاتصال على الخلاف أو بنجاسة الجميع لا للملاقات بل لاشتمال كل جزء منه على جزء نجس بناء على منع بطلان تبعض ماء واحد في الطهارة والنجاسة ولكل وجه ضعيف والمحكى عن فخر الاسلام في شرح الارشاد تفريع الوجه الثاني على مذهبهم حيث قال بعد حكايته ويتفرع على ذلك أنه لو تغير بعض أقل من الكر ثم زال التغير من قبل نفسه طهر عند العماني ومن وافقه انتهى وظاهر اكتفاء العماني باتصال النجس بالقليل الطاهر وان لم يمتزج به واما القاء الكر فالجمود على ظاهره كما فعله بعضهم يقتضى علو المطهر فلا يطهر الماء النجس بالقائه في الكر ولا بوصله بكر طاهر ومساله مع أن الطهارة في الصورتين في الجملة اجماعية مع أنه لا دليل على اعتبار العلو وبل لا المساواة لان المعيار في التطهير ملاقاة الماء المعتصم للماء النجس على وجه لا ينفعل المعتصم ولا يمكن الحكم بمغائرته مع ما لاقي في الطهارة والنجاسة فان تطهر المتنجس المصباح قطعي ومن المعلوم ان مجرد علو سطح المعتصم على سطح الماء النجس في زمان متصل بزمان الملاقاة لا مدخل له في المقدمات المذكورة وان أريد العلو أو التساوي حين الملاقاة فهو حاصل على كل تقدير بناء على المختار من الامتزاج واما على القول بكفاية مجرد الاتصال فلاعتبار أحد الامرين وجه من حيث إن مناط عدم اختلاف الماء المعتصم والماء المتنجس في الطهارة والنجاسة هو الاتحاد وهو لا يصدق مع كون المعتصم
Page 12
سافلا لان السافل لا يدفع النجاسة عن العالي فهو أولي بان لا يرفع عنه واما مع علو المطهر فلو فرض عدم الاتحاد لم يقدح لان الرفع بالعالي كالدفع اتفاقي لأنه أولي من المساواة لكن من عرف منه القول بعدم تقوى السافل بالعالي ظاهره اعتبار الامتزاج وقد عرفت انه لا فرق على الامتزاج بين علو المطهر وعكسه ومن هنا علم أن نسبة شارح اللمعتين هذا القول إلى كل من عبر بالقاء كر وايراده محل نظر لان جماعة من المعبرين بالالقاء والايراد كالشيخ والمحقق والعلامة في التذكرة والشهيد في الذكرى يعتبرون الامتزاج ومعه لا وجه لاعتبار العلو أو التساوي فاعتباره لا وجه له وبالجملة فاعتبار أحد الامرين انما يتجه على قول من اكتفى في التطهير بمجرد الاتصال الموجب الاتحاد مع منعه من اتحاد السافل بالعالي إما القايل بالامتزاج أو القايل بحصول الاتحاد ولو مع السفل أو القايل بكفاية مجرد الاتصال في التطهير وان لم يحصل الاتحاد فلا محصل عندهم لهذا الشرط ثم إن الشيخ قدس سره في المبسوط ذكر انه لا فرق في طهارة الماء المتنجس بوصول كر إليه بين كونه نابعا من تحته أو يجرى إليه أو تغلب فيه فإنه إذا بلغ ذلك مقدار الكر طهر النجس انتهى ورد في الخلاف على الشافعي القابل بكفاية النبع بان الطهارة بالنبع حكم مختص بالبئر وحصر التطهير بايراد كر عليه وفى المعتبر ان هذا أشبه بالمذهب لان النابع ينجس بملاقات النجاسة وان أراد بالنابع ما يوصل إليه من تحته لا ان يكون نبعا من الأرض فهو صواب انتهى وفى المنتهى بعد نقل ما في المبسوط فان أراد بالنابع ما يكون نبعا من الأرض ففيه اشكال من حيث إنه ينجس بالملاقات فلا يكون مطهر أو ان أراد ما يوصل إليه من تحته فهو حتى انتهى وفى الذكرى ولو نبع الكثير من تحته كالفوارة فامتزج طهره واما لو كان رشحا فلا لعدم الكثرة الفعلية انتهى وهذه الكلمات كلها كما ترى أجنبيته عن حديث علو المطهر بل ما عد الكلام الشهيد ناظر إلى نجاسة النابع وكلام الشهيد ناظر إلى عدم حصول استهلاك الموجب للتطهير والذي أظن أن التعبير بالالقاء والورود والوقوع انما وقع لفرض كون المطهر ماء خارجيا على ما هو الغالب في تطهير المياه القليلة الباقية في الحياض المنفعلة بالملاقات ويشهد له مضاف إلى اتفاقهم على كفاية المساواة دعوى العلامة (ره) في المنتهى الاتفاق على أن تطهير النجس بالقاء كر عليه مع حكمه بكفاية مجرد الاتصال قال في المنتهى في مسألة الغديرين لو كان أحدهما نجسا فوصل بغدير بالغ كرا قال بعضا الأصحاب الأولى بقاؤه على النجاسة و ذكر دليله إلى أن قال عندي فيه نظر لان الاتفاق واقع على أن تطهير ما ينقص عن الكر بالقاء كر عليه ولا شك ان المداخلة ممتنعة فالمعتبر إذا الاتصال الموجود هنا فان الجمع بين دعويه وحكمه لا يمكن الا بان يراد من الالقاء في معقد الاتفاق مجرد الاتصال أو يراد به خصوص صورة العلو لكن يكون مراده الاتفاق على التطهير به لا انحصار المطهر فيه أو يراد الانحصار ويكون واردا في الفروض الغالبة من تطهير المياه القليلة المنفعلة في الحياض فإنه الذي يعم به البلوى واما اعتبار الدفعة فقد نسب في الروضة إلى المشهور والمراد بها يحتمل ان يكون ما يقابل الدفعات بان يلقى عليه الماء القليل دفعات إلى أن تبلغ المجموع كرا وان يراد به ما يقابل وقوع الكر المتصل الواحد فيه تدريجا كما لو فرض علو سطح الكر يسيرا وان يراد منه عدم انقطاع الكر إلى أن يقع بتمامه فيه وإن كان تدريجا فلو قطع الكر بعد ارساله ثم ارسل لم يحصل التطهير إما الدفعة بالمعنى الأول فلا اشكال ولا كلام في اعتبارها على القول بنجاسة القليل وعلى غيره أيضا مع أن اعتبار الكرية في الملقى يعنى عن اعتبارها بهذا المعنى مع تصريح بعضهم بما ينافي هذا المعنى واما بالمعنى الثاني فقد حكى عن جماعة اعتبارها ولم يعلم منهم تصريح بوجه الاعتبار فيحتمل ان يكون ذلك لأجل تحصيل الامتزاج فان الوقوع دفعة يوجب ذلك غالبا بل دائما ولذا اقتصر عليها القائلون بالامتزاج كالمحقق في الشرايع والعلامة في التذكرة والشهيد في الدروس وذكر جمال المحققين في حاشية الروضة ان في صورة القاء الكر دفعة يتحقق الممازجة وانما الخلاف في اشتراط الممازجة فيما لم يلق دفعة وعلى هذا فبين الدفعة وعلو المطهر عموم من وجه لكن مع المقاصد مع قوله بعدم اعتبار الامتزاج قال بالدفعة وزاد دعوى النص وفتوى الأصحاب بها ويحتمل ان يكون اعتبار ذلك مختصا بصورة الالقاء فالغديران المواصلان يطهر الكثير منهما المتنجس منهما فحيث عبر العلماء بالالقاء اعتبروا الدفعة تحرزا عن اختلاف سطح المطهر فينفعل السافل منه بالملاقات ولا يتقوى الجزء العالي منه وهذا المحذور غير لازم مع عدم الالقاء كما في صورة المساواة ويشهد لهذا الوجه ان مع المقاصد بعد ذكره قول الشهيد (ره) بان القليل يطهر بالقاء كر متصل عليه قال إنه ان لم يشترط الدفعة وفيه تسامح لان وصول أول جزء منه إلى النجس يقتضى نقصانه عن الكر فلا يطهر انتهى ولا يخفى ان الملازمة المذكورة لا يتم الابعد القول بعدم تقوى السافل بالعالي ويشهد له أيضا ما ذكره شارح اللمعتين من التعجب ممن جمع بين القول باعتبار الدفعة والقول بالممازجة كالفاضل في التذكرة فإنه انما اعتبر الدفعة لئلا يزول وحدة الكر باختلاف سطوحه مع أن اختلاف السطوح لازم مع الممازجة ولا يفرق العقل بين الاختلاف الحاصل بالماء والحاصل في الهواء انتهى لكن ينبغي على هذا ان لا يعتبر الدفعة فيما إذا زاد الملقى على بحيث يبقى منه في العالي مقدار بعد نزول شئ منه إلى الماء النجس لان السافل متقو بالعال إذا كان العالي كرا كما سيجئ دعوى عدم الخلاف فيه وإن كان للتأمل فيها بل للمنع مجال والمصباح فما ذكره مع المقاصد من مسامحة في كلام الذكرى راجع إلى الاكتفاء بالاتصال مع عدم اعتبار الزيادة على الكر ويحتمل ان يكون الوجه فيه ما ذكره مع المقاصد من ورود النص بالدفعة وتصريح الأصحاب بها ويحتمل ان يكون الوجه فيه استصحاب النجاسة ولزوم الاحتياط في ازالتها بعد ذهبا جماعة إلى الدفعة كما اعتمده جمال الدين في حاشية الروضة والذي يقتضيه التأمل في الأدلة ان اعتبار الدفعة بذلك المعنى إن كان لتحصيل الامتزاج فلا كلام فيه بناء على ما سنختاره من اعتباره الا ان الملازمة بين الدفعة والامتزاج غير ظاهرة وإن كان الوجه فيه اختلاف سطح الماء عند نزول شئ منه إلى النجس ففيه منع عدم تقوى السافل بالعالي في هذه الصورة لحكم العرف باتحاد
Page 13
الماء وإن كان ربما يقوى العدم فيما كان كل من السافل والعالي ماء مستقلا فوصل بينهما واما الماء الواحد الملقى على النجس فلا يخرج عن الاتحاد بمجرد نزول بعض اجزائه واما ما اورده شارح اللمعتين على العلامة (ره) من النقض بحصول اختلاف السطح للماء عند الامتزاج ففيه ان ذلك غير معلوم الأصل عدمه مع أن التطهير بالامتزاج اجماعي فلا باس بخروجه عن مسألة اشتراط تساوى سطوح الكر مع أن الامتزاج يحصل في أول زمان الالقاء دفعة بين الكر الملقى وبين مقدار كثير من الماء النجس فيطهر ويزيد المطهر عن الكر بكثير وإن كان الوجه فيه ما ادعاه مع المقاصد من النص و تصريح الأصحاب فاعترف غير واحد بعد العثور عليه ولا على من ادعاه واما الأصحاب فلم يصرح بها منهم الا المحقق والعلامة والشهيد قدس الله اسرارهم في الشرايع والتذكرة والدروس ونقضه في المدارك بتصريح العلامة في المنتهى والسراير بطهارة النجس من الغديرين باتصاله بالطاهر الكثير منهما ويمكن ان يقال كما تقدم باختصاص اعتبار الدفعة بصورة الالقاء والا فقد صرح الشيخ في المبسوط والمحقق والعلامة بطهارة القليل باتصال الماء الكثير إليه من تحته كما عرفت سابقا وصرح في الذكرى بطهارة القليل بنبع الكثير من تحته إذا كان بقوة كالفوارة ويشهد أيضا لما ذكرنا اعتراف مع المقاصد بالطهارة بفوران الجاري من تحت القليل وبالجملة فلا ارى للنقص المذكور موقعا واما ما ذكره جمال المحققين من اعتبار الدفعة للاجماع على طهارة معها والشك بدونها ففيه ان ذلك مسلم مع حصول الممازجة واما بدونها فلا اجماع على الطهارة معها وإن كان ربما يتخيل ذلك ويقال ان الخلاف في اعتبار الامتزاج مع عدم الدفعة لا معها لكنه فاسد هذا ولصاحب (لم) هنا كلام لا باس بنقله وهو انه لا يخلو إما ان يشترط في عدم انفعال الكر استواء السطوح أم لا وعلى الثاني فاما ان يشترط في التطهير الامتزاج أولا وعلى تقدير عدم الاشتراط إما ان يكون النجاسة لحصول التغير أولا فهنا صور أربع الأولى ان يعتبر في عدم انفعال الكر استواء السطوح والمتجه المصباح اشترط الدفعة في الالقاء لان وقوعه تدريجا يقتضى خروجه عن المساواة فينفصل الأجزاء التي يصيبها النجس وينقص الطاهر عن الكر أو قل هذا انما يصح فيما لم يبق من الملقى مقدار الكر بعد نزول بعضه إلى الماء النجس والا فعلى القول بعدم اشتراط الامتزاج يحصل الطهارة بمجرد الاتصال فلا ينفعل بعده شئ بالنزول مع أنه قد نفرض تمام الكر الملقى كعمود في الهواء اتصل بعضه بالنجس ولا مجال للحكم بانفعال بعضه المتصل للقطع باتحاد الماء في هذا الفرض وعدم قدح علو بعض اجزائه بقيامه على بعض اخر قال الصورة الثانية ان يهمل اعتبار المساواة لكن يشترط الامتزاج والوجه المصباح عدم اعتبار الدفعة بل ما يحصل به ممازجة الطاهر النجس واستهلاكه له حتى لو فرض حصول ذلك قبل القاء تمام الكر لم يحتج إلى الباقي أقول ما ذكره في غاية الجودة وهو الذي اخترناه وسنختاره قال الصورة الثالثة ان لا يشترط الممازجة ولا يعتبر المساواة ويكون نجاسة الماء بمجرد الملاقاة والمتجه المصباح الاكتفاء بمجرد الاتصال فإذا حصل بأقل مسماه كفى ولا يحتاج إلى الزايد (الرابعة) الصورة بحالها ولكن النجاسة التغير والمعتبر المصباح اندفاع التغير كما في صورة اشتراط الامتزاج ومع فرض تمايز التغير في بعض الأجزاء يتعين الدفعة وما جرى مجراها انتهى واما الدفعة بالمعنى الثالث فان أريد اعتبارها في التطهير مطلقا فلا وجه لاعتبارها لا على القول باشتراط الامتزاج كما تقدم التصريح به عن صاحب لم؟ وسيجئ اختياره والتصريح بخلافه عن كاشف اللثام ولا على القول بكفاية الاتصال كما اعترف به كاشف اللثام وقد تقدم كفاية تواصل الغديرين من العلامة (ره) وغيره إذا بعد الحكم بطهارة النجس بالاتصال لا فرق بين بقائها على الاتصال أو انقطاعها وان أريد اعتبارها في صورة إرادة التطهير بالالقاء فله وجه للحذر عن اختلاف سطوح الكر إذا انقطع بعضه عن بعض لكن هذا من لوازم الدفعة بالمعنى الثاني ثم إن العلامة (ره) في التذكرة في (الكريه هنا بناء على انفعال النابع القليل بملاقات النجاسة أو انتفاء وقوع الكر بناء على اشتراط علو المطهر أو انتفاء الدفعة والأظهر بناء) في قول الشافعي بطهارة النجس بالنبع من تحته ورده بان نشترط في المطهر وقوع كر دفعة ولم يعلم أن مراده انتفاء على مذهبه هو الأول ولذا ذكر في المنتهى في رد هذا القول تبعا للمعتبر ان النابع ينجس بملاقات النجاسة هذا واما اعتبار الامتزاج فيظهر من أكثر من تعرض لهذه المسألة كالشيخ في الخلاف والمحقق في المعتبر والعلامة في التذكرة والشهيد في الذكرى قال في الخلاف في الاستدلال على الكثير المتنجس بالتغير بان يرد عليه من الكثير ما يزيل تغيره ان البالغ الوارد لو وقع فيه عين النجاسة لم ينجس والماء المتنجس ليس بأكثر من عين النجاسة ثم ذكر في القليل النجس انه لا يطهر الا بورود كر عليه لما ذكرنا من الدليل انتهى ولا ريب ان تمسكه بأولوية المتنجس بالطهارة من عين النجاسة لا يصح الا مع امتزاجه بالكر واستهلاكه إذ مع الامتياز لا يطهر عن النجاسة حتى يقاس المتنجس عليه وفى المعتبر استدل على طهارة القليل النجس بورود كر من الماء عليه بان الوارد لا يقبل النجاسة والنجس مستهلك انتهى وهو كالصريح في الاعتبار الامتزاج وقال أيضا لو نقص الغدير عن كر فوصل بغدير اخر فيه كر ففي طهارته تردد والأشبه بقائه على النجاسة لأنه ممتاز عن الطاهر والنجس لو غلب الطاهر ينجسه مع ممازجة فكيف مع مباينته انتهى وفى التذكرة في المسألة المذكورة ان الأقرب بقائه على النجاسة مع الاتصال و انتقاله إلى الطهارة مع الممازجة لان النجس لو غلب الطاهر ينجس فمع التميز يبقى على حاله وفى الذكرى ويطهر يعنى القليل بمطهر الكثير ممازجا فلو وصل بكر يماسه لم يطهر وقال أيضا لو نبع الكثير من تحته كالفوارة فامتزج طهره لصيرورتهما ماء واحدا إما لو كان رشحا لم يطهر لعدم الكثرة الفعلية ومراده من الكثرة الفعلية ما يحصل به الامتزاج لا بلوغ الكرية إذ لا يعتبر عنده الكرية في النابع ولو فرض النابع في كلامه بئرا أو كونه قائلا بانفعال مطلق النابع القليل كان اللازم تعليل الحكم بنجاسة النابع بالملاقات كما في المعتبر والمنتهى وقد تقدم كلاهما وهذا القول ظاهر كل من ذكر في الجاري المتغير انه يطهر بتدافع الماء من المادة وتكاثرها حتى يزول التغير كما في المقنعة والمبسوط والسراير والوسيلة فان اعتبار زوال التغير بالتدافع والتكاثر
Page 14
لا يكون الا لاعتبار الامتزاج إذ لو كفى الاتصال كان التطهير بمجرد زوال التغير كما في اللمعة والجعفرية ولذا جعل المحقق الثاني في مع المقاصد تعبير القواعد بالعبارة المذكورة منيبا على اعتبار الامتزاج ومما ذكرنا ظهر ان ما في شرح الروضة من أنه لم يعرف القول بالامتزاج من قبل المحقق في المعتبر لا يخرج عن نظر هذا ولكن يمكن دعوى استقرار فتوى الأكثر على خلاف ذلك لان ظاهر الشيخ في المبسوط والمحقق في الشرايع وصريح العلامة في السراير والشهيد في اللمعة الرجوع عما في كتبهم السابقة والاكتفاء بمجرد الاتصال كصريح المحقق والشهيد الثاني وأكثر من تأخر عنهم واما من عبر تطهير الجاري بالتدافع والتكاثر فيمكن حمله على ما هو الغالب من زوال تغير الجاري بذلك ومن المعلوم ان زوال تغير الجاري بالتدافع أغلب وأسهل وأسرع فذكره لذلك لا لاعتباره في التطهير ولذا عبر به من صرح بعدم اعتبار الممازجة كما في الموجز بل صرح به جماعة ممن يرى طهارة الماء بالاتمام كرا فان لازمه كما ذكره الفاضلان طهارة الكثير المتغير جاريا أو راكدا من دون اعتبار اتصاله بماء معتصم فضلا عن امتزاجه به وكيف كان فالأقوى هو اعتبار الامتزاج لأصالة النجاسة وعدم الدليل على الطهارة الا بالممازجة لضعف ما تمسك به على الطهارة بدونه إما الطهارة مع الامتزاج فيدل عليه وجوه الأول الاجماع كما ادعى الثاني ان الكر إذا فرض عدم قبوله للانفعال بالملاقات وامتزج مع المتنجس فان طهره فهو المطلوب والا فان تنجس به لزم خلاف الفرض وان اختص بالطهارة لزم تعدد حكم المائين الممتزج أحدهما بالآخر بل يلزم عدم جواز استعمال الكر فيما يشترط فيه الطهارة لاشتمال كل جزء منه على جزء من المتنجس فهذا حقيقة في معنى انفعاله إذ لا يجوز شربه ولا التوضي عنه ولا تطهير الثوب به نعم لو فرضنا ان جبنا ارتمس في الحوض المذكور فقد يقال بارتفاع حدثه وان صار بدنه متنجسا الا ان يقال إن هذا مانع عرضي عن الانتفاع بالكر في الشرب والوضوء والتطهير فلا ينافي اعتصامه في ذاته نظير ما إذا وضع فيه اجزاء لطيفة من نجس العين ولم تستهلك (الثالث) ما تقدم عن الخلاف من فحوى ما دل على طهارة نجس العين بالاستهلاك مثل ما دل على أنه لا باس بما يقع من البول في الكر إذا لم يبلع في الكثرة حد التغير الرابع إذ وقوع النجاسة العينية في الكر يستلزم تغير ما اكتفها من اجزاء الماء فينجس وقد حكم الشارع بنفي الباس عن ذلك وليس الا لامتزاجه ينافي اجزاء الكر فدل على حصول الطهارة بالامتزاج وكيف كان فلا اشكال في الحكم المذكور لكن الاشكال في أنه هل يعتبر استهلاك المتنجس في الطاهر على الوجه المعتبر في تطهير المضاف أو يكفي مطلق الامتزاج بحيث لو فرض للنجس لون مغاير للماء الطاهر ولو ضعيفا لزال فيطهر كروا حدا كرارا متعددة إذا امتزج ولو استهلك فيها وعلى الأول فلا يطهرها الا إذا استهلكها جزءا فجزء أو جهان من الأصل والمتيقن الطهارة بالاستهلاك لظهور كلمات من تقدم من القائلين بالامتزاج في الاستهلاك واختصاص الأدلة المتقدمة بهذه الصورة ومن أن ملاحظة كلمات القائلين بالامتزاج في مقام اخر تقضى بعدم اعتبار الاستهلاك بالمعنى المتقدم لا نهم ذكروا في الجاري المتنجس انه يطهر بتكاثر الماء من المادة عليه حتى يزول تغيره ومن المعلوم ان زوال اخر مراتب التغير يحصل بقليل من الماء الجاري مستهلك في جنب الماء النجس ولم يقل أحد منهم باعتبار ما زاد على ما يزيل التغير فإذا ما اكتفى في المتغير بمجرد الامتزاج المزيل المتغير اكتفى به في غيره لاتحاد الدليل الذي استدلوا به للطهارة في المقامين فان الفاضلين (ره) عبرا في المتغير أيضا بالاستهلاك فيعلم ارادتهم منه مجرد الامتزاج وفى التذكرة وفى طهارة الكثير المتغير بوقوع كر في أحد جوانبه بحيث علم عدم شياعه فيه تردد انتهى فان مفهومه عدم التأمل في الطهارة مع العلم بالشياع والمفروض في كلامه كون الكر أقل بمراتب من الكثير المتغير واما الفحوى التي تمسك بها الشيخ (ره) في الخلاف فهى وان لم تستقم الا بإرادة الغلبة الا ان حكمه في عنوان المسألة بطهارة الكثير المتغير بالكر فما زاد زال به التغير ظاهر أيضا بل صريح في كفاية كر لتطهير كر متغير إذا زال تغيره ومن المعلوم ان أحد المتساويين في المقدار لا يستهلك الأخر فلا بد من توجيه دليله بان المراد من الاستهلاك هو الامتزاج الموجب لعدم تمايز اجزاء كل منهما وهذا المعنى مطهر لعين النجاسة وللماء المتنجس ومما يشهد على إرادة هذا المعنى انه استدل في المنتهى على طهارة المضاف بالقاء الكر عليه بما حاصله ان الكر لا ينفعل مع عدم استهلاك النجاسة له ولا يمكن الإشارة إلى عين نجسة فوجب الجزم بطهارة الجميع فعبر عن مناط الطهارة بعدم تمايز الأجزاء واما الشهيد فظاهره وإن كان اعتباره الكثرة الفعلية الا ان هذا الكلام منه معارض بما هو كالصريح في عدم اعتبار الاستهلاك بمعنى الغلبة فإنه قال (ره) بعد ذلك لو غمس الكوز بمائه النجس في الكثير الطاهر طهر مع الامتزاج ولا يكفي المماسة ولا اعتبار بسعة الرأس وضيقه ولا يشترط أكثرية الطاهر نعم يشترط المكث ليتحقق الامتزاج انتهى وقال أيضا قبل ذلك فيما لو تغير بعض الكثير الراكد انه يطهر بتموجه ان بقى كر فصاعدا غير متغير والا فبالقاء كر متصل فكر حتى يزول التغير ثم قال ولو قدر بقاء الكر الطاهر متميزا وزوال التغير.
بتقوية بالناقص عن الكر اجزاء انتهى فان ظاهر هذه الفقرة الأخيرة كفاية مقدار قليل من الماء مزيل التغير المتغير وإن كان كثيرا مع اعتصام ذلك القليل بالكر الباقي غير متغير ولو كان هذا القليل ملقى من الخارج والحاصل انه لم يعلم فتوى أحد من الأصحاب باعتبار الاستهلاك بمعنى الغلبة ومن هنا صح للمحقق الثاني عند الاستدلال على كفاية مطلق الاتصال دعوى الاجماع على أنه لا يعتبر في المطهر وراء الامتزاج شئ وللفاضل المقداد الشهيد الثاني في الروضة دعوى الاجماع على طهارة الماء المتنجس بماء المطر مع أنه لا يستهلكه غالبا ولشارح الروضة دعوى الاجماع في غير موضع من كلامه على أن الكر الواحد يطهر أكرارا كثيرة ومن ذلك ظهر ما فهمه صاحب الحدائق في ظاهر كلامه من إرادة القائلين بالامتزاج الاستهلاك حيث قال في موضع ان مما يعلم به
Page 15
عدم الامتزاج بقاء ماء الكوز النجس على وصفه السابق إن كان كذلك كعذوبته مع ملوحة المطهر وحرارته مع برودة المطهر أو بالعكس فيها انتهى ولا يخفى ان مجرد بقاء الصفة قد تجتمع مع استهلاك المضاف النجس في المطلق مع ما عرفت ان أحدا من أهل الامتزاج لم يظهر منه اعتبار الامتزاج المعتبر في تطهير المضاف فضلا عن المطلق ومما يدل على ذلك ما ذكرنا في الوجه الرابع من أدلة الامتزاج فان زوال تغير الأجزاء المكتنفة بالنجاسة الواقعة في الكثير يحصل باختلاطه بقليل مما يتحرك إليه من أطرافه هذا مضافا إلى قوله (ع) في مرسلة الكاهلي كل شئ يراه ماء المطر فقد طهر فان الرؤية كناية عن الملاقاة فملاقات ماء المطر لاجزاء الماء النجس موجبة لطهارتها ولا يعتبر استهلاكه لها لغلبة عليها بل سيأتي استدلال بعضهم بهذه المرسلة على كفاية ملاقاة المطر وما جرى مجراه من الكثير والجاري لجزء من الماء النجس لكن سيأتي ضعفه ويؤيده أيضا رواية الميزابين السائلين أحدهما بول والاخر ماء المطر فان البول المستحيل في ماء المطر يغيره أو لا ويزول تغيره بجزء اخر من ماء المطر لا يستهلكه فتحصل من جميع ما ذكرنا انه يكفي في المطهر مطلق الامتزاج وان لم يحصل الغلبة واما ضعف ما تمسكوا به على كفاية الاتصال وعدم اعتبار الممازجة فلا انهم ذكروا لذلك وجوها يظهر ضعفها بعد ذكرها أحدها الأصل ذكره بعض الأفاضل وفيه انه يقتضى النجاسة الثاني عمومات مطهرية الماء بقول مطلق أو خصوص المعتصم منه كماء المطر وماء النهر منها قوله (ع) في رواية السكوني الماء يطهر ولا يطهر وفيه بعد تسليم السند انه مجمل من حيث المتعلق لكونها قضية مهملة في مقابل قوله لا يطهر أي لا يطهر بغيره كما في قولك زيد يعطى ولا يعطى ومن حيث كيفية التطهير بل الظاهر المركوز في الأذهان ان الماء يطهر بالاستيلاء على مجموع والقدر لا بتلاقي جزئين منهما ومنها قوله (ع) ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا وفيه مع ضعف سنده جدا ان الظاهر منه إرادة حفظ الطهارة لا احداثها بعد أن لم يكن كما ذكرنا ذلك موضحا في مسألة انفعال القليل من الجاري هذا مع ما ذكرا خيرا في الرواية السابقة ومنها قوله (ع) في مرسلة الكاهلي كل شئ يراه ماء المطر فقد طهر فإنه يصدق على ماء المطر الواقع على سطح الحوض انه رأى الحوض فطهر وفيه ان الروية كناية عن الملاقاة ورؤية كل جزء توجب طهارته لا طهارة ما عداه أو دعوى صدق ملاقاة المجموع بملاقات جزء منه فيطهر المجموع بعد تسليم كونه على وجه الحقيقة دونه المسامحة معارضة بأنه يصدق على الجزء الآخر انه لم يره المطر فلم يطهر فان ظاهر الرواية إناطة الطهارة وجود أو عدما بالرؤية فان المبتدأ متضمن لمعنى الشرط فلا يرد ان هذا من باب مفهوم الصفة ومنها قول أبى جعفر (ع) فيما أرسله في أول المختلف عن بعض العلماء عن أبي جعفر (ع) مشير إلى غدير من الماء ان هذا لا يصيب شيئا الا طهره وتقريب دلالته وردها كما في المرسلة ومنها قوله (ع) في صحيحة ابن بزيع ماء البئر واسع لا يفسده شئ الا ما غير طعمه أو ريحه فينزح حتى يذهب الريح ويطيب الطعم لان له مادة بناء على أن التعليل خاص بالفقرة الأخيرة أعني قوله فينزح أو الجميع ما قبله فيشمل الأخيرة وعلى كل تقدير فيدل على كفاية زوال التغير في طهارة ما ينجس بالتغير وله مادة من غير اعتبار امتزاجه بشئ من المادة أو ماء معتصم اخر فإذا اكتفى بالاتصال في المتغير ذي المادة اكتفى في غيره من المياه النجسة بغير التغير باتصاله بماء معتصم وفى ما مر في تطهير الجاري من اجمال الرواية واحتمال رجوع العلة إلى ذهاب الوصف بالنزح الثالث اقتضاء الاتصال الاتحاد والماء الواحد لا يختلف حكمه وفيه ان أريد بالاتحاد اتحاد السطح فالكبرى ممنوعة وان أريد الاتحاد في الإشارة إليهما فالصغرى ممنوعة الرابع الاتصال يوجب اختلاط بعض اجزاء الكر ببعض اجزاء المتنجس فاما ان يرتفع النجاسة من النجس أو يتنجس جزء الكر والثاني مخالف لأدلة عدم انفعال الكر فتعين الأول فإذا طهر الجزء طهر الجميع لعين ما ذكر وفيه منع الملازمة الأخيرة فان طهارة الجزء المختلط بالاختلاط المنفى في الباقي لا يوجب طهارته وان أريد بالاختلاط مطلق الاتصال كان الاكتفاء به عين النزاع وما الفرق بينه وبين ما لو تغير بعض الكثير دون بعضه الباقي على الكثرة هذا خلاصة ما ذكر والكفاية الاتصال وقد ذكر شارح الروضة وجوها لابطال اعتبار الامتزاج لتعين بذلك كفاية الاتصال والأصل في ذلك قول المنتهى فيما تقدم من كلامه في الغديرين المتواصلين ان في بقاء النجس منهما على نجاسة نظر للاتفاق على طهارة النجس بالقاء كر والمداخلة ممتنعة والاتصال موجد هنا انتهى وعمدة تلك الوجوه ما اخذه بعض الأفاضل من كلامه أحدها انه لو اعتبرت الممازجة فاما ان يراد امتزاج الكل بالكل أو البعض بالبعض إما الأول ففيه أو لا انه غير ممكن وثانيا انه غير ممكن الاطلاع عليه فالأصل بقاء النجاسة وثالثا ان جماعة من معتبري الامتزاج كالعلامة والشهيد وغيرهم حكموا بطهارة حياض الصغار المتصلة باستيلاء الماء من المادة عليها وبغمس كوز الماء النجس في الكثير ولو بعد مضى زمان وطهارة القليل بماء المطر بل ادعى السيوري والشهيد الثاني الاجماع على الثالث مع أن الامتزاج الكلى لا يحصل في شئ ورابعا ان الامتزاج ليس كاشفا عن الطهارة حين الملاقاة قطعا بل يتوقف عليه والمفروض ان الماء المعتصم يخرج عن كونه كرا أو جاريا أو ماء غيث قبل تمام الامتزاج الكلى وخامسا انه إذا القى النجس الكثير في المطهر القليل بحيث يستهلك فيه فاما ان يحكم بالنجاسة وهو خلاف الأصل والاجماع أو بالطهارة وهو المطلق وكذلك عكسه إذا سبق المطهر من مجارى متعددة بل دفعة وغاية ما يمكن ان يقال إنه يطهر اجزائه المخالطة له وهكذا بالتدريج وفيه مع استلزامه المنع عن استعمال الماء قبله بلا دليل واختلاف الماء الواحد في السطح الواحد انه انما يتم إذا اجتمع الأجزاء المختلطة بحيث لا يتوسط بين الكر منها النجس وعلم ذلك والمعلوم مع الاستهلاك خلافه واما الثاني فان أريد بالبعض مسماه فهو المطلق أو القدر المعين فلا بد من أن يبين أو الأكثر بالأكثر تقريبا فلا دليل عليه مع أن الفرق بين الابعاض غير معقول مضافا إلى ورود كثير مما ذكر في الأول هنا والجواب انا نختار امتزاج
Page 16
الكل من النجس بالبعض من الطاهر بحيث لو فرض للمتنجس أقل لون زال بالماء الطاهر على ما ذكرناه في الاستدلال من دلالة النص والاجماع على طهارة المتغير من الجاري والكثير إذا زال تغيره بممازجة بعضه الأخر والتغير قد يكون خفيفا بل يكون دائما كذلك في اخر ان منه وجوده المشرف على الزوال ومن المعلوم ان هذا التغير يحصل بامتزاج شئ قليل من الماء المعتصم فيكفي لتطهر الاكرار المتنجسة ما يكون نسبة إليها كنسبة الجزء المعتصم الطاهر الممازج إلى المتغير في المثال المذكور ولو فرض عدم العلم بهذا فلا مانع عن التزام بقاء النجاسة ومما ذكرنا يظهر ان طهارة الكوز من الماء النجس بالغمس أو طهارة ما في الحياض باستيلاء الماء من المادة عليها وحصول التطهر بماء الغيث لا يرد نقضا على القائل بالامتزاج واما خروج الماء المعتصم عن عنوانه أعني الكرية والجريان قبل الامتزاج التام فغير مسلم للاجماع على عدم انفعاله ما لم ينقطع عن الكر بالمرة وقد حكموا بطهارة الحبوب النجسة إذا انتقعت في الكر مع أن اجزاء الكر المتخللة بين اجزاء الحبوب ليست بأشد اتصالا بالكر من الأجزاء المتخللة من الكر في الماء المتنجس مع أن انفعال المطهر بالتطهير لا يمنع عن التطهير به كما في الماء القليل الذي يقع على موضع في الثوب النجس ينتقل منه إلى موضع اخر منه فان المعتبر الطهارة قبل التطهير مع أن الماء سريع النفوذ في الماء فيطهر الجزء النجس الملاقى له قبل التخلل بين اجزاء الكل وانما اختلاف الماء في السطح الواحد فلم نجد دليلا شرعيا على امتناعه والثابت من النص والاجماع امتناع اختلاف المائين مع شيوع أحدهما في الأخر وقد ذكر في شرح الروضة وجوها اخر لرد القول بالامتزاج لا يخفى ضعفها على ما ذكرناه في الجواب عن الوجه المذكور بقى هنا أمور الأول ان من لم يقل بالامتزاج بين معتبر لصدق الاتحاد العرفي على مجموع الطاهر والنجس كما هو ظاهر الروضة وبين مكتف بمجرد الملاقاة كظاهر اللمعة ولازمه طهارة الكوز من الماء النجس يصب منه شئ في الكر فضلا عن غمسه فيه و ليس بأبعد من التزام طهارة النجس الكثير بقطرة أو قطرات من المطر وقد يذكر هنا تفصيل بين الجاري وماء الحمام وبين غيرهما فيشترط الامتزاج في الأولين ونسب إلى ظاهر المنتهى والنهاية والتحرير والموجز وشرحه حيث حكموا بالطهارة بتواصل الغديرين وعبروا في الجاري بأنه يطهر بالتدافع والتكاثر واعتبروا في طهارة ماء الحمام استيلاء الماء من المادة عليه إما مطلقا كما في كتب العلامة أو مع عدم تساوى السطح الطاهر والنجس كما في الأخيرين وفيه ان الظاهر أنه لا قائل بكون حكم ماء الحمام أغلظ من غيره واما الجاري فليس له عند العلامة عنوان مستقل بل الاعتبار عنده بالكرية وقد صرح في المنتهى بان تطهر الجاري باكثار الماء الواقع حتى يزول التغير ويطهر الكثير المتغير بالقاء كر عليه دفعة من المطلق بحيث يزول تغيره واستدل في المسئلتين بان الطارئ لا يقبل النجاسة والتغير مستهلك واما الموجز وشرحه فصريحهما عدم الفرق بين ماء الحمام وغيره من الحياض الصغار وقد يعكس بعض المعاصرين هذا التفصيل فيختص الامتزاج بغير الجاري وماء الحمام ولم يعتبره فيه لأجل صحيحة بن بزيع المتقدمة الواردة في ماء البئر ومرسلة الكاهلي كل ماء تراه ماء المطر وقوله (ع) ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا وهو ضعيف أيضا لما عرفت من عدم تمامية هذه الوجوه الثاني قد يقال إن اشتراط الامتزاج عند القائلين به مختص بما إذا لم يلق الكر دفعة والا فالقاء الكر دفعة مغن عن الامتزاج لدعوى الاجماع أو الاتفاق كما في المنتهى وعن المختلف على حصول التطهر بالقاء الكر دفعة ويؤيدها فعوى الاجماع على كفاية كر لا كرار متعددة بناء على أن الغالب عدم تحقق الامتزاج وفيه ان هذا تخرص إذ لا دليل على ذلك بعد ظهور كلامهم في أن الامتزاج شرط اخر غير الدافعة ومقتضى استدلالهم عليه باستهلاك النجس كما عرفت ظاهر في عدم الاستغناء عنه بالدفعة وما ذكر من الاجماعات على شرط الطهارة بالقاء الكر دفعة وارد إما في القليل النجس واما في الكثير المغير ولا ريب انهم اعتبروا في الثاني زوال التغير بالالقاء ولا يكون ذلك الا بالامتزاج واما الأول فلا ينفك عن الامتزاج أيضا ويؤيده ما تقدم من تردد العلامة قدس سره في التذكرة في الكر الواقع في أحد جوانب الكثير النجس مع عدم شياعه فيه مع أن الظاهر أن اعتبار الدفعة إما لأجل عدم اختلاف سطوح الكر الملقى كما يشهد به بعض من تقدم كلامه وظهر من كثير من كلمات القائلين بها واما لأجل حصول الامتزاج بها واما لأجل النص وفتوى الأصحاب وعدم اغنائها عن الامتزاج ظاهر على الأولين واما الأخير فقد عرفت انها دعوى غيره مسموعة نعم يمكن بل يجب ان يقال بالعكس وهو ان الامتزاج بالماء المعتصم مغن عن الدفعة على القول باشتراطها لا لأجل تحصيل الامتزاج الثالث انك قد عرفت ان المعتبر امتزاج جميع النجس مع المسمى الكثير الطاهر ولو أقل قليل منه لان دليل الطهارة جاز فيه ويظهر من كاشف اللثام في مسألة تطهير الجاري انه لا بد على القول بالامتزاج من امتزاج النجس بتمام الكر وفيه نظر لان مناط الطهارة امتزاج النجس بماء معتصم سواء كان كرا أم جزء كر واعلم أن الماء القليل لا يطهر باتمامه كرا على الأشهر بين المتأخرين بل المشهور لا أصالة بقاء النجاسة السالمة عما يرد عليه عدا ما يتخيل من أن الأصل المذكور معارض باستصحاب طهارة المتمم بالكسر المستلزمة لطهارة النجس للاجماع على اتحاد حكم المائين فيرجح عليه لاعتضاده بقاعدة الطهارة أو يرجع إليها بعد تساقطهما وما اشتهر حتى ادعى الاجماع عليه من قوله (ع) إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا وما ذكره علم الهدى (قده) من الاجماع على أن الماء المعلوم وقوع النجاسة فيه المشكوك في سبقها على الكرية ولحوقها محكوم بالطهارة فلو لا طهارة النجس باتمامه كرا لم يكن لذلك وجه وفى الكل نظر إما استصحاب طهارة للتيمم ففيه أولا انه ان أريد الاجماع على عدم تبعض الماء المتصل من حيث الطهارة و
Page 17
النجاسة فقد عرفت منعه في مسألة اعتبار الامتزاج وان أريد الاجماع على عدمه مع امتزاج المائين ففيه ان امتزاج فيما نحن فيه غير مؤثر في التطهير والتنجيس باتفاق الكل وان أريد عدم تبعض حكم المائين القليلين ففيه ان نظيره موجود في الماء القليل الوارد على الماء النجس إذا لم يجعله كرا فان الوارد على النجاسة لا ينفعل بمذهب السيد والحلى مع أنه لا يوجب طهارة ما ورد عليه باعترافهما وما اعتذر به بعضهم عن ذلك بأنهم يعتبرون في بقاء الوارد على الطهارة عدم استقراره قد عرفت ما فيه سابقا وكذا الماء الملاقى للماء النجس ولو لم يكن واردا بناء على مذهب العماني ومن تبعه فان الظاهر أنهم لا يقولون بتطهر النجس بمجرد ذلك وان أريد الاجماع على عدم تبعض في نفس هذه المسألة لان العلماء بين قولين ففيه انه لم يثبت الاجماع على بطلان القول الثالث فلا مانع منه إذا اقتضاه القواعد والأصول كما بين في الأصول واما ثانيا فلانه لو سلم الاجماع على الاتحاد كان المسلم منه ذلك مع الامتزاج إذ مع فرض التمايز قد عرفت في تطهير القليل انه لا مانع من تعدد حكم المائين المتواصلين والمفروض ان الامتزاج هنا ملقى وغير مؤثر في التطهير والتنجيس اجماعا والمدعى تأثير مجرد تواصلهما في التطهير واما ثالثا فلانه لا مسرح للأصل مع مفهوم قوله (ع) إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ فإنه صادق على الماء المتمم انه قليل لاقي نجسا ودعوى ان ملاقاة القليل لهذا الماء وإن كانت متنجسة بحكم المفهوم الا انها علة لعدم الانفعال لحصول الكرية بمجرد الملاقاة فلا مرجح لاحد معلولي الملاقاة أعني الانفعال على الأخر وهو (عدمه) مدفوعة بان الملاقاة ليست علية لعدم الانفعال بل علة للكرية المانعة من الانفعال وإذا كان الشئ علة تامة للشئ استحال ان يكون علة لمانعه إذ بمجرد وجودها يحصل المعلول فلا مسرح لوجود المانع فلابد من رفع اليد عن مانعيه الكر في هذا المقام وتخصيص مانعيتها بما إذا يحصل بالملاقات بل كانت قبلها وان شئت قلت إن ظاهر الرواية سبق الكرية على الملاقاة ومما ذكرنا يظهر انه لا وجه لمنع كون القليل ملاقيا للنجس إذ بمجرد الملاقاة يزول النجاسة فان الملاقاة بنفسها لا يزيل النجاسة بل باعتبار حدوث الكرية والمفروض ان الملاقاة علة تامة بلا واسطة لتنجس الماء الطاهر فيصير المجموع نجسا (واما) الحديث ففيه أولا ضعف السند ودعوى الحلى اجماع المؤالف والمخالف عليه موهونه بما ذكره المحقق قدس سره من أنه لم يذكره من الخاصة الا جماعة مرسلين له ولم يعمل به من المخالفين الا ابن حي وفى التذكرة ان هذا الخبر لم يثبت عندنا وفى الذكرى انه عامي ولم يعمل به غير ابن حي (واما) الاجماع الذي ادعاه الحلى فهو أيضا قاصر عن جبر سند الخبر لان هذا القول لم يعرف ممن قبل السيد ولا ممن بعده الا جماعة نعم عمل المنكرين الاخبار الآحاد به يوجب جبرا له لكنه لا يبلغ حدا يطرح مع عمومات انفعال الماء القليل وثانيا ضعف دلالته على المدعى فان الظاهر من قوله لم يحمل خبثا بمقتضى كونها جملة فعلية تجدد الحمل وحدوثه فكأنه قال لم يحدث فيه حمل الخبث لأنه ينتفى عنه صفة الحاملية وإن كانت موجودة سابقا فيتحد معناه مع الروايات الصحيحة المشهورة إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شئ ولذا فسر الشيخ في موضع من التهذيب والاستبصار قوله (ع) إذا كان الماء أكثر من راوية لم ينجسه شئ بقوله لم يحمل خبثا وذكر أيضا في مسألة ان الجاري لم ينفعل بعد الاستدلال عليه بما دل على جواز البول فيه انه لا يحمل خبثا وثالثا بمعارضته مع ما دل على تنجس القليل بملاقات النجاسة الشامل للقليل المتمم فان تخصيصه بما إذا لم يمكن ملاقاته سببا لبلوغ الكرية ليس بأولى من اطراح هذا الفرد من عموم الرواية إما بحمل قوله (ع) لم يحمل على عدم حدوث النجاسة فيه فلا يشمل عدم بقائه لو كان حادثا من قبل أو بتقييد الماء بالطاهر هذا بناء على اعتبار طهارة المتمم واما من لا يعتبرها فهو وان لم يرد عليه عمومات انفعال القليل لكنه يرد عليه في مقام المعارضة ما دل على نجاسة ما يجتمع في الحمام من غسالة اليهود والنصارى وأولاد الزناء ومن هو شر منهم المعتضد بسيرة المسلمين على الاجتناب عن ما اجتمع من المياه النجسة وعموم قوله (ع) في رواية السكوني الماء يطهر ولا يطهر خرج منه تطهيره بماء معتصم يتصل به أو يمتزج معه وقوله (ع) سبحان الله كيف يطهر من غير ماء واما الثالث فقد أجاب عنه في المعتبر بان الماء المشار إليه نحكم بطهارته لا لان البلوغ كرا يرفع ما ان فيه من النجاسة بل لأنه في الأصل طاهر والنجاسة المشاهدة كما يحتمل ان يكون منجسة لوقوعها قبل الكرية يحتمل ان لا يكون منجسة بان يقع بعد البلوغ فالنجاسة مشكوك فيها فالترجيح بجانب اليقين انتهى فان قلت هذا الماء البالغ كرا الذي يوجد فيه النجاسة لم يكن مسبوقا بالطهارة انما المسبوق بها الماء المتردد بين هذا الكر والأقل منه وقد ثبت من الأدلة مثل قوله (ع) إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه وقوله (ع) في الماء الذي يقع فيه النجاسة انه لا يتوضأ منه الا ان يكون كثيرا قدر كر ان ملاقاة الماء للنجاسة مقتضية لتنجسه والكرية مانعة مع أن الكرية شرطا كان للطهارة أو مانعة عن النجاسة أمر وجود ى والأصل القلة فكما ان الماء المشكوك في كرية إذا اصابه نجاسة حكم بنجاسته على ما اعترف به المحقق قده في المعتبر في الفرع التاسع من فروع مسألة القليل مستدلا بان الأصل القلة فكذلك فيما نحن فيه حيث إن الماء الملاقى للنجاسة مشكوك الكرية والقلة فالأصل قلته وهذا الأصل وارد على أصالة طهارة الماء كما في الفرع المذكور قلت إن الملاقاة التي هي سبب للنجاسة لم يحرز وقوعها قبل الكرية فالأصل عدمها قبلها و الحاصل ان هنا حادثين مجهولي التاريخ فيرجع إلى أصالة طهارة الماء وقاعدتها فان المقام حقيق به وأجاب بعض المعاصرين بان الالتزام بعدم طهارة الماء المذكور ليس منكرا فلا يحكم عليه بالطهارة ولا النجاسة فهو لا ينجس الطاهر ولا يطهر النجس كما في المشكوك
Page 18
كريته إذا لاقته النجاسة على وجه قوى إذ كما أن الكرية شرط وقد شك فيها فكذلك الطهارة شرط وقد شك فيها مع امكان الفرق بان الشرط عدم العلم بالنجاسة قبل البلوغ لا الطهارة انتهى وفيه ان السيد ادعى الاجماع على الحكم بطهارة الماء المذكور وقد اعترف بهذا الحكم من خالفه في المسألة كالفاضلين والشهيد واما الماء المشكوك في كريته فلا معنى للتوقف فيه لان المرجع فيه إما أصالة عدم الكرية أو أصالة بقاء الطهارة أو تساقطهما والرجوع إلى قاعدة الطهارة واما قوله إذ كما أن الكرية شرط الخ فلم احصل معناه فان الكرية شرط مخالف للأصل فالأصل عدمها عند الشك والطهارة إما شرط لدفع الكر النجاسة لكنه مطابق للأصل والأصل بقائها عند الشك ولا حاجة إلى ما ذكره من الفرق مع أن فيه ما فيه (وما كان منه) أي من الماء المحقون يبلغ من حيث الوزن أو المساحة (كرا فصاعد الا ينجس) الا ان يغير عين النجاسة ولو في ضمن المتنجس (أحد) أوصافه على التفصيل المتقدم في الجاري بلا خلاف نصا وفتوى الامام توهمه عبارة المفيد وسلار على ما يأتي وظاهر النص والفتوى كون الكرية مانعة عن نجاسة الماء إما النص فلان المستفاد من الصحيح المشهور إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه ان الكرية علة لعدم التنجيس ولا نعنى بالمانع الا ما يلزم من وجوده العدم واما قوله صلى الله عليه وآله خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شئ الا ما غير لونه وقوله (ع) في صحيحة حريز كلما غلب الماء ريح الجيفة فتوضأ واشرب ونحو ذلك فهى وإن كانت ظاهرة في كون القلة شرطا في النجاسة بناء على أن القليل هو المخرج عن عمومه فلا بد من احرازها في الحكم فإذا شك في كون ماء خاص قليلا أو كثير أوجب الرجوع إلى تلك العمومات الا انه لما دلت اخبار الكر كما تقدم على كون الكرية مانعة ونفس الملاقاة سببا بل هذه الأخبار بنفسها دالة على هذا المعنى حيث إن الخارج منها هي القلة وهي أمر عدمي باعتبار فصلها يرجع الامر بالآخرة إلى مانعية الكثرة التي هي مفاد اخبار الكثير فكان اللازم تقييد الماء في هذه الأخبار بالكثير جزء داخلا في موضوع الماء المحكوم بعدم الانفعال فتلك العمومات ليست من قبيل ما كان من عنوان العام مقتضيا للحكم وعنوان المخصص مانعا هذا كله مضافا إلى ما دل بعمومه على انفعال الماء خرج منه الكر مثل قوله (ع) في الماء الذي يدخله الدجاجة الواطية للعذرة انه لا يجوز التوضي منه الا ان يكون كثيرا قدر كر من الماء وقوله (ع) فيما يشرب منه الكلب الا ان يكون حوضا كبيرا يستسقى منه فان ظاهرهما كون الملاقاة للنجاسة سببا لمنع الاستعمال والكرية عاصمة ومن هنا يظهر انه لا بد من الرجوع إلى أصالة الانفعال عند الشك في الكرية شطرا وسيأتي ضعف ما يحتمله بعضهم في هذا المقام سواء شك في مصداق الكر كما إذا شك في كرية ماء مشكوك المقدار غير مسبوق بالكرية أم في مفهوم كما إذا اختلف في مقدار الكرا وفي اعتبار اجتماعه أو استواء سطوح اجزائه ولم يكن هناك اطلاق في لفظ الكر ونحوه يرجع إليه ووجه الرجوع إلى العموم في الأخيرين واضح لأن الشك في التخصيص وكذا الوجه في الرجوع إليه مع الشك في المصداق إذا كان الماء مسبوق بالقلة لاستصحاب عدم الكرية ومثل هذا الاستصحاب وإن كان مخدوشا عند التدقيق لعدم احراز الموضوع فيه الا ان الظاهر عرفا من أدلة الاستصحاب شموله وأما إذا لم يكن مسبوق بالكرية إما لفرض وجوده دفعه واما للجهل بحالته السابقة لترادف حالتي الكرية والقلة عليه فقد يتأمل في الرجوع فيه إلى العمومات بناء على أن الشك في تحقق ما علم خروجه كما في قولك أكرم العلماء الا زيدا إذ شك في كون عالم زيدا أو عمرو ولا يلزم من الحكم بخروجه مجازا ومخالفة ظاهر محوجة إلى القرينة الا ان الأقوى فيه الرجوع إلى العموم إما لان أصالة عدم الكرية وان لم يكن جارية لعدم تحققها سابقا الا ان أصالة عدم وجود الكر في هذا المكان يكفي لاثبات عدم كرية هذا الموجود بناء على القول بالأصول المثبتة واما لأن الشك في تحقق مصداق المخصص يوجب الشك في ثبوت حكم الخاص له والأصل عدم ثبوته فإذا انتفى حكم الخاص ولو بالأصل ثبت حكم العام إذ يكفي في ثبوت حكم العام عدم العلم بثبوت حكم الخاص دون العكس فتأمل والفرق بين المثال وما نحن فيه ان في الاجراء المثال دائر بين المتبائنين وفيما نحن فيه بين الأقل والأكثر والمتيقن خروج المعلومات واما لان عنوان المخصص في المقام من قبيل المانع عن الحكم الذي اقتضاه عنوان العام فلا يجوز رفع اليد عن المقتضى الا إذا علم بالمانع ومع الشك فالأصل عدم المانع وإن كان ذات المانع كالكرية فيما نحن فيه غير مسبوق بالعدم و الفرق بين ما نحن فيه وبين المثال ان عنوان المخصص في المثال ليس من قبيل المانع بل هو قسيم فكان العام عند من المتكلم منقسم إلى قسمين كل منهما يقتضى حكما مغايرا لما يقتضيه الأخر ولأجل بعض ما ذكرنا افتى جماعة كالفاضلين والشهيد بنجاسة الماء المشكوك في كريته نظر إلى أصالة عدم الكرية الحاكمة على استصحاب طهارة الماء ويمكن حمل كلامهم على الغالب وهو البلوغ تدريجا فلا يشمل ما لم يكن مسبوق بالقلة نعم احتمل في موضع من المنتهى الرجوع إلى استصحاب الطهارة مستدلا عليه بقاعدة اليقين والشك ولعله لاعتضاده بقاعدة الطهارة والا فقاعدة اليقين جارية في الكرية غالبا بل دائما كما عرفت ومما ذكرنا يظهر ما في كلام بعض انه إذا شك في شمول اطلاقات الكر واطلاقات القليل لبعض الافراد فالأصل يقضى بالطهارة وعدم تنجسه بالملاقات نعم لا يرفع الخبث به بان يوضع فيه كما يوضع في الكر والجاري وإن كان لا يحكم عليه بالنجاسة بمثل ذلك بل يحكم بالطهارة فيؤخذ منه ماء ويرفع به الخبث على نحو القليل ولا مانع من رفع الحدث به لكونه ماء طاهر أقول والسر في ذلك أن احتمال الكرية كافية في حفظ طهارته و عدم تنجسه ولكن لا يكفي ذلك في الأحكام المتعلقة بالكر كالتطهر به من الأخباث بوضع المتنجس في وسطه ونحو ذلك ثم جواز التطهير به على هذا النحو
Page 19
انتهى وظاهر كلامه بقرينة ذكره في ذيل عنوان اعتبار تساوى السطوح في الكر ان مراده الشك في شرط اعتصام الكر وانفعال القليل وهو الوجه الثالث من وجوه الشل الثلاثة التي ذكرناها وقد عرفت انه لا اشكال في وجوب الرجوع فيه إلى عموم الانفعال وكانه تخيل تبعا لصاحب الحدائق ان كلا من القلة والكثرة أمران وجوديان لابد من الرجوع عند تردد الماء بينهما إلى ما يقتضيه الأصل في احكام القليل والكثير الا ان صاحب الحدائق رجع إلى الاحتياط لكونه الأصل عنده فيما لا نص في وأنت خبير بان القليل مع أنه أمر عدمي باعتبار فصله العدمي لم يترتب في الأدلة حكم عليه وانما يترتب على ما ليس بكر كما يستفاد من قوله (ع) الا ان يكون كثيرا قدر كر وقوله إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه الدال على كون السبب في عدم الانفعال الكرية فمع الشك فيه يحكم لعدم المسبب لأصالة عدم السبب ونظير ذلك ما زعمه بعضهم في التذكية والموت من وجوب الرجوع إلى الأصول في الاحكام إذا شك فيهما وبالجملة فلا ينبغي الاشكال في الحكم بالنجاسة مع الشك في الكرية مطلقا نعم هذا الحكم في الصورة الأخيرة لا يخفى عن اشكال وان ذكرنا له وجوها بقى الكلام في مسألة عنونها متأخر والمتأخرين وأطالوا فيها الكلام وهي انه هل يشترط في موضوع الكرا وحكمه تساوى سطوحه أم لا والأصل في ذلك على ما كلام وجدنا العلامة قده في التذكرة حيث قال لو وصل بين الغديرين بساقيه اتحد ان اعتدل الماء والا ففي حق السافل فلو نقص الاعلى عن كر نجس بالملاقات ولو كان أحدهما نجسا فالأقرب بقائه على حمله مع الاتصال وانتقاله إلى الطهارة مع الامتزاج انتهى وظاهره ان السافل لا يقوى العالي ولا يعصمه نعم يتقوى ويعتصم به سواء كان العالي كرا أم متمما له ومراده بالاتحاد في حق السافل وعدمه في العالي الاتحاد من حيث الحكم والا فلا يتصور حصول موضوع الاتحاد من أحد الطرفين بل لابد إما من التزام عدم الاتحاد العرفي مع عدم الاعتدال مطلقا خرج من ذلك السافل واما من التزام الاتحاد مطلقا خرج العالي وتبعه على ذلك كله في الدروس حيث قال لو كان الجاري لا عن مادة ولاقته النجاسة لم ينجس ما فوقها مطلقا ولا ما تحتها إذا كان جميعه كرا فصاعدا الا مع التغير انتهى فحكم بتقوى السافل بالعالي القليل المتمم له ثم ذكر بعد ذلك اتحاد الواقف مع الجاري المساوى أو العالي ولو كالفوارة دون السافل فالمجتمع من العبارتين ما تقدم عن التذكرة فت؟ ومثلها ظاهر كشف الالتباس في الغديرين المتواصلين بل الموجز لكنهم قدس الله اسرارهم خالفوا ذلك في مادة الحمام فاشترطوا فيها الكرية معللا ذلك باتصالها بنجاسة السافل لو لم يكن كرا ويستفاد هذا القول أيضا من اعتباره الدفعة في القاء المطهر بناء على ما في شرح الروضة من أن الوجه في ذلك أن لا يختلف سطوح الماء فيفعل السافل ويظهر أيضا من جامع المقاصد عند مناقشة في قول الذكرى ويطهر بالقاء كر فكر الخ قال في عدو ماء الحمام كالجاري إذا كانت له مادة هي كر فصاعدا انتهى فان ظاهره عدم تقوم السافل بالعالي القليل في الحمام الذي هو أولي بسهولة الامر من غيره وقال في الذكرى والا ظهر اشتراط الكرية في المادة حملا للمطلق على المقيد ثم قال وعلى القول باشتراط الكرية يتساوى الحمام وغيره لحصول الكرية الدافعة للنجاسة وعلى العدم فالأقرب الاختصاص لحكم الحمام لعموم البلوى وانفراده بالنص انتهى وتبعهما في ذلك مع المقاصد حيث قال في شرح العبارة المتقدمة اشتراط الكرية في المادة انما هو مع استواء السطوح بان يكون المادة أعلى أو أسفل مع اشتراط القاهرية بفوران ونحوه في هذا القسم إما مع استواء السطوح فيكفي بلوغ المجموع كرا كالغديرين إذا وصل بينهما بساقية فحصل العلامة والشهيد قولان اختار ثانيهما مع؟ المقاصد ولهما قول ثالث يظهر من كلماتهما كبعض كلمات المعتبر والمنتهى قال في المعتبر الغدير ان الظاهران إذا وصل بساقية صارا كالماء الواحد فلو وقع في أحدهما نجاسة لم ينجس ولو نقص كل منهما عن الكر إذا كان مجموعهما مع الساقية كرا فصاعدا انتهى وفى المنتهى لو وصل بين الغديرين بساقية اتحدا واعتبر الكرية فيهما مع الساقية جميعا وقال في القواعد لو اتصل الواقف بالجاري لم ينجس بالملاقات انتهى نعم قيده في مع؟ المقاصد بعدم علو القليل واما الشهيد قده فقد اكتفى في اللمعة في تطير القليل النجس بملاقاته كرا من غير تقييد بعدم علوا النجس فإذا كان السافل رافعا للنجاسة عن العالي فهو أولي بدفعها عنه نعم لا يظهر من هذا الكلام حكم ما لو كان المجموع كرا ويمكن استفادة هذا المذهب من عبارة الدروس المتقدمة التي ذكرنا انها موافقة التذكرة فان الحكم بعدم انفعال الجاري لا عن مادة إذا لاقي جزئه المتوسط بين ما فوقه وما تحته إذا كان المجموع كرا لا يكون الا مع تقوم الجزء الأوسط الملاقى بما هو أسفل منه الا إذا فرض العلو على وجه قيام بعض اجزائه على بعض كالعمود أو شبهه فان هذا ليس من مختلف السطوح وذكر في الموجز وشرحه ان الجاري لا عن مادة الملاقى للنجاسة إن كان قليلا انفعل سافله فقط وإن كان كثيرا لم ينفعل عاليه ولا سافله لكن ذكرا في مادة الحمام انها لو لم يكن كرا انفعلت بنجاسة الحياض وهذا مناف بظاهره للأول وممن صرح بالاطلاق الفتوى من الطرفين شيخنا الشهيد الثاني قده في الروض فقال بعد كلام له في هذا الباب وتحرير هذا المقام ان النصوص الدالة على اعتبار الكثرة مثل قوله (ع) إذا كان الماء قدر كر وكلام أكثر الأصحاب ليس فيه تقييد الكر المجتمع بكون سطوحه مستوية بل هو أعم منه ومن المختلفة كيف اتفق انتهى وذكر بعد ذلك أيضا ما هو أصرح من ذلك في التعميم لتساوي السطوح ومختلفها وتبعه في ذلك سبطه السيد في المداك نعم خالفه في ذلك ولده المحقق قده في المعالم فلم يستبعد اعتبار المساواة قال لان ظاهر أكثر الاخبار المتضمنة
Page 20