والجَوابُ عنه: أن قَتْل الأنبياء ﵈ لا يَعنِي قَتْل ما جاؤوا به من الحَقِّ، والأنبياء ﵈ إنما تَكلَّموا من أَجْل إثبات الحَقِّ، لا من أَجْل إثبات شَخْصيتهم، بل أجل إِثبات الحَقِّ، ثُم إنه إذا فاتهم الانتِصار في الدنيا - أيِ: الانتصار الذي يُشاهِدونه - لم يَفُتْهم ذلك في الآخِرة؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ [غافر: ٥١] والله تعالى أَعلَمُ.
فإن قال قائِل: الخِطاب في قوله تعالى: ﴿وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾ هل يُجعَل لكلِّ خَوْف من دون الله تعالى؟
قُلْنا: نعَمْ، يُمكِن أن نَجعَله لكلِّ مَن خوَّف، لكن الظاهِر أنه خاصٌّ بالرسول ﷺ.
لكن هل هُناك فَرْق بين قول الله ﷾ لنَبيِّه ﷺ: ﴿وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾ وقول عاد لنَبيِّ الله هود ﵇: ﴿إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ﴾ [هود: ٥٤]؛ لأن المُشرِكين خوَّفوا النبيَّ ﷺ بأنه سيَعتَريه سُوءٌ من الآلهة؟
أَقول: لا، فأُولئك قالوا: ﴿إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ﴾ يَعنِي: خبَلوك وجعَلوك مَجنونًا، أمَّا هؤلاءِ فقالوا: إن آلهِتَنا ستَخبِلك؛ فتَوعَّدوه في المُستَقبَل.
الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: أن مَن كتَب الله تعالى ضَلاله فلا أحَدَ يَستَطيع هِدايته؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾.
الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: أن الإنسان لا يَطلُب الهِداية إلَّا من الله تعالى؛ لأنه وحدَه هو الذي يُضِلُّ ويَهدِي، فتَطلُب الهِداية منه؛ لأنه ليس المُرادُ بهذه الآيةِ التَّيْئيس من هِداية الخَلْق، ولكن المُراد الرُّجوع إلى الله ﷿ في هِداية الخَلْق.