61

Tafkir Naqdi

التفكير النقدي

Genres

ينبغي أن توازن سمة الانفتاح الذهني بين القدرة على تمييز الحجج غير المنطقية ونبذها، مثل النظريات العرقية الغريبة أو اقتراح وجود الآلات الأبدية الحركة، وبين عدم النظر إلى كل حجة لا نتفق معها على أنها مكافئة لنظرية مؤامرة. إن استيعاب سمة الانفتاح الذهني جيدا يمكن أن يؤدي بالإنسان إلى تغيير آرائه بشأن شيء كان يظن أنه مؤمن به، أو يزوده بالرؤى اللازمة لإقناع الآخرين بتغيير آرائهم. وقد يؤدي تحلي الطرفين المشاركين في جدال ما بالانفتاح الذهني، سواء أكانوا أفرادا أم مجموعات أو حتى في سياق المجتمع ككل، إلى انبثاق إجابات وأفكار جديدة لم يكن يعرفها أحد من قبل المشاركة في عملية تداولية مدفوعة بما يرتبط بالتفكير النقدي من معرفة ومهارات وخصال.

انطلاقا من هذه الرؤية التي تتسم بالتفاؤل، يمكن للتفكير النقدي تقديم حلول للعديد من المشكلات التي نواجهها، بداية من السياسات القائمة على القبلية والعواطف السلبية وحتى الكوارث البيئية أو الاقتصادية التي تنتج عن طرق التفكير غير العقلانية بشأنها، أو تتفاقم بسبب ذلك. وبالرغم من ذلك، فقبل تناول الفوائد التي قد يجلبها التفكير النقدي للأفراد أو العالم، ينبغي مناقشة التحديات التي تقف في طريق جعل قدرات التفكير النقدي محورا في قطاع التعليم، إن لم يكن في المجتمع ككل. وهذا هو الموضوع الذي سنعالجه في الفصل التالي الذي يناقش طرق تعريف التفكير النقدي وتدريسه وتقييمه.

الفصل الثالث

تعريف التفكير النقدي وتدريسه

وتقييمه

تناولنا فيما سبق أصول التفكير النقدي؛ باعتباره مفهوما مستقلا، وناقشنا كيف أن زيادة قدرتنا على التفكير المنطقي قد صارت غاية اجتماعية مهمة، وأولوية تعليمية. وتعرفنا أيضا على المعارف والمهارات والخصال التي قال الباحثون والتربويون بضرورة توفرها في المفكر النقدي.

بسبب اتفاق الأغلبية على ضرورة استخدام التفكير النقدي بدرجة أكبر في معالجة مشكلات العالم، فإن معظم النقاشات التي تدور عن الموضوع فيما بين المعلمين وأصحاب الأعمال وواضعي السياسات، تركز على كيفية تحقيق الزيادة المطلوبة في القدرة على التفكير النقدي. إن التحليل السابق الذكر الذي يقول بأن أكثر من ثلاثة أرباع أصحاب الأعمال يعتقدون بافتقار الخريجين الذين يوظفونهم إلى تلك القدرة المهمة، التي زعم معظم المعلمين وأساتذة الجامعات أنهم يمنحونها الأولوية؛ يعكس فجوة ينبغي دراستها في مناقشتنا للقضايا المهمة المتعلقة بطرق تعريف التفكير النقدي وتدريسه وتقييمه. (1) هل يمكن تعريف التفكير النقدي؟

في الفصل الذي يناقش أصول التفكير النقدي، ذكرت أن محاولات تعريف المصطلح ألقت الضوء على عدد من المسائل المهمة التي ترتبط ارتباطا مباشرا بكيفية تدريس التفكير النقدي وتقييمه، أو بما إن كان ذلك ممكنا أم لا. (2) تعريفات مختلفة

إن عدم الإجماع على تعريف لا يعني أن الآخرين لا يعرفون ما نتحدث عنه عند ذكر مصطلح «التفكير النقدي». وإنما يعني وجود العديد من التعريفات المتنافسة التي صيغت في أوقات مختلفة وتركز على أولويات مختلفة.

لقد تناولنا بالفعل بعض المحاولات لتعريف المصطلح ، ومنها تعريف جون ديوي للتفكير التأملي الذي وضعه عام 1910، وهو: «إمعان النظر الدءوب والمستمر والدقيق لأي معتقد أو شكل مفترض من أشكال المعرفة، في ضوء المسوغات التي تدعمه والاستنتاجات الإضافية التي يفضي إليها»، وتناولنا أيضا تعريف إدوارد جليسر الذي صاغه عام 1941، وقدم فيه وصفا متعدد الأوجه للتفكير النقدي على النحو التالي: «(1) النزعة إلى التفكير المتعمق في المشكلات والموضوعات التي تقع في نطاق تجارب الفرد، (2) معرفة طرق الاستقصاء المنطقي والاستنتاج، (3) التحلي بقدر من المهارة في تطبيق هذه الطرق.»

Unknown page