ولذلك فإن العالم لم يلبث أن أدرك بعد قيام باكستان أن الأقليات هناك تتمتع بحريتها التامة وأنها تمارس عقائدها دون أن يعترضها أحد بأي حال من الأحوال. وما لبث مسلمو الباكستان أن لمسوا تماما قيمة المعاونة التي يمكن أن يقدمها المواطنون، من غير المسلمين، في بناء الوطن الجديد، ومبلغ ما يسهمون به لمضاعفة ثروة الدولة في النواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
وقد دل إحصاء عام 1951 على أن نسبة الأقليات في باكستان تبلغ 14,1 في المائة، وهي تتكون بحسب عددها من الهندوس ثم المسيحيين ثم الفارسيين
ثم البوذيين، ومعظم الهندوس يعيشون في شرق الباكستان وتبلغ نسبتهم هناك 23,2 من النسبة العامة للسكان، ومما يستحق الذكر أن أكبر عدد من الهندوس الذين يعيشون خارج حدود الهند هم الهندوس الذين يعيشون في باكستان، مع أن الهندوس ينتشرون في بلاد أخرى كثيرة مثل بورما والملايو وجنوب أفريقيا وشرق أفريقيا وإندونيسيا.
والبوذيون عرفوا معنى الحرية في ظل العلم الباكستاني، فإنهم يترددون على معابدهم ويؤدون شعائرهم الدينية ويمارسون حقوقهم ويؤدون واجباتهم مثل سائر المواطنين.
والمسيحيون في باكستان يبذلون قصارى جهدهم للاندماج في الحياة العامة، وكل منهم يقوم بدور المواطن الصالح الذي يعرف حقوقه وواجباته. وهكذا تعيش هذه الأقلية، وغيرها من الأقليات، مستمتعة بحريتها الكاملة في أداء شعائرها الدينية والتعبير عن آرائها ومعتقداتها، ويمكن أن نقول إنه يوجد في باكستان كنائس تمثل جميع العقائد المسيحية، وإن كانت غالبية المسيحيين هناك تنتسب للكنيسة الكاثوليكية.
والواقع أن معاملة الأقليات الدينية في باكستان تنطوي على سماحة تستحق الإعجاب وفهم لحقيقة مبادئ الإسلام؛ ففي المجالس النيابية بمختلف مقاطعات الباكستان أعضاء يمثلون الأقليات. وتحتل هذه الأقليات مكانتها في الحياة العامة ويتمتع أفرادها من الوجهة السياسية بنفس الحقوق التي يتمتع بها المسلمون، ولا يحول الدين، كما لا تحول العقيدة، دون تولي أي منصب من المناصب.
وتسترشد باكستان في هذه السياسة السمحاء بما قاله القائد الأعظم محمد علي جناح يوم وجه الحديث إلى الأقليات التي آثرت العيش في باكستان:
إنكم أحرار، إنكم أحرار في الذهاب إلى معابدكم، أحرار في الذهاب إلى مساجدكم، أحرار في الذهاب إلى أي مكان من أمكنة التعبد في دولة باكستان هذه، وقد ينتسب الواحد منكم إلى أي مذهب وقد يعتنق أي عقيدة من العقائد، فهذا لا شأن للدولة به إطلاقا.
نهضة شاملة
على الرغم من تلك المشاكل الكثيرة الكبيرة التي تجابهها باكستان سواء في الميدان الخارجي كمشاكل كشمير والمياه وأفغانستان، أو في الميدان الداخلي كمشاكل اللاجئين أو الدستور أو ارتفاع الأسعار؛ فإن الدولة الجديدة سارت قدما منذ أول يوم من نشأتها فنهضت بالمرافق العامة رغم العقبات التي صادفتها وسجلت في جميع الميادين تقدما محسوسا، في سبيل النهوض بجميع هؤلاء الذين ضمتهم حدودها وأصبحوا من رعاياها الأوفياء كما أصبح لهم حقوق قبل هذه الدولة.
Unknown page