Tabiciyyat Fi Cilm Kalam
الطبيعيات في علم الكلام: من الماضي إلى المستقبل
Genres
وقد توالت تداعياتها المريرة، وأخطرها إصابة القومية بطعنة نجلاء، فتراجعت الوحدوية كحلم وكواقع، كأيديولوجيا وكطوبى لصالح القطرية. ويبقى أمر تداعياتها في حلوق المثقفين وكل مهموم بوعي الأمة، إنما هو تلك النزعة الانهزامية إزاء الحضارة الغربية، والتي بلغت حد السير في ركاب المشروع الصهيوني تلمسا لعوامل الاستقرار والنماء! في حضارة شرق أوسطية لا غربية ولا عربية، لتكتسح بقايا المخلفات القومية. وبعد طول النضال ضد الاستعمار ومباركة الكفاح من أجل الاستقلال ... صارت الهيمنة الغربية تجلب وتشترى، وصرنا نتوخى سبل الاستسلام لها كي تحل صراعاتنا ومشاكلنا، وكأننا نتشبث بموقع على هامش الحضارة الغربية، لنلتقط فتات موائدها، دون مشاركة في صنع صنوفها الشهية البهية.
شهد القرنان الماضيان عزما وحماسا للإحياء والتجديد والتنوير والتثوير، وقد علا الوطيس في أعقاب ثورة 1919، وشهد أجواء مواتية في العصر الذهبي لثورة يوليو قبل فاجعة 1967. وعلى أية حال كان قد استمر دائما بدرجات متفاوتة، ثم أوشك أن يخبو الآن، وتطفو على السطح نوبات تشنج الفرار المخبول إلى الماضي بقضه وقضيضه، وتتزايد حميتها، ربما كرد فعل عكسي للأحداث التي تترى ترسيخا للتبعية للغرب والدوران في فلكه، لا سيما بعد انهيار القوة العالمية المناوئة؛ الاتحاد السوفييتي. يحدث هذا في أواخر المائة الميلادية العشرينية، التي تشهد مراكز توهج حضارية أخرى في شرق آسيا، تغلبت على أوروبا وأمريكا في معدلات التنمية والتنهيض. •••
يصعب اعتبار محنتنا الراهنة أمرا طارئا، إذا تذكرنا كتاب الإمام جلال الدين السيوطي (911ه): «التنبئة بمن يبعث الله على رأس كل مائة»، وهو يقوم على أن المحن الاجتماعية تقتضي التجديد، جبرا لما حصل من الوهن بالمحن. إنهم يعدون محن الظلم السياسي والاجتماعي على رءوس المئين، فيذكرون الحجاج ومحنة خلق القرآن، وخروج القرامطة وأفاعيل الحاكم بأمر الله، واستيلاء الفرنج على كثير من البلاد الشامية ومن بينها بيت المقدس ... ويعدون على رأس كل قرن محنة.
5
وحينما تكون المحنة دهماء - من قبيل استيلاء الفرنج على بيت المقدس - فإننا نجد أستاذ الأصوليين في التجديد وأستاذ المجددين في الأصولية الشيخ أمين الخولي يفضل مجددا في أصول العقائد - هو متكلم - على مجدد في الفروع والعبادات - هو فقيه.
يعترض أمين الخولي بشدة على قول لشيخ الأزهر يقصر فيه التطور على أحكام العبادات، وينأى به عن الأصول والعقائد، مؤكدا أن التطور سنة شاملة، والقرآن يقرر أنه بالتغير يعامل المتغير، فيقول الخولي: «كل شيء يتغير مع الزمن، لا سيما المتطاول منه، تتغير صورته الذهنية ومفهومه العقلي، ويتغير تبعا لذلك وقعه على النفس، ويتغير أيضا التعبير عنه والتمثل له، وكل أولئك تغيرات تطرأ على أي شيء، ويجب على صاحب الدين أن يقدرها، فيغير تعبيره وعرضه واستدلاله.»
6
إن التغير وبالتالي التجديد سنة مقررة، وأصل ثابت بينه الرسول.
7
الإمام السيوطي يستهل كتابه المذكور «التنبئة» بقوله: «الحمد لله الذي خص هذه الأمة الشريفة بخصائص واضحة للمجتهدين، وبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر الدين.» ويقول: لا يجوز خلو العصر من مجتهد، واستعاذ بالله من صيرورة الأمر إلى هذا الحد!
Unknown page