Tabiciyyat Fi Cilm Kalam
الطبيعيات في علم الكلام: من الماضي إلى المستقبل
Genres
والحق أن تفسيرهم للعالم استند على المباحث الطبيعية والتجريبية أكثر مما استند على المعارف اللاهوتية . لقد اعترفوا بالوجود المادي للعالم الطبيعي وجودا منفصلا عن وجود الله وموضوعا للمعرفة، يختلف عن موضوع المعرفة الإلهية، وحرصوا على ذكر الصنائع مقترنة دائما بذكر العلوم الطبيعية، «الصنائع العملية بعد العلمية في الجواهر الجسمانية.»
16
والرسالة الثامنة من رسائلهم في أن «كل صناعة تحتاج إلى الفكر والتعقل»، وتدور بأسرها حول الصنائع العملية والغرض منها.
وبديهي أن الصنائع العملية منصبة على جواهر جسمانية. والجواهر الجسمانية منفعلة، كلها تدرك بطريق الحواس، بينما الجواهر الروحانية فاعلة كلها لا تعرف إلا بالعقل؛ لذا سلموا بالقيمة الأولية للمبادئ الحسية أو المعرفية التجريبية والاستقرائية، فإذا كانت «أوائل العقول» تناظر ما نسميه الآن «الحس المشترك»، فهي ما يعلمه كل العقلاء ولا يختلفون فيه، فإنها «تحصل في نفوس العقلاء باستقراء الأمور المحسوسة شيئا بعد شيء.»
17
و«اعلم يا أخي، أن نسبة المعلومات التي يدركها الإنسان بالحواس الخمس، بالإضافة إلى ما ينتج عنها في أوائل العقول، كثيرة كنسبة الحروف المعجمة، بالإضافة إلى ما يتركب عنها من الأسماء.»
18
هكذا سلموا بالقيمة الأولية للمبادئ الحسية، وإن كانت المبادئ العقلية أسمى منها، فعلى أساس الدستور الإسلامي الثلاثي ينتقل العلم عندهم من الحواس إلى المعرفة العقلية إلى البرهان.
وكانت نظرية الفيض هي سبيلهم لتوجيه كل هذا - بما يحمله من رصيد طبيعي ضخم - نحو المتجه الإلهي، فالباري «علة الموجودات ومبدعها ومبقيها، أول فيض فاض من الوجود ثم البقاء ثم التمام.»
19
Unknown page