سؤالات حمزة بن يوسف السهمي للدارقطني وغيره من المشايخ في الجرح والتعديل
دراسة وتحقيق: موفق بن عبد الله بن عبد القادر
مكتبة المعارف - الرياض
حقوق الطبع محفوظة
الطبعة: الأولى ١٤٠٤ هـ - ١٩٨٤ م
مكتبة المعارف - ص. ب: ٣٢٨١ - هاتف ٤٠١٣٧٠٨ - ٤٠٢٣٩٧٩
الرياض - المملكة العربية السعودية
1 / 4
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد.
للسنة النبوية المنزلة العظيمة في التشريع الاسلامي فهي تحتل المرتبة الثانية بعد كتاب الله ﷿، ولقد امرنا الله تعالى بوجوب اتباع السنة والعمل بها.
والرجوع إليها فقال: (من يطع الرسول فقد اطاع الله) وقال: (وما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا) وقال: (يا ايها الذين آمنوا اطيعوا الله، واطيعوا الرسول واولي الامر منكم فان تنازعتم في شئ فردوه الى الله والى الرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر، ذلك خير واحسن تأويلا.)
وقال رسول الله ﷺ: (تركت فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا من بعدي: كتاب الله وسنتي) وقال ﷺ (يوشك رجل منكم متكئا على اريكته يحدث بحديث عني فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حرام حرمناه الا وان ما
1 / 5
حرمه رسول الله مثل الذي حرم الله.)
وقال تعالى: (فليحذر الذين يخالفون عن امر الله ان تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب اليم) .
ولقد اهتم المسلمون بحفظ سنة نبيهم ﷺ، فدونوها وحفظوها وفتشوا عن الطريق الذي وصلت إليهم الاحاديث منه..فانشاوا علم الجرح والتعديل..أو علم معرفة احوال الرجال من حيث قبول روايتهم اوردها..ان علم الجرح والتعديل هو ميزة من مميزات الحضارة الاسلامية عن غيرها من الحضارات، وسمة بارزة اتسم بها المسلمون عن غيرهم من الاقوام والشعوب..ذلك ان قبول الاخبار ورواية الحديث في المجتمع المسلم لا يقبل من كل فرد ... بل لا بد ان تتوفر في الناقل شروط وخصال حددها علماء الجرح والتعديل..فعلم معرفة الرجال والبحث عن احوالهم علم تفرد به المسلمون..بل هم اول من ابتكر هذا الفن من الفنون ... وما احوج الحضارات الاخرى الى هذا العلم..فلو تساءلنا ما سبب انحراف اليهودية والنصرانية عن حقيقتها كاديان منزلة من عند الله ﷾؟ لكان الجواب البديهي هو لكذب الرواة الذين نقلوا هذه الاديان لاممهم.
في حين ان المسلمين حافظوا على حقيقة دينهم واصالته بتحرزهم في نقل
سنة نبيهم ﷺ وعدم اخذهم الرواية الا بعد التاكد من صحتها وصدق راويها..ان نشؤ علم الجرح والتعديل يعتبر استجابة طبيعية من المسلمين لتوجيهات الله تعالى، وتعليمات نبيهم ﷺ .
قال تعالى: (يا ايها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبا فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين.)
1 / 6
وقال ﷺ: (لا تحدثوا الا عمن تقبلون شهادته) وهكذا سار السلف الصالح على هذا النهج، قال علي بن ابي طالب ﵁: (انظروا عمن تأخذون هذا العلم فانما هو الدين) وكذا قال أبو هريرة وابن سرين وغيرهم من علماء الامة الاسلامية ومحدثوها.
قال العز بن عبد السلام رحمه الله تعالى: (القدح في الرواة واجب لما فيه من اثبات الشرع، ولما على الناس في ترك ذلك من الضرر في التحريم والتحليل وغيرهما) .
وقال ابن خلدون: (ومن علوم الحديث النظر في الاسانيد ومعرفة ما يجب العمل به (من) الاحاديث بوقوعه على السند الكامل الشرط لان العمل انما وجب بما يغلب على الظن هدفه من اخبار رسول الله ﷺ فيجتهد في الطريق التي تحصل ذلك الظن وهو بمعرفة رواة الحديث بالعدالة والضبط، وانما يثبت ذلك بالنقل عن اعلام الدين بتعديلهم وبراءتهم من الجرح والغفلة، ويكون لنا ذلك دليلا على القبول أو الترك) ولقد بذلك علماء الجرح والتعديل جهودا جبارة في دراسة احوال الرجال الذين نقلوا السنة النبوية، وقلبوهم ظهرا لبطن..وكانوا في دراستهم في غاية التقوى والورع، الموضوعية والتجرد عن الهوى والمحاباة..ولقد برز جهابذة اختصوا بهذا الفن..ومن هؤلاء الامام الحافظ أبو
الحسن علي بن عمر الدارقطني، حيث اتجه إليه المحدثون والنقاد يسالونه عن الجرح والتعديل، وعلل الحديث.. (٥)
1 / 7
وهذه سؤالات الحافظ أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي للامام الحافظ أبو الحسن الدارقطني ولغيره من المشايخ، من كتب الجرح والتعديل المهمة..ذلك انها سؤالات من حافظ كبير، لطائفة من كبار النقاد في مجال الجرح والتعديل، وعلى رأسهم الامامين الكبيرين ابي الحسن الدارقطني وابي بكر الاسماعيلي..كما ان هذه السؤالات كان لها الاثر الكبير في المصنفات التي جاءت فيما بعدها والفت في مجال الجرح والتعديل ومعرفة احوال الرجال..فقد اقتبس منها الخطيب البغدادي (١٦٥) نصا في تاريخ بغداد كما اقتبس منها ابن عساكر في كتابه (تاريخ دمشق) في اكثر من موضع، وكذا ابن الجوزي في كتبه (المنتظم) و(الموضوعات)، وكذا ابن كثير في (البداية والنهاية) وابن نقطة في (التقييد)، و(الاستدراك) وقبله ابن ماكولا في (الاكمال) كما اقتبس الذهبي ﵀ في كتبه (تاريخ الاسلام) و(تذكرة الحفاظ) و(سير اعلام النبلاء) وغير ذلك من المصنفات التي كتبها..وكذا ابن العماد في الشذرات، وابن حجر في مصنفاته..الى غير ذلك من كتب الجرح والتعديل والتراجم مما يدل على الاهمية العظيمة لهذه السؤالات.
ان كل من يشتغل بالحديث وعلومه، ولا سيما المهتم بالجرح والتعديل ليتطلع شوقا الى هذه السؤالات.
ولقد بذلت جهدي في تحقيقها ودراستها وتاصيل نصوصها من المخطوط والمطبوع..فان اصبت فمن الله..وان اخطأت فمني والشيطان واستغفر الله، والله تعالى اسال ان يوفقنا لخدمة ديننا وسنة نبينا ﷺ وهو حسبنا ونعم
الوكيل وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين
1 / 8
التعريف بالامام الحافظ ابي الحسن علي بن عمر الدارقطني
بالنظر لشهرة الدارقطني، فاني ساكتفي بهذه الترجمة الموجزة عن حياته وشيوخه وتلاميذه ورحلاته العلمية..مكتفيا بما كتبته عنه في (كتاب الضعفاء والمتروكون) للدارقطني.
اسمه ونسبه وكنيته ولقبه: هو الامام الحافظ أبو الحسن علي بن عمر بن احمد بن مهدي بن مسعود ابن النعمان بن دينار بن عبد الله الدارقطني البغدادي، ودار القطن بفتح الدال وسكون الالف وفتح الراء وسكون الطاء المهملة وفي آخرها نون محلة كانت ببغداد من نهر طابق بالجانب الغربي بين الكرخ ونهر عيسى بن علي، خربت الساعة.
1 / 9
مولده: ولد سنة ست وثلاثمائة، وقيل سنة خمس وثلاثمائة، ونقل الخطيب القولين، ولكنه صدر كلامه بالقول الاول، ويرجع هذا القول تصريح الدارقطني نفسه به حيث قال: (مات أبو العباس احمد بن محمد بن شريح القاضي الفقيه سنة ست وثلاثمائة..وولدت في هذه السنة) طلبه للعلم: كان والد الدارقطني رجل علم، ومن المحدثين الثقات، فلابد ان يحرص على تعليم ولده وهو صغير، كما انه بدأ الكتابة وهو صبي، فقد قال عن نفسه: (كتبت في اول سنة خمس عشرة وثلاثمائة) وكان يحضر مجلس البغوي منذ
نعومة اظافره، قال يوسف القواس: (كنا نمر الى البغوي والدارقطني صبي يمشي خلفنا بيده رغيف عليه كامخ، وقال الذهبي: (وسمع وهو صبي من ابي القاسم البغوي ويحيى بن محمد بن صاعد، وابي بكر ابن ابي داود)، والذي يظهر لنا ونحن نقرأ حياة الدارقطني انه حفظ القرآن وهو صغير، فقد قال عن نفسه: (كنت انا والكتاني نسمع الحديث فكانوا يقولون: يخرج الكتاني محدث البلد، ويخرج الداقطني مقرئ البلد،
1 / 10
فخرجت انا محدثا مقرئا) اضف الى ذلك ان من عادة المسلمين انهم كانوا يحفظون القرآن الكريم لابناءهم وهم في مرحلة الطفولة.
رحلاته العلمية: بعد ان سمع الدارقطني شيوخ بلده ارتحل الى البصرة والكوفة والى غير ذلك من مدن العراق والتي كانت مركزا من مراكز العلم والعلماء، فقد رحل الى البصرة في حدود العشرين وثلاثمائة، كما انه رحل الى الكوفة للسماع من الحافظ ابي عبد الله محمد بن القاسم بن زكريا الكوفي السوداني، قال الدارقطني: (كتبت ببغداد من احاديث السوداني..ثم مضيت الى الكوفة لاسمع منه) ورحل الى الشام ومصر والحجاز، قال الحاكم: (دخل الدارقطني الشام ومصر على كبر السن، وحج، واستفاد وافاد، ومصنفاته يطول ذكرها) رحلته الى مصر: ومن ابرز رحلات الدارقطني رحلته الى مصر، إذ دارت حولها شبهات، وكان لها اثر علمي في اهل مصر، وبيان ذلك ان الوزير ابن حنزابة (اراد ان يصنف مسندا، فخرج أبو الحسن إليه، واقام عنده مدة يصنف له المسند، وحصل له من جهته مال كثير) وقد حدد لنا الدارقطني وقت دخوله مصر
فقال: (... دخلت مصر في سنة سبع وخمسين..) يعني وثلاثمائة، وقد لام اليافعي الدارقطني لارتحاله الى مصر واخذه المال من الوزير ابن حنزابة، فقال: (..فانه وان كان ظاهره كما قالوا المساعدة له في تخريج المسند المذكور، قلت، لا ارى مثل هذا لائقا باهل العلم، ولا باهل الدين، نعم لو
1 / 11
كانت مثل هذه المساعدة (لبعض) اهل العلم والدين، ولا يشوبها شئ من امور الدنيا، كان حسنا منه وفضلا وحرصا على نشر العلم والمساعدة في الخير) .
وقد دافع الذهبي - رحمه الله تعالى - عن الدارقطني في ذلك بعد ان اورد حكاية تدل على ان الدارقطني لم يكن في حالة ميسرة من العيش، ولم يكن له نصيب وافر من المال (قال أبو الحسن العتيقي: حضرت ابا الحسن وجاءه أبو الحسين البيضاوي بغريب ليقرأ له شيئا، فامتنع واعتل ببعض العلل، فقال: هذا غريب، وساله ان يملي عليه أبو الحسن من حفظه مجلسا تزيد احاديثه على العشرين حديثا متن جميعها (نعم الهدية امام الحاجة) قال: فانصرف الرجل ثم جاءه بعد، وقد اهدى له شيئا ففر به واملى عليه من حفظه بضعة عشر حديثا متون جميعها (إذا اتاكم كريم قوم فأكرموه) .
قال الذهبي: (قلت: هذه حكاية صحيحة..وهي دالة على سعة حفظ هذا الامام، وعلى انه لوح بطلب شئ، وهذا مذهب لبعض العلماء، ولعل الدارقطني كان آذ ذاك محتاجا، وكان يقبل جوائز دعلج السجزي، وكذا وصله الوزير ابن حنزابة بجملة من الذهب لما خرج له المسند.
ويجب ان لا ينسى القارئ ان ابن حنزابة لم يكن وزيرا وصاحب سلطان وجاه فقط، انما هو عالم كبير ورجل عادل بذل نفسه للعلم والعلماء فرحلة
الدارقطني له لمساعدته انما هي رحلة لعالم من العلماء مشهود له بالتقوى والصلاح، وهذا امر لا يلام عليه الدارقطني خاصة وانه لم يقصر نفسه وعلمه على ابن حنزابة بل نشر علمه بين طلابه واستفاد منه الكثير، وتاثروا به، وعرفوا منزلته، وكان من ابرز تلاميذه الحافظ أبو محمد عبد الغني بن
1 / 12
سعيد الازدي، قال منصور بن علي الطرطوسي: (لما اراد الدارقطني الخروج من عندنا من مصر، خرجنا نودعه، وبكينا، فقال لنا: تبكون وعندكم عبد الغني بن سعيد وفيه الخلف) .
وهكذا غادر الدارقطني مصر تاركا بعده تلميذه عبد الغني بن سعيد ليتم رسالته في اهل مصر.
عقيدة الدارقطني: بما ان الدارقطني من ائمة الجرح والتعديل، وكتابنا الذي هو موضوع الرسالة في هذا الباب، فلابد من بيان عقيدة الدارقطني لما لها اثر في مجال الجرح والتعديل.
فقد قال الذهبي: (..وكان إليه المنتهى في السنة ومذهب السلف..) وقد وجهت إليه تهمتان: الاولى: هي التشيع، والثانية: انه اشعري.
وسبب التهمة الاولى: ان الدارقطني: (كان يحفظ ديوان السيد الحميري في جملة ما يحفظ من الشعر، فنسب الى التشيع لذلك) ولا شك ان هذا دليل هزيل وميت لا يصلح لان يتهم من اجله حافظ كبير كالدارقطني باتشيع، نعم، السيد الحميري (كان رافضيا خبيثا)، ولكنه كان شاعرا مطبوعا حلو الشعر، بليغة، كما ان شعره كان منتشرا بين اهل بغداد.
فحفظ الدارقطني لديوانه من باب توسعه في المعرفة، فالى جانب اشتغاله بالحديث وعلله، كان رحمه الله تعالى عالما بالقراءات واللغة والادب، ولو ان
كل من يحفظ ديوان شاعر ما يتهم بعقيدة ذلك الشاعر لكان كل من حفظ ديوان ابي نواس اتهم بالفسق والفجور، وكال من يحفظ دواوين الشعراء الجاهليين يتهم بما يعتقدونه، لما حفظ احد هذه الدواوين..نقل السلمي عن
1 / 13
شيخه الدارقطني (قال الشيخ: اختلف قوم ببغداد من اهل العلم، فقال قوم: عثمان افضل، وقال قوم: علي افضل، فتحاكموا الي فيه، فسألوني عنه، فامسكت وقلت: الامساك عنه خير، ثم لم ارد السكوت وقلت: دعهم يقولون فيما احبوا فدعوت الذي جاءني مستفتيا، وقلت: ارجع إليهم وقل: أبو الحسن يقول: عثمان ﵁ افضل من علي باتفاق جماعة اصحاب رسول الله ﷺ، هذا قول اهل السنة، وهو اول عقد يحل في الرفض)، كما ان الدارقطني كان يجرح الكثير بسبب تشيعهم الممقوت كما سيأتي في كتاب الضعفاء.
والتهمة الثانية: انه اشعري، وسبب هذه التهمة ما رواه أبو ذر الهروي تلميذ الدارقطني: قال: (... كنت ماشيا مع الدارقطني فلقينا القاضي ابا بكر فالتزمه الدارقطني وقبل وجهه وعينيه، فلما افترقا قلت: من هذا؟ قال: هذا امام المسلمين والذاب عن الدين القاضي أبو بكر بن الطيب..)، وهذه الحادثة تدل على سمو اخلاق الدارقطني وتواضعه، فقد قال له أبو ذر: (..من هذا الذي صنعت به ما لم اعتقد انك تصنعه وانت امام وقتك؟..ذلك ان الدارقطني لم يكن مغرورا بنفسه مزهوا بعلمه، وانما كان متواضعا مجلا لاهل العلم والفضل، قال الذهبي بعد ان الورد حكاية ابي ذر بشان ابي بكر الباقلاني: (قلت: هو الذي كان ببغداد يناظر عن السنة وطريقة الحديث
بالجدل والبرهان وبالحضرة روى المعتزلة والرافضة والقدرية والوان البدع،
1 / 14
ولهم دولة وظهور بالدولة البويهية، وكان يرد على الكرامية، وينصر الحنابلة عليهم، وبينه وبين اهل الحديث عامر، وان كانوا قد يختلفون في مسائل دقيقة، فلهذا عامله الدارقطني بالاحترام..) وقد قال السلمي: (وسمعت الشيخ ابا الحسن يقول: ما في الدنيا شئ ابغض الي من الكلام) .
وقال الذهبي: (قلت: لم يدخل الرجل في علم الكلام ولا الجدال، ولا خاض في ذلك بل كان سلفيا؟، وقد نقل الذهبي عن ابي الحسن انه انشد شعرا قال فيه: حديث الشفاعة في احمد الى احمد المصطفى نسنده وجاء حديث باقعاده على العرش ايضا فلا نجحده امر الحديث على وجهه ولا تدخلوا فيه ما يفسده فسلفية الدارقطني - رحمه الله تعالى - ثابتة، وسلامة عقيدته من البدع والضلال والتشيع امر ثابت اقره العلماء، وشهد به اقران الدارقطني، كما اخبر بذلك الخطيب البغدادي في تاريخه وغير ذلك من العلماء.
اقوال العلماء فيه وثناؤهم عليه: قال الخطيب: (وكان فريد عصره، وقريع دهره، وامام وقته، انتهى إليه علم الاثر والمعرفة بعلل الحديث واماء الرجال واحوال الرجال مع الصدق والامانة والفقه والعدالة وقبول الشهادة وصحة الاعتقاد وسلامة المذهب والاطلاع بعلوم سوى علم الحديث) .
وقال الحاكم: (صار الدارقطني اوحد عصره في الحفظ والفهم والورع،
1 / 15
واماما في القراء، والنحويين، واقمت في سنة سبع وستين ببغداد اشهرا، وكثر اجتماعنا، فصادفته فوق ما وصف لي، وسالته عن العلل والشيوخ، وله مصنفات يطول ذكرها، فاشهد انه لم يخلق على اديم الارض مثله.
وقال الازهري: (كان الدارقطني ذكيا إذا ذكروا شيئا من العلم اي نوع كان وجد عنده منه نصيب وافر) .
وقال الصوري: (سمعت عبد الغني بن سعيد الحافظ بمصر يقول: احسن الناس كلاما على حديث رسول الله ﷺ ثلاثة: علي بن المديني في وقته، وموسى بن هارون في وقته، وعلي بن عمر الدارقطني في وقته) .
وقال ابن كثير: (..الحافظ الكبير استاذ هذه الصنعة، وقبله وبعده الى زماننا هذا، سمع الكثير، وصنف والف واجاد وافاد واحسن النظر والتعليل والانتقاد والاعتقاد، وكان فريد عصره، ونسيج وحده، واما دهره..وكان من صغره موصوفا بالحفظ الباهر، والفهم الثاقب، والبحر الزاخر..) وحين سئل الامام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - عن الائمة من اهل الحديث ومذاهبهم، واجتهادهم، اجاب: (... واما البيهقي، فكان على مذهب الشافعي منتصرا له في عامة اقواله، والدارقطني هو ايضا يميل الى مذهب الشافعي، وائمة المسند والحديث، لكن ليس هو في تقليد الشافعي كالبيهقي، مع ان البيهقي له اجتهاد في كثير من المسائل، واجتهاد الدارقطني اقوى منه، فانه كان اعلم وافقه منه) .
وكان الدارقطني يعرف قيمة نفسه مع التواضع الجم، قال رجاء المعدل: (سالت ابا الحسن الدارقطني فقلت له: راى الشيخ مثل نفسه؟ فقال
1 / 16
لي: قال الله تعالى: (فلا تزكوا انفسكم) .
فقلت له: لم ارد هذا، ان كان في فن
واحد فقد رايت من هو افضل مني، واما من اجتمع فيه ما اجتمع في، فلا) .
وقال الازهري: (رايت محمد بن ابي الفوارس - وقد سال ابا الحسن الدارقطني - عن علة حديث، أو اسم فيه، فاجابه.
ثم قال له: يا ابا الفتح: ليس بين الشرق والغرب من يعرف هذا غيري) .
وكان ﵀ يشعر انه المدافع عن سنة رسول الله ﷺ الحامل لوائها، فقد قال: (يا اهل بغداد لا تظنون ان احدا يقدر يكذب على رسول الله ﷺ وانا حي) .
وقال الخطيب: (قرات بخط حمزة بن محمد بن طاهر الدقاق في ابي الحسن الدارقطني: جعلناك فيما بيننا ورسولنا وسيطا فلم تظلم ولم تتحوب فانت الذي لولاك لم يعر الوري ولو جهدوا ما صادق مكذب وفاته: بعد حياة حافلة بخدمة السنة والدفاع عنها قولا وعملا وتعليما وتاليفا، انتهت حياة الحافظ الدارقطني بلقاء ربه ﵎ ليبقى حيا بيننا بما تركه من المصنفات والآثار العلمية، وقد اتفقت الروايات حول سنة وفاة الدارقطني فقد اشارت جميعها الى ان وفاته كانت سنة خمس وثمانين وثلاثمائة، ولكن وقع اختلاف يسير في تحديد الشهر الذي توفي فيه: هل هو شهر ذي
1 / 17
القعدة ام شهر ذي الحجة) ورجح الخطيب ان وفاته كانت في شهر ذي القعدة، كما اختلفت الروايات هل كانت وفاته يوم الثلاثاء ودفن يوم الاربعاء ام ان وفاته كانت يوم الاربعاء ودفن يوم الخميس؟، ولم اقف على ترجيح في ذلك، ودفن أبو الحسن في مقبرة باب الدير، قريبا من قبر معروف
الكرخي.
وقال صدر الدين أبو علي الحسن بن محمد البكري، المتوفى سنة ٦٥٦ هـ: وزرت قبره بها.
وبذلك يثبت لنا مكان دفنه.
وروى الخطيب عن ابن ماكولا قوله: (رايت في المنام ليلة من ليالي شهر رمضان كاني اسال عن حال ابي الحسن الدارقطني في الاخرة، وما آل إليه امره؟ فقيل لي: ذاك يدعى في الجنة الامام) .
طائفة من شيوخ الدارقطني: كان توسع الدارقطني في الطلب والرحلة مع ازدهار عصره بالعلم والعلماء سببا في كثرة شيوخه الذين تلقى عنهم، واستفاد منهم، وتأثر بهم، ولا يتسع المقام الاحصاء كل شيوخ الدارقطني، لذا ساكتفي بذكر طائفة منهم مع التركيز على اهم من ظهر لهم اثر في حياته العلمية، والذين سئل عنهم في كتاب الضعفاء وسؤالات حمزة السهمي، وسؤالات الحاكم.
١ - أبو اسحاق ابراهيم بن حماد بن اسحاق بن زيد بن درهم الازدي مولى الجرير بن حازم، سمع احمد بن عبيد الله العنبري، وعلي بن مسلم
1 / 18
الطوسي..وروى عنه القاضي أبو الحسن الجراحي، وابو الحسن الدارقطني وقال: ثقة فاضل، وقال عنه ايضا: ثقة جبل، توفي سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة) .
٢ - أبو اسحاق ابراهيم بن عبد الصمد بن موسى بن محمد الهاشمي، حدث عن ابي مصعب بن ابي بكر الزهري، والحسين بن الحسن المروزي..روى عنه الدارقطني، وابو جعفر الكتاني..قال الحسن بن لولو: لم ار له اصلا صحيحا فتركته، وقال الدارقطني: سمعت ابن ام شيبان
يقول: رايت سماعه بالموطا سمعا قديما صحيحا، وقال أبو الحسن محمد ابن صالح الهاشمي: رايت اصل ابي اسحاق ابراهيم بن عبد الصمد الهاشمي عن ابي مصعب بن ابي بكر الموطا سماعه مع ابيه بالخط العتيق خط الاصل..وقال الذهبي: وهو آخر من روي الموطا عن ابي مصعب، توفي سنة خمس وعشرين وثلاثمائة.
٣ - أبو اسحاق ابراهيم بن محمد، وقال: ابراهيم بن علي بن الحسين البزاز، ويعرف بابن بقيرة، حدث عن علي بن المديني، والمفضل بن غسان..روى عنه أبو بكر بن شاذان، وابو الحسن الدارقطني، وضعفه، ونقل حمزة السهمي عن الحسن بن علي البصري قوله: ليس بالمرضي..توفي سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة.
٤ - العالم المحدث مسند الوقت أبو بكر احمد بن جعفر بن حمدان بن مالك
1 / 19
البغدادي القطيعي الحنبلي راوي مسند احمد والزهد والفضائل له، سمع محمد بن يونس الكديمي وبشر بن موسى..حدث عنه الدارقطني وقال: ثقة زاهد، سمعت انه مستجاب الدعوة..وتوفي سنة ثمان وستين وثلاثمائة.
٥ - أبو الحسين احمد بن سعيد بن سعد وكيل دعلج بن احمد المعدل، سمع منه انه الحسن الدارقطني كتاب الضعفاء للنسائي، وكان شيخا فاضلا، توفي سنة سبعين وثلاثمائة.
٦ - أبو بكر احمد بن سلمان بن الحسن بن اسرائيل بن يوني النجاد الفقيه الحنبلي، روي عن هلال بن العلاء، وابي قلابة..ورحل وصنف السنن، روى عنه ابن مردويه، والدارقطني، قال الخطيب: كان
صدوقا عارفا، توفي سنة ثمان واربعين وثلاثمائة.
٧ - أبو بكر احمد بن عيسى بن علي الخواص سمع عليا بن حرب الموصلي، وسفيان بن زياد البلدي..روى عنه الدارقطني ووثقه، توفي سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة.
٨ - أبو بكر احمد بن كامل بن خلف بن شجرة بن منصور القاضي..احد اصحاب محمد بن جرير الطبري، تقلد قضاء الكوفة، وكان من العلماء
1 / 20
بالاحكام وعلوم القرآن والنحو، وغير ذلك روى عنه أبو الحسن الدارقطني ولينه، ومشاه وغيره، وتوفي سنة خمسين وثلاثمائة.
٩ - أبو عبد الله احمد بن محمد بن ابراهيم بن آدم الصلحي، روى عنه الدارقطني وقال: ما علمت الا خيرا، توفي سنة ثلاثين وثلاثمائة.
١٠ - أبو سعيد احمد بن محمد بن رميح بن عصمة بن وكيع بن رجاء النخعي، من اهل نسا، ولد بالشر معان ونشا بمرو، وسمع العلم بخراسان وغيرها من البلدان، وكتب الكثير وصنف، وجمع، وذاكر العلماء، وكان معدودا في حفاظ الحديث، وقدم بغداد دفعات، وحدث بها عن محمد ابن اسحاق بن خزيمة، ومحمد بن اسحاق السراج..حدث عنه أبو الحسن الدارقطني، وابو حفص بن شاهين، ونحوهما، توفي بالجحفة سنة سبع وخمسين وثلاثمائة.
١١ - أبو العباس احمد بن محمد بن سعيد بن عبد الرحمن بن ابراهيم بن زياد ابن عبد الله بن عجلان الكوفي المعروف بابن عقدة، مولى بني هاشم، ابوه نحوي صالح، سمع امما لا يحصون، وكتب العالي والنازل، وكثرة الحديث ورحلته قليلة، الف وجمع، حدث عنه الدارقطني
وقال: اجمع اهل الكوفة انه لم ير بها من زمن ابن مسعود الى زمنه احفظ منه..وقال أبو علي: ما رايت احفظ منه لحديث الكوفيين
1 / 21
وعنده تشييع، مات في سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة.
١٢ - أبو ذر احمد بن محمد بن محمد بن سليمان بن الحارث بن عبد الرحمن، المعروف بابن الباغندي، سمع عبيد الله بن سعد الزهري، ومحمد بن علي بن خلف العطار، وروى عنه محمد بن عبيد الله بن الشخير..وابو الحسن الدارقطني نقل حمزة عن ابي مسعود قوله: سمعت الزينبي يقول: دخلت على محمد بن محمد الباغندي فسمعته يقول: لا تكتبوا عن ابني فانه يكذب، فدخلت على ابنه ابي ذر فسمعته يقول: لا تكتبوا عن ابي فانه كذاب، وسئل حمزة الدارقطني عنه فقال: ما علمت الا خيرا وكان اصحابنا يؤثرونه على ابيه..توفى أبو ذر سنة ست وعشرين وثلاثمائة.
١٣ - أبو طلحة احمد بن محمد بن عبد الكريم بن يزيد بن سعيد الغزاري البصري المعروف بالوساوس، سكن بغداد وحدث بها عن نصر بن علي الجهضمي وعبد الله بن خبيق الانطاكي..روى عنه ابن شاذان، وابو حفص بن شاهين، وابو الحسن الدارقطني، ونقل حمزة عن الدارقطني قوله: تكلموا فيه، وسال عنه البرقاني فقال: ثقة، توفي سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة.
١٤ - أبو بكر احمد بن المطلب بن عبد الله بن هارون الواثق بن محمد المعتصم ابن هارون الرشيد الهاشمي، سمع ابا مسلم الكجي، وموسى بن السحاق الانصاري..روى عنه أبو الحسن الدارقطني، وابو حفص
1 / 22
الاجري..وكان ثقة دينا صالحا..توفي سنة اربع واربعين وثلاثمائة.
١٥ - أبو بكر احمد بن موسى بن العباس بن مجاهد المقرئ شيخ القراء في وقته ومصنف السبعة، ولد سنة خمس واربعين ومائتين، سمع الرمادي، وسعدان بن نصر..روى عنه الحديث أبو حفص بن شاهين..وابو الحسن الدارقطني وخلق، قال ثعلب: ما بقي في عصرنا اعلم بكتاب الله من ابن مجاهد..توفي سنة اربع وعشرين وثلاثمائة.
١٦ - الحافظ الامام الثبت أبو طالب احمد بن نصر بن طالب البغدادي، سمع عباسا الدوري، ومنه الدارقطني، وكان يقول: أبو طالب استاذي، توفي سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة.
١٧ - أبو محمد بن اسماعيل بن علي بن اسماعيل بن يحيى بن بيان، الخطبي، سمع الحارث بن ابي اسامة التميمي، وبشر بن موسى الاسدي..روى عنه الدارقطني وابن شاهين وغيرهما من المتقدمين، وكان فاضلا فهما عارفا بايام الناس واخبار الخلفاء، قال الدارقطني: ما اعرف الا خيرا، كان يتحرى الصدق، وقال ايضا: ثقة..توفي سنة خمسين وثلاثمائة ١٨ - الحافظ أبو محمد جعفر بن علي بن سهل الدقاق الدوري، حدث عن ابي اسماعيل الترمذي، وعن محمد بن زكريا الغلابي..روى عنه عبد الله ابن ابراهيم بن ماسي، وابو الحسن الدارقطني ضعفه أبو زرعة
1 / 23