ونحن ننقل هنا بعض ما جرى في هذه المقابلة من أحاديث كما سجله حينئذ مستر أريك جونسون نفسه في وقت كانت فيه العلاقات بين روسيا وأمريكا على خير ما يرام! وسوف يلاحظ القارئ أن هذا الوصف رغم ما مر به من زمن فإنه لا شك ينطبق في كثير من المواضع تمام الانطباق على الوقت الحاضر ...
وها هو أريك جونسون يتحدث عن مقابلته لستالين: «إن ما يعرفه العالم عن روسيا قليل، وما يفهمه من شئونها أقل من القليل، في حين ينبغي للناس أن يعرفوا عنها أكثر مما يعرفون، وأن يفهموها أكثر مما يفهمون، وإنني لأعترف بأن ما أعرف وأدرك من أمورها نزر يسير، فإنها بلاد واسعة مترامية الأطراف، كثيرة التعقيد، شديدة الغرابة. ثم إن للأمم الأخرى أسلوبا في التفكير يختلف عن أسلوبها.
وقد قطعت عشرة آلاف من الأميال في ستة أسابيع قضيتها ضيفا على الحكومة، مرتحلا أجوس خلال الأراضي السوفييتية، فعرفت كثيرا، ونبذت من الآراء التي كنت أعرفها أكثر مما عرفت، وقد وجدت «خبراء» الجاليات الأجنبية في موسكو يختلفون حتى على أبسط المسائل، على أنه من الإنصاف أن أسلم بأنه قلما تتاح لهم فرصة الاطلاع الصحيح؛ إذ قلما يسمح لهم بالخروج من موسكو.»
رجل غامض
وإذا حاولنا أن نعرف روسيا وجب علينا أن نعرف رجلا واحدا يتكلم ويعمل من أجل شعب الاتحاد السوفييتي، وهو أقوى شخص في العالم اليوم، ومع ذلك لا يعرفه العالم إلا معرفة يسيرة، ألا وهو المارشال جوزيف ستالين ...
وحتى المقابلات القليلة التي أتاحها للأجانب قلما نشر مما يدور فيها من الأحاديث إلا النزر الأقل، فكان من جراء ذلك تكاثف ضباب من الإشاعات والشكوك والمبالغات حول الرجل الذي أصبح «الرجل الغامض رقم 1».
مقابلة ليلية
وقد قضيت زهاء ثلاث ساعات مع ستالين في جناحه بقصر الكرملين، وأعتقد أنه من الخير لكي يستنير الرأي العام أن أخرج على السنة الجارية وأروي طرفا من الموضوعات التي تناولها الحديث.
وقد كان موعد المقابلة في الساعة التاسعة مساء؛ لأن العمل يقل في الكرملين أثناء النهار، ولكن أنواره تسطع متلألئة طول الليل وقد استقبلني في البناء المخصص لجناح ستالين عدد من كبار ضباط الجيش، وبعد تبادل التحيات المألوفة قادونا إلى حيث هبطنا في ممر دائر أبيض، كانت الأرض مصقولة لامعة، وفي وسطها بساط ممدود من المخمل، وكان سقف الممر ناعما صقلا مزودا بالأنوار المستورة، ولم يكن هناك من مظاهر الزينة سوى رجال أيقاظ من الحرس عند كل منحنى، وليس بينهم من تقل رتبته عن درجة «الماجور».
وسرعان ما دخلنا غرفة للانتظار، ونظرت إلى ساعة كهربائية في الحائط وسألت نفسي: ترى إلى متى يمتد بنا الانتظار؟ فقد علمتني التجارب أن رؤساء الدول اعتادوا ألا يحفظوا المواعيد، ولكن في الساعة التاسعة تماما فتح الباب وقال أحد ضباط الجيش الأحمر بصوت مرتفع: إن الماريشال ستالين يستقبلكم الآن!
Unknown page