وروى ولتر بيدل سميث - سفير أمريكا السابق في موسكو - أنه عرف يوما شيوعيا غير روسي يتملكه نوع من الرعب والخوف من ستالين، حتى إنه ليتحاشى ذكر اسمه في الأحاديث الخاصة، ويقول عنه هامسا إذا أراد الإشارة إليه: «الرجل ذو الشارب.»
ولا شك أن ستالين كان مكروها من كثيرين من زملائه في بدء تكوين الاتحاد السوفييتي، كما أنهم كانوا يخافونه، وقد لقي هؤلاء أحد مصيرين: فإما النفي، وإما الموت ... بل إن لينين نفسه - كما سترى - لم يكن شديد الاطمئنان لستالين ...
ويرجع هذا الاختلاف البين في تقدير ستالين إلى أن معظم الذين قابلوه وكتبوا عنه فعلوا ذلك من وجهة نظر معينة ...
والحقيقة أن قليلين جدا من الناس في العالم، بل وفي روسيا نفسها، قد عرفوا ستالين الحقيقي؛ فقد كان أقوى حاكم في العالم، وكان من أقل حكام العالم ألفة واختلاطا بالناس، فقد عاش بعد أن قبض على زمام السلطة منعزلا عن شعبه، كما انعزل عن الأجانب، وراء أسوار الكرملين التي كانت تفصله عنهم، ومن حوله حشد من رجال الجيش والبوليس تولى حراسته، وأحاط حياته الشخصية بسرية تامة.
وكان العالم الخارجي يجهل أين يقيم ستالين بالضبط إذا خرج من الكرملين، وكان بعض الناس يعتقدون أنه كان يملك منزلا ريفيا يقع في الجزء الشمالي الغربي من المدينة حيث يقيم رجال الحكومة الآخرون، وحيث يفرض البوليس رقابة دقيقة، ولكن لم يكن في استطاعة أحد أن يؤكد ذلك.
حتى حياته الشخصية نفسها أحيطت بالغموض؛ فإن الروس أنفسهم لا يعرفون إذا كان ستالين قد تزوج حقا بعد وفاة زوجته الثانية في عام 1932، رغم كل ما أشيع عن ذلك.
لقد كان «ستالين» في روسيا اسما ورمزا لرجل لا يراه الروس مطلقا حتى في تلك الاستعراضات الضخمة التي كان ستالين يقف فوق قمة قبر لينين ليشهدها وهي تمر في الميدان الأحمر ... حتى في تلك الاستعراضات كانت الجماهير لا تراه لبعد المسافة، كان المارة في الميدان يرونه عن بعد كما يرون شبحا من الأشباح.
ولم يشهده أحد سائرا في شوارع موسكو، كما أنه لم يزر إلا نادرا إن لم نقل إطلاقا مصنعا أو منجما أو مزرعة جماعية، وقيل: إنه قام في أثناء الحرب العالمية الثانية بعدة زيارات لجبهات القتال المتعددة، ولكن الذين رأوه في هذه الرحلات كانوا عبارة عن عدد قليل من الضباط الكبار أصحاب الرتب العالية، ولم يعلم أحد من الجنود بوجوده بينهم في الميدان.
ولم يسمع عنه أنه سهر ليلة في فندق سوفييتي، كما لم يعرف عنه أنه قام برحلة طويلة داخل بلاد الاتحاد السوفييتي ورآه فيها الناس. وكان أهم ظهور له في العيد الرياضي السنوي بملعب «الدينامو» الضخم في ضواحي موسكو.
ولم يكن بالخطيب المفوه، بل كان يلقي خطبه دائما في مستمعين محدودي العدد مثل مجلس السوفييت الأعلى أو اجتماع الحزب الشيوعي، ولم يعمد إلى إلقاء خطبه العامة في حشود تتكون من آلاف المستمعين كما كان يفعل غيره من الحكام في مختلف المناسبات؛ لكي ينشروا آراءهم وحججهم في موضوعات السياسة العليا على الشعب مباشرة.
Unknown page