Sirat Ibn Hisham, Ed. Taha Abdul Raouf Saad
سيرة ابن هشام ت طه عبد الرؤوف سعد
Investigator
طه عبد الرءوف سعد
Publisher
شركة الطباعة الفنية المتحدة
Genres
عرف ما يريد منه، فأخذ سكينًا جديدًا لَطِيفًا، فَخَبَّأَهُ بَيْنَ قَدَمِهِ وَنَعْلِهِ، ثُمَّ أَتَاهُ، فَلَمَّا خَلَا مَعَهُ وَثَبَ إلَيْهِ فَوَاثَبَهُ ذُو نُواس، فَوَجَأَهُ١ حَتَّى قَتَلَهُ، ثُمَّ حزَّ رَأْسَهُ، فَوَضَعَهُ فِي الكُوَّة الَّتِي كَانَ يُشرف مِنْهَا، وَوَضَعَ مِسْوَاكَهُ فِي فِيهِ، ثُمَّ خَرَجَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالُوا لَهُ: ذَا نُوَاسٍ أرطْب أَمْ يَباس فقال: "سَلْ نَحْماس اسْترطُبان ذو نواس اسْترطُبان لا باس".
قال ابن هشام: هذا كلام حمير. ونحماس: الرَّأْسُ. فَنَظَرُوا إلَى الْكُوَّةِ فَإِذَا رَأْسُ لَخَنِيعَةَ مَقْطُوعٌ، فَخَرَجُوا فِي إثْرِ ذِي نُوَاسٍ حَتَّى أَدْرَكُوهُ، فَقَالُوا: مَا يَنْبَغِي أَنْ يَمْلِكَنَا غَيْرُكَ، إذْ أَرَحْتنَا مِنْ هَذَا الْخَبِيثِ.
مُلْكُ ذِي نُوَاسٍ: فملَّكوه، وَاجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ حِمْيَرُ وَقَبَائِلُ الْيَمَنِ، فَكَانَ آخِرَ مُلُوكِ حِمْيَرَ، وَهُوَ صَاحِبُ الْأُخْدُودِ، وتسمى: يوسف، فأقام في ملكه زمانًا.
سبب وجود النَّصْرَانِيَّةُ بِنَجْرَانَ: وَبِنَجْرَانَ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ دِينِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ﵇ عَلَى الْإِنْجِيلِ. أَهْلِ فَضْلٍ وَاسْتِقَامَةٍ مِنْ أَهْلِ دِينِهِمْ، لَهُمْ رَأْسٌ يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الثَّامِرِ.
وَكَانَ مَوْقِعُ أَصْلِ ذَلِكَ الدِّينِ بِنَجْرَانَ، وَهِيَ بِأَوْسَطِ أَرْضِ الْعَرَبِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَأَهْلُهَا وَسَائِرُ الْعَرَبِ كُلِّهَا أَهْلُ أَوْثَانٍ يَعْبُدُونَهَا، وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَقَايَا أَهْلِ ذَلِكَ الدِّينِ يُقَالُ لَهُ: فَيْمِيون، وَقَعَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، فَحَمَلَهُمْ عليه، فدانوا به.
حديث فَيْمِيون٢: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي الْمُغِيرَةُ بْنُ أَبِي لَبِيَدٍ مَوْلَى الْأَخْنَسِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّه الْيَمَانِيِّ أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ: أَنَّ مَوْقِعَ ذَلِكَ الدِّينِ بِنَجْرَانَ كَانَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَقَايَا أَهْلِ ديِن عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ يُقَالُ لَهُ فَيْمِيون، وَكَانَ رَجُلًا صالِحًا مُجْتَهِدًا زَاهِدًا فِي الدُّنْيَا، مُجاب الدَّعْوَةِ، وَكَانَ سَائِحًا يَنْزِلُ بَيْنَ الْقُرَى، لَا يُعْرَفُ بِقَرْيَةِ إلَّا خَرَجَ مِنْهَا إلَى قَرْيَةٍ لَا يُعرف بِهَا، وَكَانَ لَا يَأْكُلُ إلَّا مِنْ كَسْبِ يَدَيْهِ، وَكَانَ بنَّاء يَعْمَلُ الطِّينَ، وَكَانَ يُعَظِّمُ الْأَحَدَ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْأَحَدِ لَمْ يَعْمَلْ فِيهِ شَيْئًا. وَخَرَجَ إلَى فَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ يُصَلِّي بِهَا حَتَّى يُمْسِيَ. قَالَ: وَكَانَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الشَّامِ
_________
١ وجأه: ضربه.
٢ فيميون. وقال عنه السهيلي في الروض الأنف فيمثون. وذكر أن النقاش قال: إن اسمه يحيى، وكان أبوه ملكًا فتوفي، وأراد قومه أن يملكوه بعد أبيه، فنفر من الملك ولزم السياحة.
1 / 26