153

والمعنى الذي تدل الكلمة على وجوده للموضوع هو أمر قد يدل عليه باسم، إما اسم مطلق وإما اسم هو مصدر. فإن المصدر قد يجئ على وجهين: أحدهما أن يكون موضوعا وضعا أولا، كالضرب فيكون على حقيقة حال الاسم المطلق، والثانى هو أن يصرف الاسم المطلق تصريفا يدل على أن معنى الاسم المطلق منسوب إلى موضوع بأنه حادث منه أو فيه كالتحريك؛ وهذا بالحقيقة اللفظ الدال على المصدرية كالتحرك والابيضاض والتحريك والتبييض. والسبب فى ذلك أنه ربما لم يكن للمصدر وضع خاص، فيوجد الاسم مقامه، كما تقول: صح، يصح، صحة، وهو الذى يجئ على الوجه الأول وهذا هو الذى يكون شكل المصدر فيه لا يدل على المصدرية ولا يخالف الاسم المطلق الذى لا يشير إلى موضوع بوجه. فيكون معنى المصدر ليس له اسم خاص، بل أخذ مكانه الاسم المطلق للشئ. كما ربما اتفق ألا يكون للاسم المطلق وضع خاص فيؤخذ المصدر مكانه، كما لو لم يكن لمعنى الافتراق اسم مشهور لا يشير إلى موضوع فيؤخذ المصدر مكانه، وهو لفظة الافتراق. وربما كان لكل منهما لفظ خاص هو أولى، كما أن البياض أولى أن يدل على ذات، والابيضاض على حدوثه فى موضوع. واسم المصدر يفارق الاسم المطلق بما يتضمنه من الدلالة على موضوع منه، أو فيه معنى من المعانى، فيدل على ذلك المعنى نفسه وعلى نسبة ما. والأكثر فى لغة العرب هو أنه حيث يكون للمصدر لفظ خاص فإن الكلمة تكون دالة على وجود معنى لفظ ذلك المصدر لموضوع ما فى زمان معلوم، وإن كان قد يتضمن ذلك معنى الاسم المطلق أيضا، مثل قولهم ابيض يبيض من الابيضاض، فإنه قد يدل على الابيضاض الدال على البياض. فالمعانى التى تدل عليها الكلمة وأنها لغيرها فى ظاهر لغة العرب معانى المصادر وكذلك المعنى الذى يدل عليه الاسم المشتق هو معنى المصدر، ومعانى المصادر كلها فى لغتهم أعراض لأنها نسب عارضة فى الجواهر إلى أمور تحدث لها، فليس شئ من المصادر يقال على الجواهر ، بل يوجد فى الجواهر. فتكون لغة العرب لا تستعمل كلمات تدل على معنى يقال على الجواهر دلالة أولى. فأما دلالة ثانية فقد يكون كما إذا قلنا حبى فلان إذا صار ذا حياة، بل تجوهر فلان أى صار جوهرا من الجواهر. فإنه وإن كان دلالته الأولى إنما هى على معنى التجوهر لا على معنى الجوهر، والتجوهر كون ما لا جوهر، فإن الجوهر مدلول عليه فى التجوهر لا محالة دلالة ثانية، ولغة العرب ليس يدل فيها بالكلمات على مجرد اتصاف زيد مثلا فى هذا الموضع بأنه كان جوهرا حتى يدل على كون الجوهر مقولا عليه فيما سلف ذكره، حتى يكون قولهم تجوهر أنه كان الجوهر محمولا عليه فيما سلف بل معنى أنه تجوهر عندهم هو أن الجوهر المقول عليه حدث فيما سلف. فليس يدل على قول عليه بل على حدوثه فيه، فيدل عليه من حيث هو حادث حدوث أمر لأمر موضوع له فى وجوده له. فلغة العرب مظايقة فى هذا الباب. ولا يمتنع أن يكون في بعض اللغات كلمات لاتضايق في ذلك، بل تقتصر دلالتها على المبلغ المذكور الذي لايشير إلى الحدوث حتى يكون معنى نظير تجوهر فيها هو أن الجوهر مقول على زيد فيما سلف لاعلى أن حدوث الجوهرية موجود لزيد فيها سلف من غير التفات إلى بحمل بعلى البتة 0 وكما أنه يكون من الاسم اسم محصل واسم غير محصل، كذلك يكون في الكلمات كلمة محصلة وكلمة غير محصلة، كقولنا لاصح 0 وقد قيل في التعليم الأول وذلك أنها غير محصلة لأنها تدل على شىء من الأشياء موجودا كان أو غير موجود دلالة على مثال واحد0 وهذا القول إن عنى فيه بالموجود وغير الموجود ما يجعل موضوعا للكلمة حتى يكون قولنا لاصح ينتظم جملة على كل موضوع موجود أو غير موجود ما خلا الصحيح ويصدق عليه، فيكون إيجاب لاصح قد يصدق على الموجود وغير الموجود، فهذا مما يمنع عنه في مباحث أخرى 0 وإن عنى بذلك لا الموضوع ولكن ما هو في قوة المحمول من أمور مخالفة لدلالة لفظة صح حتى يكون ما صح يعنى به أنه مرض أو توسط أو فعل فعلا آخر غير الصحة كله يدخل تحت ما صح كان سديدا، بل عدى أن الغرض فى هذا أن هذه اللفظة تصدق على المعنى الوجودى المضاد والمتوسط وعلى المعنى العدمى الذى لاتحصل له في نفسه 0 فقولنا ما اسود يصدق على الشىء إذا كان قد ابيض وعلى الوسائط عادما ويصدق إذا كان عاما للون كيف كان ويكون، كما يقال صار غير أسود0ويشبه أن تكون لغة العرب لايستعمل فيها كلمة غير محصلة، وأنها إذا ألحقت بالكلمة حرف سلب كان السلب فقط. وربما كان لما قيل فى التعليم الأول تأويل آخر ليس يحضرنى الآن.

وأما حال الكلمة المصرفة والقائمة، فهى أن القائمة فى لغة اليونانيين هى ما يدل على الحاضر، والمصرفة ما يدل على أحد الزمانين، وقد أشرنا إلى الواجب فى هذا وبينا أنه لا وجود لذلك فى لغة العرب، والكلمة من حيث أنها تدل دلالة اللفظ جارية مجرى الأسماء، فإن كل واحد منها ينطق به فيتصور معناه، فإن قائلا لو سأل ماذا عمل زيد، فقال مشى، أفاد بذلك معنى يفهمه السامع ويقرنه إلى معنى زيد، ويحصل له منهما الدلالة التى للخبر، كما إذا سئل فقيل من فى الدار فقال زيد، وإن كان زيد (( ويمشى )) كل واحد منهما بانفراده لا يدل على إيجاب وسلب.

وأما الأدوات كقولنا من وعلى، والكلمات الوجودية فإنها نواقص الدلالات، والكلمات الوجودية هى كقولنا: صار يصير وكان يكون لا الدال على الكون مطلقا، بل على الكون شيئا لم يذكر، بل هى الكلمات التى إنما تدل من المعانى التى يدل عليها الكلم على نسبة إلى موضوع غير معين وفى زمان معين تكون تلك النسبة غير معينة لمعنى منتظر أن يقال، ولا يتضمن تضمن الكلمة الحقيقية إياه.

Page 162