ثم قال بعد ذلك: «أطيعوني ما أطعت الله ورسوله ، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم.»
وليس بد من أن تتم البيعة بين الخليفة والممثلين للمسلمين من أعلام الأمة وقادتها حتى حين يوصي الخليفة القائم لرجل من بعده، كائنا من يكون هذا الرجل.
وقد استخلف أبو بكر عمر في مرضه الذي توفي فيه، ولكنه لم يطمئن إلى وصيته حتى استشار فيها نفرا من أصحاب رسول الله، ثم أمر عثمان أن يسأل جماعة المسلمين: أتبايعون لمن في هذا الكتاب؟ فلما قالوا: نعم، اطمأنت نفس أبو بكر، وأرسل إلى عمر فنصح له ووصاه بما أراد.
وكل هذا لم يلزم المسلمين طاعة عمر بعد وفاة أبي بكر، وإنما وجب على الخليفة أن يعطيهم العهد ليعملن بكتاب الله وسنة رسوله ولينصحن للمسلمين ما استطاع، ووجب على المسلمين أن يعطوه العهد على أنفسهم بالسمع والطاعة في الحدود التي التزمها.
ولما طعن عمر وجعل الشورى في أولئك الستة من أصحاب رسول الله، على أن يختاروا من بينهم رجلا يكون هو الخليفة، لم تكن وصية عمر إلى هؤلاء الستة معفية للخليفة من أن يعطي هذا العهد على نفسه، وأن يأخذ من المسلمين العهد على أنفسهم، على النحو الذي بينته آنفا.
فلم يكن استخلاف أبي بكر لعمر إلا ترشيحا له، ولم يكن ما انتهى إليه أمر الشورى من اختيار عثمان إلا ترشيحا له أيضا، وكلا الرجلين لم يستطع أن يقوم بشيء من أمور المسلمين إلا بعد أن تمت البيعة بينه وبينهم.
فالبيعة إذن هي الركن الأساسي للخلافة، ومن أجل هذا كره المسلمون في صدر الإسلام أن تنتقل الخلافة من الآباء إلى الأبناء بالميراث على نحو ما كان الأكاسرة يصنعون.
ولم يكن بد من هذا الاستطراد المسرف في الطول لأبين أن ما يروى عن عمر لم يكن طعنا في خلافة أبي بكر، ولا يمكن أن يكون وسيلة إلى الطعن فيها؛ لأن ما تم في سقيفة بني ساعدة من ابتداء البيعة لأبي بكر لم يلزم سائر المسلمين، ولم يكن من شأنه أن يلزمهم حتى يبايعوه عن اختيار ورضى .
5
وقد كان أبو بكر في حياة النبي رجلا من المسلمين لا يحتمل تبعة خاصة، وإنما يسمع ويطيع لرسول الله
Unknown page