Sharh Kitab Al-Jami' li Ahkam Al-Siyam wa A'mal Ramadan - Hutaybah
شرح كتاب الجامع لأحكام الصيام وأعمال رمضان - حطيبة
Genres
ذكر ما يجب على الصائم أن ينزه به صومه
يجب على الصائم أن ينزه صومه عن الشتم والتشاجر وسوء الخلق والهمز واللمز والفحش، فالصائم ليس صائمًا عن طعام وشراب وشهوة فقط، بل الإنسان يمسك لسانه ويتأدب بآداب الإسلام في الصيام، ولا بد أن يوجد فرق بين يوم الصوم ويوم الإفطار، ففي يوم الصوم يزداد حسن الخلق عند المؤمن، فلا يؤذ أحدًا من خلق الله ﷿، ويتمرن على ذلك في رمضان حتى يستمر على الأخلاق الطيبة دائمًا، فينتهي رمضان ويكون على نفس الأخلاق الطيبة عامًا بعد عام.
قال الله ﷿: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾ [الهمزة:١]، والهمز واللمز: العيب، يهمز بالإشارة ويلمز باللسان، يهمز من أمامه ويلمز من خلفه، فهو هماز ولماز، فالهمزة: الإنسان الكثير الهمز في الخلق، والهمزة على وزن فُعَلة، كما يقال: فلان صُرعَة يعني: إنسان بطل وقوي، فلان هُمَزَة يعني: كثير الهمز في الناس، لُمَزَة يعني: لماز في الناس، يلمز فيهم ويعيب ويقدح فيهم.
وفي الحديث يقول النبي ﷺ: (ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا الفاحش ولا البذيء)، فالإنسان المؤمن طيب الخلق لا يكذب إلا فيما رخص الله ﷿ فيه، في ثلاثة أشياء يجوز له أن يعرض، فإن لم يقدر على التعريض فله البوح في ذلك، في الحرب يكذب وفي الإصلاح بين الناس، كذلك إذا كان يحدث امرأته، وغير هذه الثلاثة الأشياء لا يجوز للإنسان أن يكذب، فالمؤمن صادق ولا يحتاج إلى أن يحلف، لأن الكاذب دائمًا يؤكد كلامه بالحلف فيحلف كثيرًا.
ولذلك ذم الله ﷿ الحلاف وقال: ﴿حَلَّافٍ﴾ [القلم:١٠]، وذكر الإنسان الذي يهمز والمشاء بالنميم والكثير الحلف والمهين، فالإنسان الذي يحلف بالله ﷿ ويقسم كثيرًا فكأنه يهين هذا اليمين العظيم، فلا تطع مثل هذا الإنسان الحلاف الكثير الحلف؛ لأنه يكذب في النهاية.
أيضًا يقول ﷺ: (ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان)، الطعن في الناس أن يعيب في الناس ولا يعجبه أحد، فهذا الطعان هل يستحق أن يوصف بأنه مؤمن قريب من الله وعلى درجة عالية، وأنه على أخلاق النبي ﷺ؟! هذا الطعان في الخلق لا يستحق ذلك.
قال: (ولا اللعان) أي: الكثير اللعن، يسب كثيرًا، ويشتم الناس ويلعن في الناس.
قال: (ولا الفاحش) أي: يتكلم بالفحش من القول، فإذا به يتكلم عن النساء، ويتكلم عن الجماع، ويتكلم بأشياء فيفحش، ويتكلم في غير موضع هذا الكلام، والبذيء: كثير الشتم بلسانه، إذا أغاظه أحد مباشرة يسب ويشتم، فليس المؤمن بهذه الأخلاق، والصائم كذلك؛ لأن الصائم إنسان مؤمن يتقرب إلى الله ﷿ بالصوم، والصوم فيه الصبر، والصبر يكون عن مثل هذه الأخلاق التي نهى النبي ﷺ عنها.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: (الصيام جنة فلا يرفث ولا يجهل وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم)، مرتين، فقوله: (الصيام جنة) أي: وقاية وحماية للإنسان، فالصوم المقبول: الذي يحميك من نفسك، ويحمي الناس من شرك ويحميك من عذاب ومن غضبه الله ﷾، فاحذر أن ترفث أو أن تتكلم بالكلام الفاحش والبذيء، أو أن تتكلم بالكلام الذي لا يقال إلا في أوقات معينة، ككلام الرجل مع امرأته فيقول مثل هذا الكلام مع الخلق، فإن هذا لا يجوز.
قال: (فلا يرفث ولا يجهل)، فالإنسان الجاهل الذي لا يعرف معلومة من المعلومات يتعلم، ولكن الجهل هنا جهل الأخلاق، أن يكون جاهلًا في خلقه عصبي كثير الغضب، كثير الشتم والمشادة مع الناس، لا يمسك نفسه وهو صائم.
فالصائم عبد لله، يتواضع لله ﷾، ويصوم ويري من نفسه أنه عبد، وأنه ممسك عن الطعام والشراب والشهوة، ويري ربه من نفسه حسن الخلق، فهذا المؤمن لا يرفث ولا يجهل، ولو أن أحدًا تعرض له بذلك وأراد أن يتعارك معه، لا يدخل معه في التعارك، ولكن يقول: إني صائم، ويبتعد عن ذلك، فيذكر نفسه ويذكر غيره أن الصيام لا ينبغي فيه ذلك، أي: إني صائم لا تجهل علي فإني لا أرد عليك بالجهل، أيضًا فيه زجر لمن يؤذي الصائم، فإن هذا صائم لله ﷿ لا يصوم لك أنت، صائم لله، فهل تظن أنك حين تؤذيه أن الله ﷿ يتركك؟ هذا ليس ممكنًا أبدًا، أن تؤذي إنسانًا صائمًا ويقول لك: أنا صائم لا أرد عليك، بل ترد عليك الملائكة، ويرد عليك ربك ﷾، ويجازيك ربك على ما تصنع، لذلك احذر من أن تؤذي الصائم.
رأينا في حديث لـ أبي بكر الصديق ﵁ وهو مع النبي ﷺ، وجاء رجل يشتم أبا بكر ﵁ فحلم أبو بكر ﵁ وسكت، والرجل ما زال يشتم ويشتم ويشتم وأبو بكر ساكت، والنبي ﷺ ساكت، وفي النهاية حين الرجل زاد من الشتم رد عليه أبو بكر ﵁، فقام النبي ﷺ وتعجب أبو بكر وقال: هو يشتمني يا رسول الله! وأنت موجود، فلما رددت عليه وانتصفت منه قمت! فقال النبي ﷺ: (إنه كان هناك ملك يرد عنك)، ما قال شيئًا إلا ورده عليه الملك، الملك يرد عليه الذي يقول، وأنت لست أحق بهذا الوصف، فالله يكذب هذا الكذاب، ويصدق الملك بما يقول، فالملك يشهد على هذا الإنسان بأنه بذيء وأنه طويل اللسان، وأنه كذاب وكفى بهذه الشهادة ليعاقب عليه هذا الإنسان، فلما انتصف وانتصر أبو بكر ﵁ حضر الشيطان ليوسوس لـ أبي بكر قل له كذا، وقل له أيضًا، وقل له أيضًا، فقام النبي ﷺ وقال: (لم أكن لأقعد في مجلس فيه الشيطان).
لذلك إذا إنسان عابك وأساء إليك فثق أن الله يدافع عنك ﷾، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [الحج:٣٨].
ويحرم على الصائم الغيبة والنميمة وقول الزور ونحو ذلك، قال النبي ﷺ: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)، (من لم يدع قول الزور)، الزور: القول المزور، وأصله انحراف، زور: انحرف، فقول الزور: القول المنحرف عن الصواب والمائل عن الحق، فلا بد أن تدع قول الزور فلا تكذب في كلامك ولا تنافق ولا تراء ولا تشهد على إنسان زورًا، دع عنك كل ما هو انحراف عن دين الله ﷾.
قال: (والعمل به) أي: العمل بمقتضى هذا الزور، يقول الكلام الكذب فيقنع به من أمامه أنه صادق وهو كذاب، ثم يعمل بمقتضى ذلك فيأخذ حق غيره، قال النبي ﷺ: (لعل أحدكم يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له بنحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئًا فهي قطعة من النار فليأخذ أو فليذر).
إذًا: إذا تحاكم اثنان إلى القاضي، ولعل أحدهما يجيد الكلام ويتكلم بالزور ويكذب ويعمل بمقتضاه، والقاضي يحكم له فيأخذ حق غيره، إذًا: هذا قول الزور، وهذا العمل بمقتضى قول الزور.
قال: (والجهل) أي: السخط وسوء الخلق (فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)، ومعنى ذلك: أن صومه ليس مقبولًا، فهل نأمر هذا الإنسان أن يفطر؟ لا يقال له: افطر، ولكن يقال: إن الله لا يقبل مثل هذا الصوم، كما أنه لا يقبل الصلاة من إنسان يسرق أو يصلي ويزني ويفعل الفاحشة، فإن هذه الصلاة لم تنهك عن الفحشاء والمنكر، وربنا يقول: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [العنكبوت:٤٥]، فهي صلاة غير مقبولة، لو كانت صلاة مقبولة لنهتك عن الفحشاء والمنكر، فإن كانت غير مقبولة لا نقول له: لا تصل، ولكن نأمر بالصلاة، والأمر لله ﷿ في القبول أو عدمه.
أيضًا في الحديث يقول النبي ﷺ: (رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر)، رب صائم صام وأفطر على أعراض الناس وأفطر على الكذب وأفطر على إيذاء الناس، ورب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، وليس له أجر ولا ثواب، كذلك: (رب قائم ليس له من قيامه إلا السهر)، قام يصلي حتى تعبت قدماه وأصبح يؤذي خلق الله، فهذا لا تقبل منه هذه الصلاة، ولو كانت صلاة مقبولة لنهته عن الفحشاء والمنكر.
وقال في الحديث الآخر: (ليس الصيام من الأكل والشرب فقط، إنما الصيام من اللغو والرفث)، أيضًا جاء عنه ﷺ أنه قال: (لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدروهم)، يخمشون أظفارهم، قَلَبَها الله ﷿ نحاسًا يخمش ويمزع بها وجهه ويمزع بها صدره، قال النبي ﷺ (فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟! قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم) أي: يجلسون مع بعضهم يتكلمون في سيرة فلان وسيرة علان، يأكلون في لحوم الناس ويقعون في أعراضهم، وسمى النبي ﷺ ذلك من الربا، بل أربى الربا قال: (إن من أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه بغير حق)، هذه بعض الأشياء التي جاء عن النبي ﷺ النهي عنها.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
8 / 7