وهذا ما أكده أيضا التقرير العربي الأول للتنمية الثقافية؛ إذ أوضح تقرير عام 2007م أن المناخ السياسي المتسم بالاستبداد والقهر وغياب الحريات أدى إلى انتعاش الظلامية والفكر الأصولي السلفي المتطرف. وأشار إلى أن هذا المناخ هو المسئول عن انصراف الإنسان العربي عن ثقافة تحصيل العلم وعن الاهتمام بالقراءة وبالبحث.
والرأي عندي أن واقع حال الترجمة، بعيدا عن الشكليات والأرقام الصماء، ليس أزمة بل هو موقف ثقافي اجتماعي من المعرفة والإبداع. والتجديد قرين الفعالية المجتمعية لإنتاج الوجود الذاتي. ولا يستقيم الحديث عن الترجمة دون الحديث عن الفعل الإبداعي المجتمعي والفضول المعرفي .. الفعل والفكر الاجتماعيان في اقتران جدلي تطوري .. وهذا غير وارد في ثقافتنا، ثقافة الإقصاء والاكتفاء الذاتي بالموروث .. ولا يستقيم كذلك دون الحديث عن الإنسان، وتغيير الواقع بإرادة ذاتية، وبالانخراط كقوة فاعلة إيجابيا في الفعل والفكر العالميين؛ أي الانخراط في الحداثة إبداعا ذاتيا تكامليا في تطور مرحلي .. أعني الوحدة مع الصراع في العالم الحديث؛ فهذا شرط التغيير الجذري الحضاري نحو واقع مصري يبدعه الإنسان المصري ..
والآن وقد تجاوزت التسعين من العمر أنظر إلى الحياة نظرة مودع، أراني أفتقد مصر التي كانت في خاطري، وأرى أن مصر على مستوى الإنسان العام تغوص على نحو غير مسبوق في وحل اللامعقول الموروث. مصر لم تعد مجتمعا بل تجمعا سكنيا. وقد أضيف ما أضافه لي الصديق الأجل أنور عبد الملك وهو أنها باتت تجمعا سكنيا لغرائز منفلتة .. أفتقد مصر الحلم الحافز/مصر الوعي الموحد تاريخيا/مصر الوطن والمواطنة/مصر الواقع المشحون بإرادة الفعل والفكر والحركة الجماعية .. مصر المستقبل .. أفتقد كل هذا ولا أرى غير فرط العمر والركض وراء السراب ..
ولكن تحت الرماد جذوة نار قد تتأجج ويشتد لهيبها .. ومن بين ركام الفوضى ينبثق الأمل .. هكذا علمنا التاريخ .. ومياه النيل لا ترتد أبدا إلى وراء.
شوقي جلال
إهداء
إلى كل من تؤرقهم هموم واقع مهيض، وغربة الزمان، وخوف من ضياع الوطن ..
وإلى كل من يسوءهم العيش في زمان بلا تاريخ؛ فالتاريخ فعالية التغيير بإرادة الذات الجمعية وليس بالوكالة ..
وإلى من يؤمنون بأن الهوية الثقافية فعالية إبداعية متجددة دوما، ويحفزهم الطموح إلى التساؤل والشك والبحث العقلاني عن طريق النهوض إبداعا وتجديدا ذاتيا للفكر والعمل، وإيمانا بشمولية حضارة الإنسان على صعيد كوكبي ..
إلى من لا يقنعون بالبقاء؛ وإنما ينشدون الوجود؛ فالبقاء اطراد عشوائي، والوجود مشروع إرادي ذاتي، وإنجاز عملا وفكرا ..
Unknown page