Shahirat Nisa Fi Calam Islami
شهيرات النساء في العالم الإسلامي
Genres
وقعت هذه الحادثة يوم الأربعاء في الخامس والعشرين من شهر ربيع الأول عام 655 هجرية، وانتشر في اليوم التالي خبر موت المعز وارتقى أريكة العرش ابنه نور الدين، وعندما استلم نور الدين زمام الحكم وتربع في دست الإمارة بقصر القلعة أرسل بطلب أمه التعسة وبطلب شجرة الدر قاتلة أبيه وسبب شقاء أمه.
وفي كتب التاريخ أن أم نور الدين أمرت جواريها فانهلن بالقباقيب على شجرة الدر، على ذلك الرأس الجميل المملوء بالغرور، إلى أن ماتت شر موت، فألقيت عارية الجسم لا يسترها سوى سراويل رقيقة من برج القلعة إلى خندق مجاور لأسوارها، وقد سرق بعض اللصوص تكة لباسها المطرزة باللآلئ ولم يعرفها أتباعها إلا بسروالها الفاخر فدفنوها في المقصورة الخاصة بها داخل المسجد المعروف باسمها بجوار السيدة نفيسة بالقاهرة، ولقد فر بعض الأغوات الذين اشتركوا في مقتل المعز وألقي القبض على البعض الآخر وصلبوا داخل القلعة.
وبعد هذه الحوادث المتتابعة بدأت حكومة الملك نور الدين بن أيبك. •••
حكمت شجرة الدر ثلاثة أشهر بمفردها وعشرين عاما مع زوجها الصالح والمعز، وأصابت عزا وجاها لم تصبهما امرأة أخرى في العالم الإسلامي.
يعدها المؤرخون خارقة من خوارق الدهاء ولا يذكرونها إلا بالثناء ويعرفونها للقراء بأنها عاقلة، قارئة، كاتبة، ذات دراية وفطنة، ومما يؤسف له أن المرأة الكبيرة صاحبة الخيرات العديدة والحسنات الجمة، تلك التي ابتدعت لنا حسنة المحمل، تموت ميتة شنعاء وتلقى في الخنادق كأصحاب الجرائم العادية، «وعلى الباغي تدور الدوائر.»
إن الملكة عصمة الدين ماتت على يد المرأة التي كانت سببا في تطليقها، لقد طردت أم نور الدين من قصر القلعة فدارت عليها الدوائر حتى ألقتها المطرودة من برج القلعة، لقد حرضت على قتل الوالد فقتلها الولد.
العصمة لله والكمال له وحده، والمرء عاجز مهما ارتقى ومهما علت شخصيته.
لم تكن شجرة الدر مثال الكمال من كل الوجوه، وإنما كانت حاكمة مدبرة، ذات قريحة وقادة وهي تحكم هواها وتتغلب على شهوة النفس فيها، ولكنها ما لبثت أن هوت إلى المستوى العادي فأصبحت امرأة لا أكثر ولا أقل منذ ركبت هواها وسارت مع تيار قلبها، هذه الشخصية الغريبة التي قدمتها إلى قرائي من بين نماذج المخدرات الإسلامية جديرة بالتقدير والإجلال من ناحية الخدمات الجليلة التي بذلتها في أوائل أيامها، وبما كان لها من صدق الطوية في ذلك العهد، والأمر الجدير بالاعتبار والتقدير هو الصالح العام، أما الحياة الخاصة فلا دخل لها في هذا الشعور، ومن أجل ذلك نعدها من آلهات السياسة التي لم يسبق لها نظير.
لقد مضى على موتها شهور وأعوام وأصاب الشرق تقلبات كثيرة وتطورات عديدة وانقرضت أمم ونشأت على أنقاضها أمم، ولكن لم تسطع بعد شرارة واحدة مثل تلك الشرارة التي سطعت من أنقاض الأيوبيين.
شجرة الدر الأيوبية جوهر نادر نفيس، ومن أغرب لآلي الشرق، كان دورها عجيبا وأيامها سلسلة من الحوادث ذات شئون وشجون.
Unknown page