الفصل الرابع عشر
فليغن العالم جميعه!
كانت الشوارع تتبدى تدريجيا للبصر في ضوء الفجر الهارب؛ ومن حولها ترقد الأسطح والحقول العبقة بنضارة الربيع. وكانت البغال التي تحمل اللبن ترى وهي تسير خببا وأغطية جرار اللبن تصلصل من فوقها، يستحثها البغالون على السير قدما بالضربات وباللعنات. وسطع نور الصباح على الأبقار الواقفة للاستحلاب أمام أروقة منازل من هم أيسر حالا، أو في نواحي الطرقات في الأحياء الفقيرة، بينما الزبائن، وبعضهم في طريق النقاهة والآخر في طريق الهلاك، وأعينهم لا يزال السبات يغطيها، ينتظرون بقرتهم المفضلة ويذهبون إليها لاستحلابها، وهم يميلون الجرة في براعة كيما يحصلوا على قدر من الحليب أكثر من الرغاوي. وكانت النسوة اللاتي يوزعن الخبز على البيوت يمشين ورءوسهن منحنية على صدورهن، محنيات الظهور، يجاهدن في حر سيقانهن، حافيات الأقدام، يسلكن طريقهن بخطوات قصيرة متعثرة تحت وطأة سلالهن الضخمة. كانت السلال مكومة الواحدة فوق الأخرى على هيئة الأهرامات، مخلفة في الهواء عبير الفطائر المغطاة بالسمسم المحمص والسكر. وأعلنت الساعات الدقاقة بداية يوم عطلة رسمية، وأثارت بذلك أطيافا من المعدن والهواء، سيمفونية من الروائح وانفجارا من الألوان، في حين صدرت عن الكنائس، فيما بين الظلمة والفجر، دقات الناقوس معلنا القداس الأول، في وجل وجسارة في نفس الوقت، ذلك أنه إذا كانت دقاته توحي في أيام الأعياد بفطائر الشيكولاتة والبسكويت الكنسي، فإنه في أيام العطلة الرسمية يفوح برائحة الفاكهة المحرمة.
عطلة رسمية ...
وفي الشوارع، مع عبير الأرض الطيبة، ارتفع حبور السكان وهم يفرغون أحواضا من المياه من نوافذهم كما يترسب الغبار الذي تخلف عن قوات الجنود التي مرت تحمل الراية نحو قصر السيد الرئيس، الراية التي لها رائحة المنديل الجديد؛ أو عن عربات علية القوم المرتدين أفخر ثيابهم: أطباء في معاطف «الفراك »، جنرالات في حللهم الرسمية المتألقة التي تعبق برائحة «النفتالين»، والمدنيون في قبعات عالية لامعة، والعسكريون في قبعات مثلثة الأطراف يعلوها الريش، أو عن خبب جياد الموظفين الأقل شأنا، الذين تقاس الخدمات التي يؤدونها بالمبلغ الذي ستدفعه الدولة يوما ما لتغطية نفقات جنازتهم.
سيدي الرئيس! سيدي الرئيس! السماء والأرض مليئتان بأمجادك!
وسمح الرئيس بأن يراه الشعب، مسرورا من استجابته التي لقيتها جهوده التي يبذلها في سبيل رفاهيته، فظهر في الشرفة طويلا وسط كوكبة من أصدقائه المحببين.
سيدي الرئيس! سيدي الرئيس! السماء والأرض مليئتان بأمجادك!
وشعرت النسوة بقوة معبودهم الحبيب الإلهية. وقدم له أكابر القسس فروض الطاعة والولاء. وتخيل المحامون أنهم في معية ألفونسو العالم.
1
Unknown page