لن أنسى حين قال لي يوما ونحن في السنة الخامسة من دراسة الطب «ساي! عليك أن تصبحي طبيبة نفسية، أنت قريبة إلى قلوب الجميع، ولا أحد يجد صعوبة في التحدث إليك بشفافية، روحك سمحة ومتصالحة مع كل شيء، لذا تستطيعين استيعاب آلام الناس.» وحقا تم ما قاله، تخرجنا وقمت باختيار هذا الاختصاص. ما زلت أذكر هدية زواجنا حين أدخلني هاك إلى مبنى من أرقى المباني في مدينتنا، في البداية ظننت أنه سيدعوني إلى أحد المطاعم هناك. لكننا حين تجاوزنا قسم المطاعم، قلت في نفسي لا بد أن هاك يحتاج للتكلم مع محام بخصوص بعض الإجراءات، ومرة ثانية تجاوزنا قسم المكاتب إلى أن وصلنا إلى قسم العيادات، هنا سألت هاك إن كان يعاني من أي شيء صحي. لم يجبني، فتح باب إحدى تلك العيادات وصدمتي كانت كبيرة: ساي، أعطيني رأيك! - رأيي بماذا؟ - بعيادتك المستقبلية.
توقفت الكلمات في فمي وقفزت وضممته إلي، كم كنت سعيدة بهذه المفاجأة!
أعوام خمسة مرت بعد زواجنا وحين كنا على مشارف دخولنا العام السادس، أشياء كثيرة اختلفت. أعترف أن هناك تقصيرا من طرفي اتجاه هاك، فأنا أتعامل معه كما لو أنني طفلته المدللة، تلك الطفلة التي تعلمت على الأخذ ولكنها لا تتقن العطاء، ليس بسبب أنانيتي، لكني بالفعل لا أعلم ماذا علي أن أقدم لهاك، هو مكتمل بذاته!
شيئا فشيئا ومع مرور الوقت بدأت تراودني مشاعر جديدة حينما أرى الأطفال، أنا أيضا أريد طفلا لنا يشبه هاك في كل شيء. بدأت بالتحدث مع هاك في خصوص هذا الموضوع ولكنه رفض، سبب هذا الرفض السريع جرحا كبيرا في داخلي، لماذا يرفض هاك الطفل؟ ألم يكن هذا حلمه بالأصل ولكننا آثرنا تأجيله إلى أن أنتهي من اختصاصي! هاك ما الذي تفكر فيه يا ترى؟ إلى الآن لا أستطيع قراءة الحالات المزاجية له مع أنه يعرف ما يدور في بالي من غير أن أتحدث بكلمة! هل لأني أبسط منه بدرجات كثيرة!
تنازلت عن هذا الطلب لفترة ولم أعد أتحدث عنه، وظننت أن كل شيء سيكون على ما يرام بعد مدة. وأتى ذاك اليوم، حين رأيت هاك في العيادة بوجه شاحب، حينها علمت أن هناك خطبا ما، ارتعشت في داخلي، ولكني أظهرت الصلابة. أعلم أننا لم نعد كما كنا حين التقينا عصافير تحلق في الحب، أمور كثيرة تراكمت بيننا ولكن إلى الآن لا أرغب في الابتعاد عن هاك.
دخل هاك إلى العيادة بعد انتهاء دوامي فسألته ما الخطب؟ أجابني إنه قادم بصفته مريضا، ثم جلس على كرسي المرضى، سألته: ما علتك، فأجابني: أنت، أنت وجع قلبي أنت ألمي، أحبك ولا أستطيع الشفاء من حبك لكن لم أعد أستطيع الاحتمال، أريد الشفاء من هذا المرض، ساي! أريد الانفصال!
لا، لست مستعدة بعد، أعلم أن التراكمات الصغيرة أثرت على حبنا وأحدثت مشاكل كبيرة، لكني كنت دائما وأبدا أتمنى أن نجد الحلول. لم أستطع في تلك اللحظة أن أبوح عما في داخلي، فأنا أعرف هاك كباطن كفي، حين يعزم على أمر ما فإنه سينفذه؛ لذا لا توسلاتي ولا دموعي كانت لتجدي أمامه إلا أنها ستزيد على جرحي ذلا. أجبته بالموافقة من غير أن أزيد في الكلام. هنا بدأ هاك بسرد مبرراته للانفصال، في البداية لم أكن أصغي لما يقول، كنت شاردة في عالمي وسواد المشهد أمامي، لكنني تذكرت أن هاك الآن يتكلم بصفته مريضا ومن واجبي أن أصغي إليه بانتباه. عاد وأكد أنه أحبني وما زال ولكن حياتنا معا أصبحت مستحيلة، كرر لي أني لست السبب الوحيد بل كلانا، لم يضع هاك كل اللوم علي، وبدأ بالسرد: ساي، حين أحببتك علمت أن هناك طفلة في داخلك لا تستطيع أن تنضج وأن هناك فوضى في تفاصيلك لا تستطيع أن تنتظم. أما أنا فكنت على عكسك تماما، فأنا في داخلي إنسان ناضج لا يستطيع أن يجاري تلك الطفلة، وإنسان منظم لم يحتمل تلك الفوضى. كنت آمل أن أتغير قليلا أو أن تتغيري أنت قليلا فنتفاهم بشكل أفضل لكن للأسف لم نساعد بعضنا البعض أبدا. كل منا بقي في عالمه وقوقعته رافضا الانفتاح على عالم الآخر، رافضا أن يأخذ بيده. نعم، نحن متحابين لكن بقاءنا معا لا يزيدنا سوى الألم، أنا لن أزيدك سوى الجروح. حقيقة، أنا أخشى من ذاك اليوم، أخشى من اليوم الذي سيأتي ونكره بعضنا البعض؛ لذا أريد الانفصال قبل مجيئه، لا أحتمل فكرة أن تكرهيني ساي!
وافقت هاك في هذه النقطة لأني أنا أيضا لا أريد أن يأتي اليوم الذي يكرهني هو فيه. مضى، وحين وصل إلى الباب قال لي: عليك أن تنضجي أكثر ساي، أتمنى لك حياة سعيدة.
عن أي حياة تتحدث أنت يا هاك!
هاك 2006
Unknown page