مضت مدة لم تسمع فيها شيئا عن عماد الدين، ولا هي تعرف مقره ولا مصيره. ولا ترى بابا للسؤال أو البحث، فضاق صدرها واستولى عليها القنوط وتغلبت عليها السويداء وأصبحت لا تفرح بنزهة ولا ترتاح إلى حديث. وقل طعامها وتكاثر أرقها، فأخذت في الهزال وياقوتة تبذل جهدها في تسليتها، وكلما رأت ضعفها وانقباضها تحيرت في أمرها. وكانت تظن طول غياب عماد الدين ينسيها إياه، ولما لم تعد تسمعها تذكره ظنتها نسيته، لكنها ما لبثت أن أدركت خطأها ذات ليلة وهي نائمة في غرفة مستطرقة إلى غرفتها؛ إذ أفاقت على صوت سيدة الملك وهي تناديها: «ياقوتة ياقوتة!»
فوثبت من فراشها إلى فراش سيدتها فرأتها قد قعدت على السرير وشعرها منفوش وتغيرت سحنتها فترامت عليها وصاحت: «مولاتي حبيبتي ماذا تريدين؟»
فقالت: «عماد الدين، عماد الدين! أين هو؟ سمعتهم ينادونه.»
فقالت: «أين هو يا سيدتي؟ إنه ليس هنا، إنك ترين حلما. ألا تعلمين أنه مسافر؟»
فأزاحت شعرها عن جبينها وتفرست فيما حولها وعيناها تدلان على اضطرابها وارتيابها وقالت: «إنه مسافر؟ آه ما أطول السفر! إني سمعت اسمه في الحلم، يا ليتني ظللت نائمة لعلي أسمع ذكره مرة ثانية أو ربما تراءى لي طيفه.» قالت ذلك وأغرقت في البكاء.
فأكبت ياقوتة عليها وأخذت تخفف عنها وتقول: «لماذا تفعلين ذلك يا سيدتي؟ ماذا أصابك؟ أين تعقلك وحكمتك؟»
فاجتذبت نفسها من بين ذراعيها وهي تقول: «لا تذكري التعقل والحكمة. لا محل لهما مع الحب يا ياقوتة ... يا لله ماذا جرى لي؟ ويلاه لم أعد أخشى التصريح بما في قلبي، لكنني حبسته زمانا حتى كاد يقتلني، تدبري الأمر وأسعفيني، آه يا عماد الدين.» وعادت إلى البكاء.
فجثت ياقوتة بين يديها وقالت: «هوني عليك يا مولاتي واتكلي علي. لماذا لم تفاتحيني بهذا الأمر من قبل؟»
قالت: «وما الفائدة من الكلام؟ ها إني قد كلمتك، أخبريني أين عماد الدين؟ ما العمل للوصول إليه؟ ألم تعلمي مقره؟ ألم تسألي أحدا عنه؟ قولي .»
قالت وهي تمسح دموع سيدتها بمنديلها: «نعم سألت عنه وقد علمت من الأستاذ بهاء الدين قراقوش أنه سار بمهمة سرية إذا نجح فيها صار رجلا عظيما يليق بسيدة الملك، وهذا أمر ذو بال يا سيدتي؛ لأن بنت الخليفة وأخت الخليفة لا يليق بها أن تتزوج بواحد من عامة الناس و... و...»
Unknown page