قالت: «فليكن ما شئت.» وتشاغلت بطرف ضفيرتها الذهبية تفتله بين أناملها وبان الغضب في وجهها.
فقال: «وما الذي يغضبك من ذكره؟ إنك تكرهينه بلا سبب وهو بعكس ذلك. لم أسمع منه إلا التعلق بك. إنه يتفانى في سبيل إرضائك.»
فنظرت إليه شزرا نظر العاتب وقالت: «أكثر الله خيره. إني لا ألتمس هذا الرضا.»
قال: «لا حاجة بنا إلى التمسك بالرفض وهو ابن عمنا.»
فقالت بصوت المرتاب: «ومن يؤكد لنا صدق انتسابه إلى الآمر؟ ليس عنده دليل غير شهادته لنفسه ... دعنا منه إنه لا يستحق الاهتمام.»
قال: «إنك تظلمينه بهذا الحكم.» وأراد أن يتم كلامه فإذا بأحد الغلمان دخل ووقف فعلمت سيدة الملك أنه آت بخبر فقالت: «ما وراءك؟» قال: «إن الشريف الجليس بباب القصر يطلب المثول بين يدي مولانا أمير المؤمنين، والطواشي بهاء الدين قراقوش يمنعه.»
فالتفتت إلى الخليفة وسألته إذا كان يشعر براحة تؤهله لمجالسة الشريف الجليس فقال: «إني أشعر براحة فليأت.»
فالتفتت إلى الغلام وقالت: «امض إلى الطواشي أنبئه أن أمير المؤمنين هنا يريد أن يرى الشريف الجليس فلا يمنعه من الدخول.»
فمضى الغلام. وأحست سيدة الملك باستياء أخيها من معاملة بهاء الدين ولكنها تجاهلت. وبعد قليل جاء الجليس، وهو شيخ طاعن في السن، يجالس الخليفة ويؤانسه ويحدثه وهو مستودع أسراره.
فلما رآه الخليفة هش له وأمره بالجلوس بين يديه . ولم تحتجب سيدة الملك عنه؛ لأنه من المقربين، وقد عرفته من صغرها، فاكتفت بتغطية شعرها والالتفاف بمطرف من الخز فوق أثوابها وجلست على كرسي بجانب سرير أخيها.
Unknown page