صلى الله عليه وسلم ؟!»
قال: «نعم هكذا يقولون. وقد آن لي أن أختصر لك الوصف؛ لأن الموكب لا يزال طويلا. فانظر إلى ما وراء موكب الوزير إنك تجد فرقا من الأجناد المختلفة زمرة زمرة في عدة وافرة على أربعة آلاف. ثم أصحاب الرايات ووراءهم طوائف من العسكر على اختلاف أجناسهم الأتراك والأكراد والديلم وغيرهم.»
فقال عمر: «قف بالله قليلا وأخبرني عن فارس أراه راكبا بجانب صلاح الدين وعليه ثياب فاخرة.»
قال: «إنه من بعض خاصته، ولكنه يحبه كثيرا ولا صبر له على فراقه واسمه عماد الدين.»
فبغت الحمار عند ذلك وقال: «ما بال هؤلاء لا يسمون اسما إلا منسوبا إلى الدين. هؤلاء ثلاثة ذكرت لي أسماءهم: نور الدين وصلاح الدين ونجم الدين، وهذا عماد الدين.»
فقال العم حسن: «تلك عادتهم في التسمية. ها قد انتهى الموكب وقصصت عليك خبره، فأذن بانصرافي.»
فقال: «مع السلامة أكثر الله خيرك.»
وانصرفا، وسار الموكب على هذه الصورة بعد خروجه من باب الفتوح والناس في أثره راكبين أو مشاة، وآخرون وقفوا على أسطح المنازل يشرفون على الموكب وقد تصاعد الغبار حتى حجب وجه السماء وغشي الرءوس والمناكب، ولم تبق فتاة ولا غلام إلا خرجا إلى الشارع أو صعدا إلى السطح ، والبسطاء يستغربون خروج الخليفة لاستقبال ذلك الكردي، والعارفون لا يرون فيه غرابة لضعف أمر الخلافة. •••
ما زال الموكب سائرا على هذه الصورة حتى وصل إلى مسجد التبر (في آخر الحسينية)، وأتت البشائر باقتراب نجم الدين فالتقوا به هناك. وحالما تقابلا ترجل نجم الدين احتراما للخليفة وكذلك فعل رجاله الذين معه وفيهم أخوه شمس الدين. وترجل صلاح الدين وقبل يدي والده. فقبله والده، ولما رأى الموكب وما على ابنه من الخلع لم يتمالك عن البكاء من الفرح وشكر الله على نعمه. وكان نجم الدين عاقلا مدبرا فترامى على يد الخليفة يقبلها ويظهر امتنانه من ذلك الإكرام والخليفة يجيبه بلطف، لكنه لم يتحول عن فرسه. ثم عاد الموكب بجلاله نحو القصرين، وقد ركب نجم الدين إلى جانب ابنه وبجانبهما عماد الدين الشاب الشجاع وتحادثا مليا. وكان حديثهما بلغة لا يفهمها رجال العاضد وهي اللغة الكردية. وكان أكثر الحديث عن نور الدين صاحب الشام وعن العاضد صاحب مصر.
أما الخليفة العاضد فلو دنوت منه تحت المظلة وتفرست في عينيه لرأيت الدمع يترقرق فيهما. ولو جسست قلبه لسمعت خفقانه الشديد من الأسف والغم ولاضطراره إلى الخروج في هذا الموكب لتكريم رجل يخافه على حياته كما يخافه على منصبه. ولكنه لم ير بدا من مسايرته، فكظم غيظه لاستقبال والده. وذلك أثقل على قلبه من الجوع والعري. ولعله يتمنى أن يكون من بعض العامة ولا يتحمل ذلك الضيم.
Unknown page