Sajinat Tihran
سجينة طهران: قصة نجاة امرأة داخل أحد السجون الإيرانية
Genres
لوح صاحب المذياع بقبضته في الهواء وقال: «سوف نلقنهم درسا، سوف نستولي على بغداد ونرجم صدام بالحجارة. هؤلاء الأوغاد!»
أومأ الجميع.
عندما عدت إلى المنزل وجدت أمي تلصق أشرطة لاصقة على شكل علامة
X
كبيرة على النوافذ كي تحمي الزجاج من الانكسار في حالة حدوث قصف، وأوضحت لي أن الإذاعة تحث الناس على اتخاذ احتياطاتهم، وأنهم وعدوا ألا تستغرق تلك الحرب أكثر من بضعة أيام أو أسابيع بحد أقصى، وأن جيشنا سوف يهزم العراقيين في لمح البصر. اشترت أمي أيضا قطعا من الورق المقوى الأسود كي تغطي النوافذ ليلا بحيث لا ترى طائرات الميج أضواء منزلنا وتتخذنا هدفا. لكنني لم أشعر بالقلق الشديد، فلم يبد الأمر خطيرا إلى تلك الدرجة.
مرت الأيام، وإنذارات الغارات الجوية تنطلق مرتين يوميا، غير أنه نادرا ما كنا نسمع صوت انفجارات. كانت محطات الإذاعة والتلفاز تبث الموسيقى العسكرية طوال اليوم وتعلن أن قواتنا الجوية قد هاجمت بغداد وبعض المدن العراقية الأخرى، وأننا تمكنا من صد هجمات العراقيين، وبدأت حملة تشجيع لكل الرجال - صغارا وكبارا بل ومراهقين أيضا - على الانضمام للجيش والاستشهاد، فقد أعلنت الحكومة أن نيل الشهادة هو السبيل الأكيد للفوز بالجنة. كانت حربا للخير ضد الشر. أبيدت مدينة «خرمشهر» التي تقع بالقرب من الحدود الإيرانية العراقية عن آخرها ثم اجتاحها العراقيون.
سرعان ما أغلقت كل الحدود، ولم يعد مسموحا لأي شخص بمغادرة البلاد دون تصريح خاص، ولكن هناك من كانوا يدفعون أموالا طائلة للمهربين كل يوم كي يغادروا إيران من أجل تجنب الخدمة العسكرية أو الهرب من الاعتقال على يد الحرس الثوري، وكانوا يخاطرون بحياتهم كي يعبروا الحدود إلى باكستان أو تركيا.
وفي أواخر الخريف سمعت من أصدقائي في المدرسة عن مظاهرة احتجاجية فقررت الانضمام إليها. ومع أنني أعلم خطورة ذلك الأمر فقد بدا لي أنه عين الصواب. كانت المظاهرة ستبدأ في الرابعة عصرا في ميدان «فردوسي» الذي يبعد مسيرة عشر دقائق عن المدرسة.
يوم المظاهرة وبعد انتهاء اليوم الدراسي خرجت أنا وجيتا وسارة من المدرسة فرأينا المئات من الأشخاص معظمهم من الفتية والفتيات صغار السن يملئون الشوارع. انضممنا إلى الحشد الذي ينطلق نحو ميدان «فردوسي». كان الجميع متنبهين ينظرون حولهم ويعرفون أن الحرس الثوري أو حزب الله أو كليهما معا سيهاجموننا في نهاية الأمر، وتسارعت نبضات قلبي. تحول الشارع إلى نهر ثائر يتدفق بالحياة، ولاحظت أن أصحاب المتاجر يغلقون متاجرهم ويرحلون. وفي ميدان «فردوسي» حملت فتاة مكبر صوت في يدها، وتحدثت إلى الحشد عن الهجمات العنيفة التي يشنها حزب الله على النساء متسائلة: «إلى متى سنسمح للمجرمين والقتلة بالاختباء تحت ستار الدين من أجل الهجوم على أمهاتنا وأخواتنا وصديقاتنا والإفلات بجرائمهم؟» وقفت بجوارنا عجوز تحمل في يدها لافتة من الورق المقوى أبيض اللون وقد ربطت الشادور الأبيض الذي ترتديه حول خصرها تاركة شعرها الأشيب الخفيف مكشوفا، واللافتة تحمل في منتصفها صورة فتاة على وجهها ابتسامة عريضة كتب تحتها: «أعدمت في إيفين».
وفجأة امتلأ الشارع بضجة صاخبة كدوي الرعد، وأخذ الناس يفرون.
Unknown page