كان «أنيبوكا» العراف يسير بهدوء أمام المجموعة، وعندما كان يبدأ في الكلام كان يرفع صوته وكأنه يتحدث إلى أحد الجيران من خلال الحائط.
لم يكن «أنيبوكا» واحدا من رجال الطب المعروفين في العشيرة، لكن اختياره كان من أجل صداقته مع أهل «إيزولو»، كما أن التضحيات والقرابين التي سيقوم بها لا تستدعي مهارة خاصة. كان الأطفال يعرفونه ويسارعون بالهرب فور اقترابه؛ لأنه قال ذات يوم بأنه استطاع تحويل شخص ما إلى كلب بصفعة فوق أردافه. كانوا يضحكون منه في غيابه؛ لأن إحدى عينيه تشبه صدفة البحر المتشققة بعد أن أصابها الضرر حين كان صغيرا، أثناء تلويحه في الهواء بإحدى النهايات الحادة من أفرع الموز ليعود من جديد لالتقاطها.
كانوا في طريقهم عبر الظلام يلتقون ببعض الناس الذين يتعرفون عليهم من أصواتهم عند القيام برد التحية. وكان ضوء المصباح الخافت يجعل من السهل على الآخرين رؤيتهم بأفضل مما هم يستطيعون.
كانت الحقيبة الجلدية الكبيرة التي يحملها «أنيبوكا» فوق كتفه تطقطق بأصوات ناعمة وثابتة. وكانت العروس تحمل في إحدى يديها طاسة من الطين المحروق ودجاجة في اليد الأخرى، ومرة إثر أخرى كانت الدجاجة تصرخ بصوت حاد كما تفعل الدجاجات عندما يهاجم الحظيرة مجهول في الليل. في الوسط تماما كانت «أوكواتا» تسير بمزيد من السعادة والخوف. وكان كل من «أوبيكا» و«إيدوجو» يقودان الطريق حاملين المنجل دون التوقف عن الحديث، غير أن «أوبيكا» كان في غفلة عن الحديث، كان مشغولا بمحاولة الإصغاء لصوت حبال ال «جيجيدا» التي تطوق عروسه، حتى استطاع أن يفرق بين خطواتها وخطوات الآخرين من خلفها، كان يعرفها من خطواتها. وكم كان قلقا من اللحظة التي سيأخذ فيها زوجته إلى كوخه بعد الانتهاء من تقديم القرابين! ترى هل سيجدها في البيت كما قالوا أم أنه سيعرف بأن أحدا قد اقتحم البيت وانطلق بجائزته؟ لا، إن الجميع يعرف رجاحة عقلها وتصرفاتها الطيبة.
كانت هدية «أوبيكا» لحماته ماعزا كبيرا إذا تبين أن زوجته عذراء. وقد ساوره القلق من عدم استطاعته تقديم هذه الهدية. وكان يحمل في يده اليسرى إناء صغيرا من الماء يتدلى من رقبته، بينما كان شقيقه من أم أخرى يمسك بعنقود من سعف النخيل المقطوع من قمة إحدى الأشجار.
وصلوا بعد عناء إلى مفترق الطريق العام المؤدي إلى قرية العروس؛ حيث ساروا مسافة قصيرة ثم توقفوا. اختار العراف مكانا في الوسط، وسأل «أوبيكا» أن يحفر حفرة في ذلك المكان، ثم قال لأم «أوبيكا»: ضعي المصباح هنا.
فعلت كما قال لها، وجلس «أوبيكا» القرفصاء بادئا في الحفر.
قال العراف: اجعلها أكثر اتساعا، نعم هكذا.
كان الرجال الثلاثة في وضع القرفصاء، وكل واحدة من النساء راكعة على ركبتيها وجسدها منتصب، وفي تلك اللحظة اشتد ضوء المصباح.
استطرد العراف قائلا: لا تحفر المزيد، هي عميقة الآن بما يكفي، تناول الرمال وألق بها خارج الحفرة.
Unknown page