قال ابن «وديكا»: كانت الحرب من أجل الناس، لكنني لا أحملها معي حين أسافر، وقد قال حكماؤنا إن المسافر إلى أماكن بعيدة لا ينبغي أن يكون له أعداء.
قال «أكيوبو» متعجبا: صواب ما تقول.
وبعد وقفة قصيرة قرر أن يشج جوزة الهند بضربة واحدة من المنجل، كما يفعل الناس في «سوجب»، واستطرد: إن رحلتنا لها هدفان؛ أولهما هو مجيء «أوجوي» لتخفيف العبء على زوجة «وديكا». والهدف الثاني، هو تقديم الشكر إلى «وديكا» نفسه، وإخباره بأن يغض النظر عما يفعله أقرباؤه في «أوموارو»، وهو اليوم أخ ل «إيزولو» وعائلته.
كان «أكيوبو» أثناء حديثه يبحث في حقيبته عن شيء حاد لتكسير جوزة الكولا، وراح هو و«إيزولو » يرقبان «إيدوجو» و«جون وديكا» وهما يتناولان فصوص جوزة الكولا الممتزجة بدم كليهما، كان رباط الدم بينهما واضحا أثناء فترة الصمت.
قال «أكيوبو»: كيف جئت للعمل في خدمة الرجل الأبيض؟
تنحنح ابن «وديكا»: كيف! إنه قدري، لم أكن في ذلك الوقت أعرف أي شيء عن الرجل الأبيض وعن لغته أو عاداته، ثم جئت أنا ورفاقي من «أومونيورا» إلى «أوكبيري» بعد ثلاث سنوات من موسم الجفاف لنتعلم الرقصة الجديدة. وكان أحد رفاقي هو صديقي «إيكيميزي»، كنا دائما نتبادل الزيارات وكانت دهشتي عظيمة حين اكتشفت أن صديقي لم يعد موجودا بين الراقصين في «أوكبيري» وحين رحت أبحث عنه وسط جموع الناس التي خرجت ترحب بنا لم أجده، فاصطحبني صديق آخر يدعى «أوفودايل» إلى منزله، وسمعت منه أن «إيكيميزي» ذهب للعمل في خدمة الرجل الأبيض، وعندئذ لم أستطع التعرف على حقيقة مشاعري، وكأنهم قالوا لي إن صديقي قد مات، حاولت أن أعرف المزيد من «أوفودايل» عن العمل عند الرجل الأبيض، لكن «أوفودايل» لم يكن من النوع الذي يروي الحكاية إلى نهايتها.
صمت لحظة قصيرة، ثم استطرد قائلا: وفي اليوم التالي جاء «إيكيميزي» لرؤيتي، وقادني إلى مركز القيادة، وأخبرني بأنه لا ينبغي على المرء أن يواصل صيد القوارض بينما يمارس زملاؤه لعبة كبيرة، كما قال لي أن أترك الرقص وأشارك في سباق نقود الرجل الأبيض، دعاني «إيكيميزي» باسم «وابوز» فتملكتني الدهشة، وقلت نعم إنه اسمي، ثم قال بأن سباق النقود هذا لا ينتظر حتى الغد أو إلى حين نكون مستعدين للحاق به؛ لأن الفأر إذا لم يعد بسرعة كافية فإنه يمهد طريقا للسلحفاة، وقال بأن أولئك القادمين من القبائل الصغيرة، والذين اعتدنا على احتقارهم، هم جميعا الآن في حالة جيدة ونحن لا نعرف.
كان الرجال الثلاثة يستمعون بهدوء و«أكيوبو» يلعب بأصابعه قائلا لنفسه: فهمت الآن السر المفاجئ في ولع «إيزولو» به، إنهما يفكران بنفس الطريقة، كانت هي المرة الأولى التي يستمع فيها «إيزولو» لرأي «وديكا» في الرجل الأبيض، ووافق على كلامه ، لكنه لم يعلن موافقته ورضاه.
استطرد ابن «وديكا»: هكذا جئت يا أخوتي للعمل في خدمة الرجل الأبيض، الذي كلفني في البداية بتنقية الحشيش في أرضه، ثم استدعاني بعد عام ونقلني إلى العمل داخل بيته، وحين سألني عن اسمي أجبت: «وابوز».
استطرد وقال: لم يستطع أن يلفظ الاسم، وقال بأنه سيدعوني «جون»، وضحك لهذا الاسم ضحكة خفيفة، أعرف أن بعض الناس يشيعون بأنني أقوم بالطهي للرجل الأبيض، لكنني لم أر حتى دخان ناره، إنني أقوم بترتيب الأشياء في المنزل فقط لتكون جاهزة؛ فالرجل الأبيض - كما تعرفون - ليس مثلنا؛ فلو وضعت هذا الطبق هنا فسوف يغضب إذا وجده هناك؛ ولذلك فإنني أتجول كل يوم للتأكد من أن كل شيء في مكانه الصحيح. وأستطيع القول بأنني لا أهدف إلى أن أموت خادما؛ لأنني أطمح في البدء بتجارة صغيرة للدخان بمجرد أن أجمع قليلا من المال، إن الناس من أماكن أخرى يجمعون كثيرا من الثروة في هذه التجارة وتجارة الملابس، والناس من «ألوميلو» و«أنينتا» و«أومونيا» و«باينو» يتحكمون في السوق الكبير الجديد، فهل يوجد رجل واحد من «أوموارو» بين أولئك الأثرياء؟ لا أحد. وإنني لأشعر أحيانا بالخجل حين يسألني الآخرون عن المكان الذي جئت منه، نحن لا نشارك في السوق ولا في مكتب الرجل الأبيض ولا في أي مكان آخر؛ ولذا كانت فرحتي عظيمة عندما استدعاني الرجل الأبيض، وأخبرني عن رجل حكيم في قريتي اسمه «إيزولو»، وقلت له نعم، فسألني عما إذا كان على قيد الحياة فأجبت بنعم، ثم قال: اذهب مع المبعوث، وقل له بأنني أرغب في توجيه بعض الأسئلة إليه تتعلق بعادات شعبه لأنني أعرف أنه رجل حكيم، حينئذ قلت في نفسي: هذه فرصتنا في مواجهة الرجل الأبيض، ولم أكن أعرف أن الأمر سيغدو هكذا.
Unknown page