رسالة المسترشدين
Page 1
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى
أما بعد
فإن الله الرحيم المنان لما من في أثناء القرن الثامن على أهله ب المنقذ من الزلل في العلم والعمل على يد عبده الفقير إلى رحمة الله أبي الأزهر هارون وهو عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن عبد الولي الإخميمي بعد أن صار الناس حثالة كحثالة التمر والشعير وكان من شرط الكتاب المذكور التنبيه على مواضع الزلل وكيفية دخوله على أهله
وكان من جملة الزلل اعتقاد ذات قديمة غير الله عز وجل سواء كانت معينة كما يزعمه القائلون بقدم العقول الفعالة ومادة هذه الأفلاك أو غير معينة كمن يجوز أن يكون قبل هذه المفاعيل المعينة مفاعيل غيرها وقبل مادة هذه الأفلاك مادة أخرى وأفلاك غيرها
Page 29
ولما كان الشيخ الإمام العلامة تقي الدين المعروف بابن تيمية قد دخل عليه اعتقاد قدم نوع الحوادث من الأفعال والمفاعيل الذي لا ينفك عن قدم فرد من المفاعيل كما لا تنفك الأربعة عن الزوجية والثلاثة عن الفردية والشمس عن شعاعها اقتضى الحال التنبيه على ذلك وعلى كيفية دخوله على معتقده فنبهت عليه وعلى سببه وعلى ما يلزمه من المحذور وكان ذلك رحمة من الله عز وجل وتصديقا لقوله صلى الله عليه وسلم ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق )
ووجه الرحمة في ذلك أن لا يقع فيه الغر الكريم فيدخل في مذهب الدهرية اللئيم ويعسر خلاصه منه
فلما بلغت هذه الرحمة أصحاب هذا الرجل صاروا طوائف فطائفة فقهت قلوبهم ففهموا وقبلوا الرحمة لبقائهم على فطرهم وفهموا غيرهم وحمدوا الله الرحمن الرحيم وقالوا لم يقم دليل على عصمة ابن تيمية ونحن أيضا نقول كما قال هذا الرجل إن أراد ابن تيمية قدم ذات غير الله تعالى لزمه المحذور المذكور ونحن وجميع المسلمين بريئون ممن يعتقد ذاتا قديمة غير الله وإن أراد غير ذلك فله حكم آخر
وهذه الطائفة مثلهم كمثل أرض طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير
Page 30
وزعمت طائفة أن الشيخ قبل أن يموت رجع عن هذا الاعتقاد وطائفة لم ترفع بذلك رأسا وهذه ثلاثة أقسام
قسم لم يفهموا ولم يستعدوا للفهم وأظهروا العداوة بعد أن كانوا أصدقاء فشبهوا أنفسهم بقوم بهت
وقسم أسوء حالا من هؤلاء قالوا لهؤلاء عادوه وانصروا ما أنتم عليه إن كنتم فاعلين وزينوا لهم هذا الشأن فشبهوا أنفسهم بالمردة من أصحاب نمرود بن كنعان
والقسم الثالث صعد منبر الجهل وخطب خطبة تدل على عدم العقل وقلة الفضل ظن صاحبها أنها تطفئ نارا في قلبه فإذا هي مشعلة لإشعارها بحمقه وكذبه وكذلك لما فرغ من خطبته أنشأ بعضهم يقول
( قولوا له قولوا له قولوا له
قولوا له يا ذا الخطيب العيلم )
( إن كنت لا تدري فتلك مصيبة
وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم )
Page 31
ثم إن بعض من يعز علي التمس مني الجواب فامتنعت من ذلك لأمور منها أني لا أعرف قائلها لأعامله بما يليق به من الآداب فلح علي وأقسم فأجبت بما يليق بمقام هذا الخطيب تحلة القسم وقلت متجنبا للفحش
أما هذا الرجل التميمي فجوابه من وجهين
أما إجمالا فأن أقول سلاما
وأما تفصيلا
فقوله ولا يلزم من كونه فاعلا بالاختيار قدم العالم جوابا عن المدعى دليل على أنه لا يعي ما يسمع ولا يفهم ما يقول فإن المدعى ليس أن الفعل بالاختيار يستلزم القدم فإن هذا لا يخطر ببال أحد لا مسلم ولا كافر
وإنما المدعى أنه يلزم من قدم المفعول نفي الاختيار والكفر لأن القصد إلى إيجاد الموجود الدائم الوجود محال فمن قال بقدم شيء من العالم لزمه نفي الاختيار لا سيما إذا كان مقصود هذا القائل بلزوم الفعل للرب وبقدم فرد من العالم الرد على الأشعري وعلى من يقول كان الله ولا شيء ثم خلق الشيء كالإمام أحمد وسائر المسلمين أئمتهم وعامتهم فإن هؤلاء إنما قالوا ذلك ليخالفوا به من قال بلزوم الفعل والمفعول له بالأزل فقالوا إذا كان فعله ومفعوله لازمين له في الأزل كانا دائمي الوجود أزلا لوجوب دوام اللازم بدوام وجود الملزوم ويلزم أن لا يكون الفاعل فاعلا في ذلك المفعول فإن القصد إلى إيجاد الموجود محال ويلزم تعطيل الرب عن الفعل وهو محال وكفر فيجب أن الرب كان ولا شيء ثم بدأ فخلق الشيء بمشيئته في الوقت الذي أراد خلقه فيه والذي اقتضت الحكمة خلقه فيه
Page 32
وبهذا يظهر أنه فاعل بالاختيار لا موجب بالذات وذلك الشيء الذي ابتدأ الله الخلق به هو أول الحوادث فالقول بأنه ليس لها أول محال وتلبيس على الجهال
وإذا كان هذا هو قصد هؤلاء الأئمة أعني مخالفة من عطل الرب عن الفعل لا مخالفة من أثبت لله الفعل الاختياري واعتقد لازمه وهو وجوب تأخره عن وجود فاعله وعن مشيئته فمن قصد مخالفة هؤلاء الأئمة وقال بلزوم الفعل والمفعول أو بقدم شيء من العالم لزمه موافقة أولئك في التعطيل ونفي الاختيار والكفر وإلا لكان موافقا لهؤلاء الأئمة لا مخالفا
وإذا صرح بالاختيار قيل إنما قال ذلك خوفا وتقية فينبغي للعاقل إذا لم يوافق المعطلة في عقيدتهم أن لا يصرح بلفظ يدل على عقيدتهم ولذلك لم يصرح أحد من المسلمين من الصحابة فمن بعدهم إلى أواخر المئة السابعة بقدم شيء من العالم ومن نقل عن أحد منهم أنه صرح بقدم شيء من العالم فقد أعظم الفرية وإنما نقل التصريح بقدم شيء من العالم عن المعطلة إما للموجودات عن الرب أو للرب عن الفعل
Page 33
فلهذا نرجو أن لا يكون ابن تيمية عفا الله عنه أراد هذا المعنى ( 2 ب ) الخبيث وقولي في المنقذ من الزلل إن أراد كذا كان كذا كذا لا يدل على أني حكمت عليه بأنه أراده حتى يغتاظ الحمق من أصحابه
وأما الفروق التي فرق بها بين مذهب ابن تيمية وبين مذهب ابن سينا فلا يفيده في دفع المحذور عنه شيئا لأن غايته أنه أثبت لابن سينا أمورا لم يكفره أحد بمجموعها فقط بل كل من كفره كفره بمجموعها ولكل واحد منها فمن وافقه في شيء منها لزمه من ذلك الواحد ولهذا نرجو أن لا يكون ابن تيمية قد وافقه في شيء منها أصلا وأن الخطأ وقع في اللفظ فقط خلاف ما يوهمه كلام هذا التيمي المسكين الذي يضر بجهله شيخه ولا ينفعه فإن الفرق إنما يكون بعد الجمع فكأنه سلم أنه وافقه في هذا وخالفه في غيره
وأما قوله إنه يلزم من كونه فاعلا بالاختيار قدم النوع وأن ابن تيمية قائل به كما ذهب إليه جمهور الأمة من الأولين والآخرين فكذب صريح على ابن تيمية وعلى الأولين من الأمة والآخرين
أما الأولون والآخرون فإنه لم يصرح أحد منهم بقدم نوع أو شخص ومن نقل عن أحد منهم شيئا من ذلك فقد كذب عليهم
وأما ابن تيمية فإنه لم يقل بقدم النوع لكون الرب فاعلا بالاختيار بل لأن دوام الفعل عنده أكمل من لا دوامه
Page 34
فانظروا إلى هذا الرجل التيمي الجاهل بمذهب شيخه كيف حمله الهوى على أن يتكلم فيما لا يعنيه فيا أصحاب الشيخ أسألكم بالأخوة أن تزجروه رحمة منكم له لئلا يجري له ما جرى للقرد مع النشار
وأما نقل الشيخ تقي الدين فهو من المؤكدات لبعض ما نسب إلى الشيخ وهو مما يدل على أن هذا التيمي لا يفهم ولا يعي
وأما قوله أتريد بالنوع كذا أو كذا . . . فسؤال من لم يجتمع بأهل العلم أو اجتمع بهم ولم تكن له قابلية للعلم يظهر ذلك بالتأمل في كلامه
وأيضا فالمسؤول عن ذلك إنما هو ابن تيمية لا أنا لأنه القائل بقدم نوع الحوادث فيقال له ما تريد بالنوع
السؤال على كل حال لا يستحق جوابا ولكن للضرورات أحكام فأقول
النوع في اللغة الضرب من الشيء والصنف منه فنوع الحوادث ضرب منها فإن كان هذا معناه عند الشيخ لزمه المحذور قطعا
Page 35
وأما في الاصطلاح فهو ما صدق على كثيرين متفقين بالحقيقة في جواب ما هو فإن أراد الشيخ بنوع الحوادث مجردا عن المشخصات فهو قول بوجود الكلي في الخارج لأن القدم فرع الوجود وذلك باطل عند كل عاقل وإن أراد أنه قديم لقدم فرد منه لزمه المحذور وإن أراد بالنوع ما لا يحتمله اللفظ لا لغة ولا اصطلاحا فالحمد لله على سلامته من هذا المحذور وإن كان هذا الجواب عند أهل النظر غير مسموع لكونه عندهم من جنس اللعب
وأما قوله إنا نقلنا عن علماء المسلمين أنهم عابوا على المتكلمين القول بامتناع حوادث لا أول لها فكذب وكيف وجميع المسلمين أئمتهم وعامتهم يمنعون حوادث لا أول لها بل لا يعرف ذلك إلا عن بعض الدهرية كما سنشير إلى ذلك في هذا الفصل إن شاء الله تعالى
والذي نقلناه عن علماء المسلمين هو أنهم عابوا على المتكلمين الاستدلال بامتناع حوادث لا أول لها على إثبات حدوث العالم لكونها قضية غير جلية لا لكونها باطلة فكم من حق هو خفي ولو كان كل حق جليا لما جهلنا شيئا
وكان قصدنا بذلك أن لا يستدل على حدوث العالم بالطرق التي استدلوا بها وكذلك فعلنا ومن قال إنا تمسكنا في إثبات حدوث العالم بشيء من تلك الطرق فقد كذب ويحقق ذلك النظر في المنقذ من الزلل
Page 36
وإنما تعرضنا بعد ذلك لامتناع حوادث لا أول لها للرد على القائل بأن الرب موجب بالذات لا فاعل بالاختيار الجامع بين كونه موجبا بالذات وحدوث العالم والمشككين على قدم للصانع القديم القائلون بأن كل حادث فهو مسبوق بحادث آخر
وهؤلاء لما كان مذهبهما مبنيا على جواز حوادث لا أول لها احتجنا إلى أن نقيم الدليل على امتناع حوادث لا أول لها فنحن في هذا المقام مستدلون عليه لا به وإن كان يلزم منه إبطال قولهم
وأما خبر الآحاد الذي لم يوافق كتاب الله ولا المعلوم من سنة رسول الله ولا إجماع أمته ولا دليلا عقليا مقدماته ضرورية أو تنتهي إلى ضرورية فإنما توقفنا فيه فيما طلب منا العلم به لنهي ربنا عز وجل عن اتباع الظن
Page 37
وأما قوله إنا صرحنا بفناء الأجسام عموما فإنا إنما صرحنا بهلاكها عموما موافقة لقول ربنا عز وجل ^ كل شيء هالك إلا وجهه ^ فمرادنا بالهلاك والعموم هو الهلاك والعموم المذكوران في كلام ربنا على مراد ربنا باستدلالنا على ذلك بالآية المذكورة فقوله في عمومه الجنة والنار وأجساد الأنبياء وأرواح الشهداء والحور العين وعجب الذنب جوابه إن دخولها في كلامنا هو كدخولها في الآية فما كان جوابا عن الآية فهو جوابنا لأن مرادنا مراد ربنا عز وجل فإذ قام دليل على تخصيص الآية فهو مخصص لكلامنا
هذا مع أن المعروف عند أهل العلم أن ابن تيمية كان يقول بفناء النار فكيف ساغ لهذا القائل أن يظن أن مقصودنا بذكر الهلاك على العموم هو الرد على من قال ببقاء بعض أفراد العالم على العموم فليس مقصودنا هو التنصيص على ذلك القول الذي ظنه وذلك إنما غاظ هذا الرجل لما بينه وبين الكرامة من المناسبة
أما قوله بأنا ننفي رؤية ربنا في الآخرة فقد كذب قبحه الله يحقق ذلك النظر في المنقذ من الزلل في العلم والعمل بل أثبتنا حقيقة الرواية المعلومة وسكتنا عن الكيفية المجهولة عادة أهل السنة والجماعة
ولعل هذا هو السبب الذي لأجله نقم الشخص منا حيث آمنا بالله وبما يليق بجلال الله وبجماله إجمالا وبها علم منه تفصيلا وسكتنا عما ليس لنا به علم ولم نفعل ما يفعله المتبعون للظن وما تهوى الأنفس
Page 38
وأما ذمه الاتحادية والحلولية فحق كما بسطناه مبرهنا في المنقذ من الزلل وكان ينبغي له أن يضم إليهم المشبهة والممثلة كما فعلنا إلا أن نفسه كأنها لم تطاوعه وأما ذم الشافعي وغيره علم الكلام فمرادهم بعلم الكلام بإجماع المسلمين هو الكلام النافي عن الله ما علم ثبوته له بكتابه عز وجل أو بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم أو بإجماع أمته أو بدليل عقلي تنتهي مقدماته إلى الضروريات أو المثبت لله ما لم يعلم بواحد من هذه الطرق الأربعة
وأما الكلام المثبت لما يجب لله النافي لما يستحيل على الله المتوقف على ما لم يعلم امتثالا لنهيه عز وجل عن اتباع الظن ولقوله صلى الله عليه وسلم ( إن الله سكت ) عن أشياء رحمة بكم ( غير نسيان ) فلا تبحثوا عنها فلم يدع تحريمه المطلق إلا مبتدع يخاف أن تبطل شبهته وأن ترد عليه . . . أهل القرآن الكفر عند تقريرها جاز في تأويلها وجوه تجدها في المنقذ من الزلل في العلم والعمل فلا يقدح فيه بل ذلك من قبيل قول الشاعر
( وإذا أتتك مذمتي من جاهل
فهي الشهادة لي بأني كامل )
وقد قال أبو لهب الأحول في ذم القرآن ومدحه هبلا أضعاف أضعاف ما قال هذا الرجل وكانت العاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين
Page 39
وأما سفاهة هذا الرجل فاعلم يا أخي أن بعض المتزعمين لهذه القضية المتبعين للهوى اعترف عندي بأنه يعتقد قدم ذات غير الله عز وجل فخطر ببالي أن أرفعه إلى قاضي القضاة الحنبلي أو إلى نائبه ثم إني رأيت المصلحة في ترك ذلك فتركته فإن كان هو هذا السفيه فذلك من أظهر الأدلة على أنه ولد زنا فيا فراش أحرقت نفسك ولا جزيت عن شيخك ولا عني خيرا فقد أتعبتني بجهلك وما نفعت شيخك وأهلكت نفسك فإن السفيه يعطي باللسان ويأخذ بالقفار ومثل المغضب كمثل من تردى له بعير فهو ينزع بذنبه نيته
إذا وقفت أيها المنصف على هذه الأجوبة علمت أن هذا الرجل التيمي لم يحصل له إلا الخيبة واسوداد الوجه وإعلام الناس أن هواه أصمه وأعماه وأن جميع كلامه لم يفده شيئا في دفع ما أحرق قلبه بل هو كالذين أرسل عليهم صيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق فجعلوا أصابعهم في ءاذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين
Page 40
فبعد ظهور ذلك لا يسع أصحابه إلا أن يرجعوا عن القول بقدم نوع الفعل والمفعول الذي لم يأت به كتاب ولا سنة ولا صحابي ولا تابعي ولا تابع تابعي حتى أواخر المئة السابعة المستلزم لأن الرب موجب بالذات لا فاعل بالاختيار بل اعتقدوا أن الله عز وجل كان ولا شيء معه فليس الأمر منقولا عنهم كذلك أعني القول بقدم نوع الفعل والمفعول
Page 41
كما قال أحمد في الرد على الجهمي قال إذا أردت أن تعلم أن الجهمي كاذب على الله حين زعم أن الله في كل مكان ولا يكون في مكان دون مكان فقل له أليس كان الله ولا شيء فيقول نعم فقل له حين خلق الشيء خلقه في نفسه أو خارجا عن نفسه . . . . إلى آخره
فهذا الكلام من الإمام تصريح بأن الله كان ولا شيء معه وهو مذهب الأشعري وهو مدلول قوله عز وجل ^ خالق كل شيء ^ فإن خلق الشيء يقتضي سبق عدمه على وجوده فحالة عدمه لا فعل ومن جعل الفعل أو المفعول لازما للفاعل فقد قال بأنه موجب بالذات لا فاعل بالاختيار ولا يفيده مع هذا الإعتقاد التصريح بأنه فاعل بالاختيار لجواز أن يقوله تقية كما يفعل ذلك ابن سينا وأمثاله فإنهم يصرحون بأن الله مريد قادر ويريدون بالإرادة والقدرة معنى غير ما تفهم العرب خوفا وتقية فمن جعل الفعل والمفعول لازما للفاعل لزمه ما لزم هؤلاء من أن الفاعل موجب بالذات لا فاعل بالاختيار فإن ذلك لها بين اللزوم والأمر في ذلك جلي فإن الاختيار يقتضي سبق عدم المفعول على وجوده لأن القصد إلى إيجاد الموجود محال ولزوم الفعل والمفعول للفاعل المختار يفضي إلى القول بدوام وجود المفعول المنافي للقصد والاختيار
Page 42
وعليه إذا فلا تصح لصاحب هذا المذهب مخالفة للأشعري في قوله إن الله عز وجل كان ولا شيء معه ثم خلق الخلق فإن الأشعري إنما قال ذلك لأن الرب عنده فاعل بالاختيار والفاعل بالاختيار يجب بالضرورة أن يكون سابقا بالوجود على مفعوله فمن قصد مخالفة هذا كان الرب عنده موجبا بالذات لا فاعلا بالاختيار كابن سينا وأتباعه وإلا لكان مذهبه و مذهب الأشعري سواء والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم رسالة في الرد على ابن تيمية في مسألة حوادث لا أول لها
تصنيف الشيخ الإمام العلامة الزاهد
بهاء الدين عبد الوهاب بن عبد الرحمن الاخميمي الشافعي
Page 43
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى
أما بعد
Page 47
فإن الله الرحيم المنان لما من في أثناء القرن الثامن على أهله ب المنقذ من الزلل في العلم والعمل على يد عبده الفقير إلى رحمة الله أبي الأزهر هارون وهو عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن عبد الولي الإخميمي بعد أن صار الناس حثالة كحثالة التمر والشعير وكان من شرط الكتاب المذكور التنبيه على مواضع الزلل وكيفية دخوله على أهله
وكان من جملة الزلل اعتقاد ذات قديمة غير الله عز وجل سواء كانت معينة كما يزعمه القائلون بقدم العقول الفعالة ومادة هذه الأفلاك أو غير معينة كمن يجوز أن يكون قبل هذه المفاعيل المعينة مفاعيل غيرها وقبل مادة هذه الأفلاك مادة أخرى وأفلاك غيرها
Page 48
ولما كان الشيخ الإمام العلامة تقي الدين المعروف بابن تيمية قد دخل عليه اعتقاد قدم نوع الحوادث من الأفعال والمفاعيل الذي لا ينفك عن قدم فرد من المفاعيل كما لا تنفك الأربعة عن الزوجية والثلاثة عن الفردية والشمس عن شعاعها اقتضى الحال التنبيه على ذلك وعلى كيفية دخوله على معتقده فنبهت عليه وعلى سببه وعلى ما يلزمه من المحذور وكان ذلك رحمة من الله عز وجل وتصديقا لقوله صلى الله عليه وسلم ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق )
ووجه الرحمة في ذلك أن لا يقع فيه الغر الكريم فيدخل في مذهب الدهرية اللئيم ويعسر خلاصه منه
Page 69
فلما بلغت هذه الرحمة أصحاب هذا الرجل صاروا طوائف
فطائفة فقهت قلوبهم ففهموا وقبلوا الرحمة لبقائهم على فطرهم وفهموا غيرهم وحمدوا الله الرحمن الرحيم وقالوا لم يقم دليل على عصمة ابن تيمية ونحن أيضا نقول كما قال هذا الرجل إن أراد ابن تيمية قدم ذات غير الله تعالى لزمه المحذور المذكور ونحن وجميع المسلمين بريئون ممن يعتقد ذاتا قديمة غير الله وإن أراد غير ذلك فله حكم آخر
Page 70