كانت الساعة قد تعدت الواحدة حينما عادت الشاحنة. وكان ثمة مشمع مفروش في خلفيتها، ما يعني أن هناك لحما بداخلها. اضطرت أمي لتسخين الطعام ثانية، وكان أبي وهنري قد غيرا رداءي العمل المخضبين بالدماء بآخرين خاصين بالعمل المعتاد في الحظيرة، وغسلا أذرعهما ورقبتيهما ووجهيهما عند الحوض، ونثرا الماء على شعريهما ومشطاهما. رفع ليرد ذراعه متباهيا بخط دقيق من الدم كان عليها وقال: «قتلنا فلورا، وقطعناها إلى خمسين قطعة.»
قالت أمي: «حسنا، لا أريد أن أسمع شيئا عن ذلك، ولا تأت لمائدتي بهذه الحال.»
أمره أبي أن يذهب ويغتسل من الدم.
جلسنا جميعا وشرع أبي يتلو صلاة ما قبل الأكل، وألصق هنري العلكة التي كان يلوكها على نهاية شوكته كما اعتاد أن يفعل. كان حينما يخلعها يجعلنا نستحسن الطريقة التي يؤدي بها ذلك. بدأنا نمرر سلطانيات الخضار المطبوخ أكثر من اللازم، التي يتصاعد منها البخار. صوب ليرد نظره إلي عبر المائدة وقال في غطرسة ظاهرة: «على أية حال كان هروب فلورا غلطتها هي.»
قال أبي: «ماذا!» «كان بوسعها أن تغلق البوابة ولم تفعل، بل فتحتها على مصراعيها وهربت فلورا.»
تساءل أبي: «هل هذا صحيح؟»
كان جميع الجالسين إلى الطاولة ينظرون إلي. أطرقت، ورحت أزدرد الطعام في صعوبة بالغة. ولخزيي الشديد، انهمرت الدموع من عيني.
ند من أبي صوت يوحي بالازدراء، وسألني: «لم فعلت ذلك؟»
لم أجب، ووضعت شوكتي وظللت جالسة في انتظار أن أصرف عن المائدة وأنا لا أزال أنظر إلى الأسفل.
لكن هذا لم يحدث. لم ينبس أحد بكلمة لبعض الوقت، ثم قال ليرد بنبرة تخلو من أي عاطفة: «إنها تبكي.»
Unknown page