فلتسقط أردافها الجميلة، وتذبل عيناها المتوحشتان!
رأسه مزحوم بالفراغ وهو يمشي على العشب والصخر، يدوس على الجعارين بحذائه القوي الضخم، متوكئا على فأسه، مستمدا بعض الشجاعة منها، تتصارع الكلمات والأفكار في فراغات رأسه تعمق الهوة: يحب سنيلا، سيخطف سنيلا للشرق.
لا يحب سنيلا، لا يخطف سنيلا للشرق.
سيصالح فلوباندو من أجل أن تحكي له، لن يصالح فلوباندو لأنها جعلت منه أضحوكة، لأنها أهانته، لكنه هو من في حاجة إليها، إذا خاصمها يكون قد عاقب نفسه بنفسه، وإن صالحها فيصبح كالفأر الذي أكل ذيله، ليس إلا.
اقتحم غابة الموز الصغيرة، هربت قرود العوا صغيرة الحجم وهي تصرخ، سوف لا يهتم بها، كما في المرة السابقة، وجد نفسه وجها لوجه وكوخ الموز والبامبو، الكوخ الآن أصغر مما هو عليه ليلة الأمس، يبدو ضخما في الظلام، دار حوله يستكشف المخافات، دخله في حذر وهو يقرأ تعويذة تفيد أيضا في طرد أرواح الجن والموتى التي تسكن المنازل المهجورة، كانت الشمس تضيئه بصورة جيدة عبر النوافذ المشرعة وفراغات السقف، ربما صنعتها القردة نتيجة لتسلقها الدائم للكوخ، بالأمس أسهم هو أيضا في خلق بعض الثقوب، الكوخ فارغ تماما، يبدو أنه استخدم كمخزن للحطب الجاف في مواسم هطول الأمطار، ذلك لوجود بعض قشور الأشجار متناثرة على أرضية الكوخ، تفوح من الكوخ رائحة عطنة كرائحة الفاكهة الفاسدة، أرض الكوخ رطبة بعض الشيء، ولا شيء يثير شهية الاستطلاع.
المبنى الآخر مشيد أسفله من الحجر والطين الأحمر، أما أعلاه فمن العشب وأوراق الموز، تغطيه بشكل كامل نبتة متسلقة كبيرة ذات أوراق شديدة الخضرة، لها أزهار حمراء صغيرة كأزهار الأفوربيا الشوكية. حين توقف عند الباب بدا له جليا أن المبنى لا يتكون من غرفة واحدة لكن من حجرتين؛ الأولى متسعة تضيئها الشمس عبر نافذتين كبيرتين لا قفل لهما، في فراغها الكبير مقعدان مستطيلان مصنوعان من الخشب البامبو، ربما كانا يستخدمان كمراقد، هما - كما هو واضح - مثبتان على الأرض، أو بالأحرى مبنيان بنيانا، في وسط فضاء الحجرة منضدة مستطيلة مبنية من البامبو، حولها أربعة كراسي، يوجد أيضا باب مغلق مصنوع من البامبو، مغزول بجلد قوي سميك، حاول فتح الباب لكنه فشل أن يجعله يهتز ولو اهتزازة خفيفة، ما جعله يظن أن هذا الباب باب وهمي، وأنه جزء من الحائط، لكنه كان موقنا أن هنالك حجرة أخرى تبدأ من هذا المكان، وهي ربما أكبر من التي هو بها الآن. خرج، دار حول المبنى، ولاحظ أنه ليس للحجرة الأخرى نوافذ، بابها هو ذات الباب الوهمي الذي يصعب فتحه، عرف بينه وبين نفسه أن بالحجرة سرا ما، في الغالب تحتوى على ممتلكات آل جين من الجلود، أدوات الحرب التقليدية، ربما عربتهم الخشبية أيضا، ولو أن خياله حدث عن مذكرات خاصة تحكي عن رحلة آل جين حفظت ليجدها أحفادهم في المستقبل. لماذا لم يكن الجين في خلوتهم هذه قد وضعوا أفكارا متقدمة عن سلاح لا يعرفه العالم بعد؟ أليس هما عالمين في السلاح؟
لماذا لا يكون قد وصلا لاختراع بإمكانه إبطال مفعول الأسلحة النووية أو آثارها؟ لكن فجأة خطرت له فكرة غريبة بائسة: لماذا لم يكن الجين سوى نفر من الجن، عاش هنا ثم عاد إلى حيث أتى؟ هذه فكرة ساذجة لا يحق لطالب الدكتوراه أن يفكر هكذا، إنها تناسب فلوباندو أو الكواكيرو.
ألا يخاف هو من الجن؟
ألا يوجد الجن بالعالم؟
أيكفر بالجن؟
Unknown page