Rahman Wa Shaytan
الرحمن والشيطان: الثنوية الكونية ولاهوت التاريخ في الديانات المشرقية
Genres
قال أنظرني إلى يوم يبعثون * قال إنك من المنظرين * قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم * ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين * قال اخرج منها مذءوما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين (الأعراف: 14-18).
باشر إبليس مهمته فورا، وبعد إغوائه لآدم وزوجته عمد إلى ضلالة فريق من الجن «أو الملائكة» فانحازوا إلى جانبه وتحولوا إلى شياطين تعمل كجند تحت إمرته:
وبرزت الجحيم للغاوين (الشعراء: 91).
فكبكبوا فيها هم والغاوون * وجنود إبليس أجمعون (الشعراء: 94-95). كما صار له ذرية ونسل تقفوا أثره:
أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا (الكهف: 50). وكلمة «ذرية» في هذه الآية الأخيرة قد تعني نسلا بالمعنى الحرفي للكلمة، وقد تعني النظائر والأشباه، وذلك كقوله تعالى:
إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين (الإسراء: 27). فأخوة بعض البشر للشياطين هنا ليست أخوة فعلية، بل أخوة معنوية.
وهكذا ابتدأ الشيطان والإنسان تاريخهما معا، ودخلا المرحلة الثانية من التاريخ، مرحلة الامتحان الكبير. (2) مرحلة الامتحان الكبير
قال تعالى:
وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين * ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون * إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين (الدخان: 38-40).
أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون (الروم: 8). فالإنسان هو معنى العالم وغايته، وإليه أوكل الله الأمانة الكبرى التي لم يحملها أحد من خلق الله، وإن عليه خلال المرحلة الثانية من التاريخ أن يثبت جدارته بهذه الأمانة ويصل بها إلى هدفها الأخير، وهو تنقية النفس الإنسانية من شوائب البشر، وتحقيق الخيار الوحيد اللائق بالجنس البشري، خيار الحق والخير، ليكون أهلا للدخول في السرمدية. وهو رغم مسئوليته الكاملة عن مصيره، فإنه ليس وحيدا في خضم الامتحان، لأن الله يقف على الدوام إلى جانب من تولوه في صراعهم مع نوازعهم ومع الشيطان، ويحارب الباطل بالحق:
Unknown page