وزمجر الرعد وتدلت السحب إلى أسفل، ولكن الأرض ظلت حارقة تحت صفحة الأقدام.
وقال أنطوني: سأذهب، فلربما أمطرت.
وأصبحت أنا الآن وحدها في العربة وطفلاها بين ذراعيها، وجلست على سرير من الحزم الذي أعدته الفلاحات لكي يخفف من اهتزاز العربة التي جلست فوقها على مستوى أعلى من الحاجز، وفي هذا الوضع كانت تشبه العذراء المقدسة.
وأخذ الرعد يقصف بسرعة متزايدة، وقطرات المطر الأولى تسقط كبيرة ثقيلة، وفك بيتر رباط الخيل وشدها إلى العربة بسرعة ووضع ملابسه في العربة، وألقى نظرة أخيرة؛ ليتأكد من أنه لم ينس شيئا. - أنت مستريحة عندك يا أنا؟ - نعم، لكن لا تسرع.
وأخذت الخيل تمشي وحدها، واطمأن بيتر إلى أنها قد أحست قدوم العاصفة؛ ولذلك أسرعت.
وكان المطر أكثر كثافة ناحية القرية، فهو يهطل مثيرا التراب، ويمتد فوق السهل بسرعة وكأنه ستارة من اللؤلؤ، والخيل تصهل وتنصب آذانها، وبيتر يبسط الحصير وكأنه خيمة فوق أنا وطفليها.
وبعد أن كان المطر غير ملموس وكأنه زفرات الريح لهبوطه رذاذا، أخذ يهطل في بخات قوية قصيرة، أشعثا هائجا فوق برجان، واحتمى بيتر أيضا تحت الحصير، ولكن ساقاه ظلتا عاريتين، وصنعت أنا لطفليها من جسمها واقيا آخر بأن انحنت فوقهما وهي تضعهما فوق ركبتيها وتحتضنهما بين ذراعيها، وعند كل هزة من العربة تصيح: «هدئ يا بيتر، هدئ»، وترفع - في رفق - الطفلين وتنظر إليهما في قلق.
وأخذت الخيل تتقدم في ركض عنيف، والمطر يثير فوق الطريق رائحة الأرض المبللة.
وأخذ الماء يسيل في الأخاديد التي تحفرها العجلات ليصب في الحفر، والأعشاب والحسك والأزهار - وقد غسلت ونضرت - نهضت على حافة الطريق، بل والقش الذاوي نفسه رفع - بعد جفاف - أشواكه كالفرشاة.
ويخترق المطر الحصير فيبلل الشوفان والقش، وتنطوي أنا في نصفين فوق طفليها، ومن وقت إلى آخر تدني شفتيها من أنفهما؛ لتتأكد من أنهما لا يزالان حيين، وتشعر بنسمات دافئة من الهواء تداعب شفتيها: إنهما يتنفسان!
Unknown page