ضحكت، قالت وهي تفرك على رأسه: «هذا دعاء الرزق تقرؤه ليرزقك الله.»
تهللت أساريره فرحا، سألها ملهوفا: «إذا قرأته سيرسل الله لي زبائن لتلميع أحذيتهم؟»
رأى ملامح وجهها تتغير، نظرت له في صمت، نظرة غريبة لم يعهدها، كنظرة الرجل العابر الحزين، الذي يحمل صحيفة تحت إبطه!
قالت له: «اقرأ مجددا.» - «أقرأ ماذا ...» - «دعاء الرزق!» - «قرأته من قبل.» قالها متبرما. - «اقرأ مجددا.»
وراح يقرأ بصعوبة وهو يضع إصبعه موضع الكلمات ويقرب الكتاب من وجهه، لما انتهى رفع لها عينين متسائلتين، فدست جنيها في قبضة يده، قالت له وهي تبتسم: «قد استجاب الله لك، هذا أول رزقك!»
أمسك الجنيه غير مصدق، ثم قفز من مكانه فرحا وهرول مبتعدا، تذكر شيئا، وقف في تردد ينظر لها وللكتاب بعينين متسائلتين، قالت وهي تدفعه إليه: «هذا هدية، يمكنك الاحتفاظ به.»
اختطف الكتاب، واندفع بسرعة مبتعدا وسط الحشود غير المبالية، معدته تصرخ ابتهاجا وقد عرفت مقصده .
يخترق الحشود المتدفقة كالطوفان، يشق الأزقة والباعة جريا، صوت إمام المسجد الكبير يرتفع من بعيد بتلاوة جميلة، لم يهتم بهز صفيحه هذه المرة، رائحة الدخان تتصاعد كلما اقترب من مبتغاه، عندما وصل إلى مقصده كان يلهث، وكان رجل الشواء يقلب قطع اللحم المتراصة في السيخ المحمي على الجمر ويتحرك كشيء آلي، اقترب منه وهو يطبق على الجنيه في حرص.
نظر له البائع شذرا، وبدا عليه التحفز. - «عايز شنو؟»
مد الجنيه في صمت ووقف مترقبا، زمجر الرجل منزعجا: «السندويتش اتنين جنيه.»
Unknown page