وأضاف بنفاد صبر، وهو يصلح من ربطة عنقه أمام مرآة ظهرت أمامه من العدم: «أنت طلبت المعرفة وها أنا ذا أقدمها لك، عندما تأكل أدمغتهم ستعرف كل ما عرفوه ، كل معلومة اكتسبوها، كل اسم حبيب أو صديق أو زميل مروا به، كل كتاب قرءوه من قبل، عندما تأكل أعينهم سترى كل ما رأوه، كل منظر جميل أو قبيح، كل لحظة فرح أو ذعر، عندما تأكل جلودهم ستشعر بكل ما شعروا به من قبل في حياتهم، كل لسعة برد، كل شكة ألم، كل قشعريرة خوف، كل ارتعاشة شبق، كل لمسة حب حانية شعروا بها أو عاشوها.
تلك هي القوة المريعة التي تحوزها الآن، تلك هي الهبة التي أمنحك إياها، بين يديك كل تاريخ البشرية، وأسرارها، فقط إن أنت جرؤت.»
كان قد اختفى تماما ولا زال صدى صوته يتردد في ذهني. «فقط إن أنت جرؤت.»
أتلفت حولي في خوف، الصحراء الجرداء قد دبت فيها الحياة، الأرض تفور تحت قدمي، ويتصاعد التراب الأحمر للأعلى ببطء متحديا كل قوانين الجاذبية، الأشجار الجافة والنافقة بدت تتحرك بطريقة متخشبة وتنزع جذورها من عمق الأرض، السحاب يزداد سوادا ويزمجر بطنين مزعج يتصاعد من كل مكان، وينتهك طبلة أذني بعنف حتى غطيتهما براحتي يدي ألما. «فقط إن أنت جرؤت!»
صرخت: «لن أفعل هذا!»
ويذوب صوت صراخي وسط صوت رنين السحاب المؤلم. «فقط إن أنت جرؤت.» «فقط إن أنت ...» ...
فتحت عيني مجددا!
كنت ساقطا على أرضية الصالة، وصوت رنين المنبه ينبعث من غرفتي بإلحاح.
لثوان ظللت أحدق في الحائط بوضعي المقلوب غير عالم أين أنا، وماذا أفعل، وما الذي يحدث بالضبط.
ثم داهمتني الرائحة!
Unknown page