Qisas Mumilla Jiddan

Muhannad Rahma d. 1450 AH
153

Qisas Mumilla Jiddan

قصص مملة جدا

Genres

عظيم شأنك يا أنت، في المتراس أو الميدان، دورك لا تستهن به، أثره قوي يا ثائر. (شجن.)

من المرهق أن تكون الابن الأوحد لوالديك.

تثقل كاهلك مسئولية الآمال العظيمة التي يعلقانها عليك.

أخي لأكبر - حكت لي والدتي - مات بعد شهر ونيف من ولادته، فجعت والدتي وأغشي عليها من المرض، وبكى أبي بعلو صوته في حقل السمسم، حتى جفلت الطيور، لم ينصبوا صيوانا أو يقيموا عزاء، شاركت النسوة أمي مصابها الجلل، وواسينها بأن أخي طير من طيور الجنة، الحاجة «سكينة» ذكرتها بفضيلة الصبر والتجلد والرضا بالمقسوم، وأن الله ما أخذ إلا ليعطي، فجئت أنا للدنيا بعد عدة سنوات تعويضا لهما عن طول صبر واحتساب.

انتشر الخبر حتى القرى البعيدة، ذبح أبي ثورا كبيرا، ذكر اسم الله عليه ثلاثا وهو يوجهه ناحية القبلة، وزع لحمه على المصلين وبيوت الحي والزوار من القرى المجاورة. شيخ عبدالله إمام المسجد دعا لي أن أكون إبنا صالحا بارا، وقرأ القرآن على رأسي ... وزغردت النساء ... سمتني أمي تيمنا بحلمها بالشيخ البرعي، زارها مناما في أيام حملها الأخيرة، سقاها لبنا وأطعمها زبيبا من الحجاز، وأخبرها أنها سترزق بابن بار سيكون ذا شأن، اسمه «مازن»، من المزن والسحاب المغتص بالماء.

عاملتني بحرص عظيم منذ ميلادي.

أكبر كل يوم وأطوي المراحل، أرى فرحة أمي في عينيها وتلاشي قلقها عبر سنوات تدمل ببطء فجيعتها الأولى، أسمع دعواتها تلاحقني كل يوم عند خروجي للمدرسة «حصنتك بالذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء.» ويتكرر تبرم أبي من حرصها الزائد، يؤكد لها أنها ستفسد تربيتي، يقسو علي حينا ويحدثني بخشونة حينا، ليعلمني أن أكون رجلا.

في العصر يأخذني أبي إلى صالون الحلاقة حيث نادي لعب الورق، وفي مواسم الزراعة والحصاد أمتطي ظهره وهو يحني قامته في أرض الحقل، أو يعمل المنجل في حصاد المحصول. في أيام الجمعة عقب الصلاة، يصطحبني للسوق ليعلمني المساومة في شراء بضاعة الدكان. فبعد أن أحيل للصالح العام عاد مع أمي للقرية وتفرغ للعمل بالدكان جل وقته، يجلسني على حجره كل مساء ليحدثني عن حياته قديما كما لو كنت ندا، أصدقاء المدرسة، زملاء دفعة الشرطة في الخرطوم، ومغامرات الصبا عندما سرق نعجة البلولة، ويوم تسابق مع الجيلي والطاهر في عبور الترعة سباحة، وقصة زواجه من أمي، وشوقه الدائم لزيارة بيت الله الحرام قبل أن يلقى الله.

كنت صغيرا، لا أفقه ما يقول، أصغي لصوت صراصير الحقل من بعيد في خلفية حديثه، أحمل حلوى المصاصة المفضلة لدي، وأنظر إلى قسمات وجهه المتعب وصوته المبحوح، تنتفخ أوداجه فخرا عندما يعرفني بزبائن الدكان. «ولدي الوحيد، ورث ملامح أمه.» «ما شاء الله، ربنا يحفظه!»

أدرك من وهج عينيه اللامعتين وقتها ، أنه يعلق في كاهلي آمالا عريضة.

Unknown page