Nushu Lugha Carabiyya
نشوء اللغة العربية ونموها واكتهالها
Genres
فهل رأيت كيف أن الكلمة الواحدة العربية تنظر إلى عدة مفردات في لغات الأجانب، وكيف أن هذه اللغى توضح لنا معناها، على ما وضعت عليها في أول خلقها، وكيف أن معارضة العربية بسائر اللغات تفيدنا فائدة لا يستغنى عنها؛ فهي تعيننا لا محالة على الاهتداء إلى مؤديانها بلا عناء ولا كلفة، بل تحتاج إلى سعي متواصل لكي لا يفوتنا شيء البتة، وهذا الذي نريده من لغويينا في هذا العصر؛ لأن بغير هذه المعارضة والمقابلة نبقى مقيدي الأيدي والأرجل بلا أدنى تقدم في سبيل هذه اللغة المنيفة الشريفة، ولا ننتفع مما يعنى به فقهاء الإفرنج في لسانهم؛ إذ نراهم يعارضون مفرداتهم بجميع الألسنة التي تشبهها عن بعد أو عن قرب.
فالسلف اتصلوا بأمم مختلفة وبألسنة شتى، وأهم هذه اللغات: العبرية والإرمية والفارسية واليونانية واللاتينية (أو الرومية)، فلا بد للغوي العربي أن يلم بهذه اللغى إلماما مجملا؛ ليتمكن من الجري في سبيل تحقيق أمنيته، وإلا فلا علم، ولا تقدم، ولا ولا ولا.
وقد أظفرتنا هذه المعارضة الثمينة بمعرفة معاني ألفاظ كثيرة كانت مشكلة ومبهمة، وبعدها أصبحت لنا أوضح من الشمس في رائعة النهار، وزال عن الفكر كل شبهة ومعضلة، فعرفنا بها حقيقة كثير من الحيوان، والنبات، والمعدن، بل كثير من شئون هذه الحياة وما يتصل بحاجها من الأدوات والماعون، وقد امتد النفس في هذا البحث الجليل؛ لمنزلته في اللغة، ولإهمال أهل البحث له مع ما هو عليه من الخطورة والرفعة والبال.
تناظر العربية واليونانية
أجمع البصراء والحذاق في اللغى المختلفة، وعلى رأسهم المستشرقون أن لا صلة البتة بين الألسنة السامية والألسنة اليافثية، ولا سيما لغة قحطان، فإنها أبعد اللغى عن الهندية (أي السنسكريتية) عن كل لغة عربية.
أما نحن فنخالف الجميع على الإطلاق، وقد وجدنا المشابهات بين العربية واللغتين المؤتمتين (أي اليونانية واللاتينية) عظيمة جدا، وبلغ بنا الاستقراء إلى هذه القاعدة وهي: كل لفظة يونانية أو لاتينية ذات هجاء واحد أو هجاءين، فلا بد من أن يكون لها مقابل في المضرية، وقد تتفق معاني اللفظتين كل الاتفاق، وقد تبتعد قليلا، وهذا لا بد منه، بعد نزوح الدار، واختلاف العادات والأخلاق، وتغير الأهواء والأهوية والمياه، إلى غير هذه الأمور التي تؤثر في المرء تأثيرا لا يمكن إنكاره، فإذا كانت هذه العوامل أدت إلى نتائج عظيمة في اللغات السامية نفسها، تلك الساميات الأخوات، فكيف لا تصدم اللغات المتباينة في عناصرها وأقوامها صدمة أعظم، بل صدمة عنيفة مزعزعة للأصول والفروع معا، بل صدمة تشبه ما تفعله القارعة في يوم الدين!
وقد تتبعنا أصول الكلم في اللغتين المؤتمتين، فوجدنا لكل كلمة ذات هجاءين فيهما مفردة مقابلة لها ولم نهتد إلا لبضعة ألفاظ، وربما نهتدي إليها مع الزمن، والذي لم نظفر بمقابلاتها تكون على نسبة اثنين إلى العشرة لا غير ، وإلا فإننا وفقنا لما بقي منها .
وقد اعتمدنا في بحثنا هذا على أصح المصادر في هذا العلم وأوثقها حجة، ونحن نذكر هنا بعض الألفاظ من باب الاستشهاد، وإلا فالبحث الوافي يقع في مجلد ضخم لكل من اللغتين، فنذكر هنا ما يتعلق باليونانية، وفي الفصل الآتي نذكر ما يقابل اللغة اللاتينية، فنقول: (1)
aiglè, αίγλη
الضياء أو البرقة
Unknown page