Niswiyya Wa Falsafat Cilm
النسوية وفلسفة العلم
Genres
50
واخترقت التكنولوجيا سائر مجالات الحياة، ولكي تكون النسوية الجديدة معاصرة حقا، عنيت عناية بالغة بالتكنولوجيا التي تبدو للوهلة الأولى إنجازا ذكوريا وتأكيدا للقيم الذكورية. ولكن من الناحية الأخرى يتضاءل معها أهمية القوى العضلية التي كانت ميزة غير منكورة لتفوق الرجل على المرأة، وفي فضاء الاتصال الإلكتروني وشبكة الإنترنت لا يتمايز الرجال عن النساء. ومن أبرز اللاتي انطلقت نسويتهن من مسألة التكنولوجيا دونا هاراوي
D. Haraway (1944م-؟). حصلت على الدكتوراه في الفلسفة برسالة عن تاريخ علم البيولوجيا. رأت أن الكومبيوتر أدى إلى تمييع الحدود بين الإنسان والآلة، مما يمكن أن يؤدي في النهاية إلى اليوتوبيا التي نحلم بها، «يختفي فيها تصنيف الذكر والأنثى، وتفتح الطريق لعالم من الحرية فيما وراء الفروق بين النوعين».
51
أعلنت هذا في كتابها «مانفستو السيبرج» (
cyborg = cybernetic + organism ) السيبرج كائن حي سيبرنطيقي، نصفه عضوي ونصفه تكنولوجي، تجسيدا لتلاشي الحدود فيما بعد الحداثة بين الطبيعة والآلة بصورة منهجية، ولم تعد أية حقيقة ترمز إلى الكل المتكامل. السيبرج لا يحل الكلية محل الثنائية، لكنه يتعامل بسهولة مع الحدود والمتناقضات مما ينطوي على إمكانية تحرر المرأة من منزلة التابع في الفكر الثنائي البطريركي، وإمكانية تحرر شعوب العالم الثالث من مركزية العقل الغربي وقهر الإمبريالية. إن أروع ما في نظريات النسوية الجديدة أنها لا تفصل بين هذين التحررين، فكانت فلسفة للمرأة من حيث هي فلسفة بعد استعمارية.
لكن ليس الأمر لمسات تذكرنا باليوتوبيا أو سواها من فلسفات. فما دام الزخم المعرفي النسوي بكل هذا البذخ كان لا بد أن يواصل مساره ليصل إلى أصول النظرة الشاملة، إلى الفلسفة الصريحة، وأول مرة في التاريخ يسمع فيها عن شيء اسمه الفلسفة النسوية العام 1970، ومنذ السبعينيات وهي تتدفق مبشرة واعدة. لقد ظهرت الفلسفة النسوية، كمنهاج لإعادة تأريخ الفلسفة، وللبحث في الفلسفة القديمة والوسيطة من منظورات مستجدة وللإجابة عن تساؤلات لم تطرح فيما سبق، ثم تقديم رؤى أنثوية متكاملة. إنها حرث للأرضية العقلية، واستنبات لبذور لم تبذر من قبل. (9) الفلسفة الأم للنسوية المعاصرة وظهور الفلسفة النسوية
وإذ نخوض أخيرا في غمار الفلسفة لا يغيبن عن الأنظار أبدا أن الموجة النسوية الثانية عن بكرة أبيها تأتم أصلا بالكتاب العمدة للفيلسوفة الوجودية الفرنسية سيمون دي بوفوار (1908-1986م) «الجنس الثاني» (1948م) الذي يمكن اعتباره إنجيل الحركة بأسرها، تستهل دي بوفوار هذا الكتاب بعبارة شهيرة صارت شعار الحركة النسوية في شتى توجهاتها، وهي «المرأة لا تولد امرأة، بل تصبح امرأة»،
52
إشارة إلى الدور الكبير الذي يقوم به المجتمع في صياغة وضع الأنثى والتفرقة بينها وبين الذكر، وتقويضا للخرافة القائلة: إن الحتمية البيولوجية هي التي حددت هذا الوضع، ليست الطبيعة هي التي جعلت المرأة جنسا ثانيا، بل المجتمع ومحصلاته الثقافية، وهذا فتح الباب لميلاد مفهوم سوف يتعاظم شأنه ويعلو صيته ويلعب دورا كبيرا منذ الثمانينيات، مفهوم النوع أو الجنوسة
Unknown page