Nisa Fi Hayat Dustuyivski
نساء في حياة دستويفسكي
Genres
يتضح لنا من يوميات أنا جريجوريفنا التي سجلتها في درزدن أن مراسلات دستويفسكي مع سوسلوفا، والتي كانت تتسم بالحيوية، أصابتها بالغم والكدر. لقد تركت خطابات باليفا لديها انطباعا صادما. ها هي أنا جريجوريفنا تصف قراءة دستويفسكي لخطاب من خطابات سوسلوفا أرسلته من درزدن في الخامس عشر من مايو: «كنت أراقب طول الوقت تعبيرات وجهه عندما كان يقرأ هذا الخطاب الشهير. لقد راح يعيد قراءة الصفحة الأولى المرة تلو الأخرى، كما لو كان في حالة لا يستطيع معها أن يفهم ما يقرؤه، ثم في النهاية أتم قراءة الخطاب لتكسو وجهه كله حمرة شديدة، وقد خيل لي أن يديه كانتا ترتجفان. تظاهرت بأنني لا أعرف عن الخطاب شيئا، وسألته: ماذا كتبت سونيتشكا؟
4
فأجاب أن الخطاب ليس من سونيتشكا، وبدت على وجهه ابتسامة تشوبها المرارة. ابتسامة لم أرها على وجهه إطلاقا من قبل. كانت إما ابتسامة احتقار أو أسى. الحقيقة لا أعرف، لكنها ابتسامة ذاهلة أسيانة على نحو ما. ثم بدا لي مرتبكا على نحو شديد وكأنه لم يفهم عما أتحدث.»
سوسلوفا.
لا بد أن ندرك أن أبوليفاريا سوسلوفا كانت محط رغبات دستويفسكي الجامحة. امرأة متطرفة، تندفع بمشاعرها إلى منتهاها لتصل إلى الذروة النفسية والمعيشية. لقد أظهرت طوال حياتها هذا «الإصرار» الذي يدل على طبيعة شهوانية شديدة الولع؛ طبيعة نهمة إلى المشاعر الحسية. إن ميلها لتقسيم الناس إلى قديسين وأوغاد أمر مميز لولعها الحسي الدائم وتفانيها، وكما يبدو لكونها كانت كائنا جهنميا بحق. إن لديها قلبا يتوق إلى المظاهر النبيلة، للتعاطف والطيبة (دموعها على شقيق دستويفسكي المريض)، وهذا القلب نفسه ليس أقل نزوعا نحو النزوات الحسية الخرقاء واضطهاد الآخرين، بل وحتى الانتقام منهم. هذه الصفات بكل تأكيد تكشفت بفضل شهادة ف. ف. روزانوف، الذي تزوج من عشيقة دستويفسكي السابقة في نفس عام وفاته.
إن روزانوف، وقد أصبح زوجا لها، يكشف بوضوح تام عن شخصية سوسلوفا بكل سماتها العاصفة والحادة. ينبغي فقط أن نضع في اعتبارنا أن الحديث يدور هنا عن امرأة لم تعد في شرخ شبابها (في مطلع الثمانينيات كانت أبوليفاريا سوسلوفا قد تخطت الأربعين)، وأن شهادة روزانوف يمكن أن تكون منحازة إلى الجانب الرديء فيها. ومع ذلك فإن هذه الشهادة تكتسب أهمية لا شك فيها من الناحية الفعلية، وهي تتفق في الكثير من جوانبها مع شهادات أشخاص آخرين.
يتحدث روزانوف عن سوسلوفا قائلا: «تزوجت منها وأنا في الفصل الثالث من الجامعة، هجرتني لتقع في غرام شاب يهودي بعد ست سنوات من حياتنا معا لتعيش في نيجني، في بيتها هناك.» فيما بعد وفي وثيقة قدمها روزانوف لإدارة السينود بشأن حياته العائلية، يتحدث فيها عن زوجته الأولى (متحدثا عن نفسه بضمير الغائب) فيقول: «أبوليفاريا، اسم العائلة سوسلوفا، روزانوف بعد الزواج، هجرت زوجها ف. ف روزانوف في عام 1886م بحجة أن زوجها - خلافا لما بذله لها من وعد - يلتقي بشاب يهودي يدعى جولدوفسكي، وهو الشخص الذي يدير توزيع كتبه على المكتبات، وقد وقعت (أبوليفاريا) في غرام هذا الجولدوفسكي، ثم لم تجد منه تعاطفا تجاهها. وعلى نحو لم يسمع به من قبل، راحت تلاحقه، وبواسطة خلافات لا يمكن وصفها دفعت زوجها ليقطع كل صلة به. وجولدوفسكي شاب ينتمي لعائلة يهودية محترمة، دعته سوسلوفا نفسها لاستضافته صيفا لدى آل روزانوف. عموما كانت هذه إحدى نزوات سوسلوفا البشعة من ناحية سخافتها.»
كان لهذا الانفصال أثره المؤلم على روزانوف. يكتب روزانوف في أحد خطاباته قائلا: «أذكر عندما هجرتني سوسلوفا أنني انخرطت في البكاء، وأنني ظللت لمدة شهرين لا أعرف مكانا أذهب إليه، ولا أعرف فيما أنفق كل ساعة من الوقت الذي يمر بي.»
ثم يتحدث روزانوف بعد ذلك عن نزوات زوجته ورغبتها في الانفصال عنه، وهو ما رفضه بحسم.
قبل ذلك، عندما انتقل روزانوف من عمله في بريانسك إلى يليتس، دعا زوجته للعيش معه آملا أن تسير الحياة في مكان جديد، ووسط أناس جدد وظروف مختلفة على نحو أفضل، لكنها رفضت وعلى نحو قاس بأسلوب فظ، وأجابته بقولها: «آلاف الأزواج يعيشون في نفس وضعك (أي هجرتهن زوجاتهن)، ومع ذلك فهم لا ينبحون. الناس ليسوا كلابا.» وحتى أبوها، الذي خاطبه روزانوف راجيا أن يؤثر في ابنته وأن يحثها على العودة إلى زوجها، أجابه قائلا: «عدو الجنس البشري يسكن في بيتي الآن، وقد أصبح من المستحيل علي أنا نفسي أن أعيش فيه.» ظلت سوسلوفا تشك دائما أن هذا العجوز الذي تخطى السبعين من العمر سوف يتزوج، ومن ثم راحت تشهر به أمام أصدقائه ومعارفها.»
Unknown page