قالت فلو: «حسنا، لسنا بحاجة بالتأكيد لإطلاع الناس على ذلك.» وذهبت لإغلاق باب المتجر، واضعة لافتة «سنعود بعد قليل». كانت روز قد صنعت هذه اللافتة لفلو بكثير من الزخرفة للحروف المائلة وتظليل للأحرف باللونين الأسود والأحمر. وعندما عادت فلو، أغلقت الباب المؤدي إلى المتجر، ثم الباب المؤدي إلى السلم، والآخر المؤدي إلى السقيفة الخشبية.
كان حذاؤها قد ترك علامات على الجزء النظيف المبتل من الأرضية.
وعند عودتها قالت بصوت منهك بعد أن وصلت إلى قمة انفعالها: «يا إلهي! إنني لا أعلم ما ينبغي علي فعله معها.» ونظرت إلى أسفل، فرأت ركبتيها المتسختين (متبعة عيني روز)، فدعكتهما بعنف بيديها المجردتين، ملطخة المنطقة المحيطة بهما بالوسخ. «إنها تهينني!» قالت فلو تلك الكلمات وهي تستقيم في وقفتها. لقد كان ذلك هو السبب. أخذت تكرر تلك العبارة في رضا: «إنها تهينني! ولا تحترمني!» «أنا لا أهينها!»
فقال والدها: «فلتصمتي، أنت!» «لو لم أستدع والدك، لظللت جالسة حيث أنت، وهذه الابتسامة العريضة المستهزئة على وجهك! هل من سبيل آخر لتهذيبك؟»
لاحظت روز بعض الاعتراضات على وجه والدها على حديث فلو المتكلف، وشيئا من الإحراج والنفور. إنها مخطئة، ويجب أن تعلم أنها مخطئة في ظنها أنه بوسعها الاعتماد على ذلك. فحقيقة أنها تعلم بما يفكر فيه والدها، وأنه يعلم أنها تعلم، لن يغير من الوضع شيئا، فقد بدأ ينفعل، ورمقها بنظرة بدت في الأول فاترة ومتحدية. عكست لها تلك النظرة حكمه عليها، وانعدام حيلتها. ثم، تبددت تلك النظرة، وبدأت عيناه تمتلئان بشيء مختلف، مثلما يمتلئ ينبوع المياه عندما تنظفه من أوراق الأشجار؛ بالكره والبهجة في نفس الوقت. رأت روز ذلك وأدركته. هل هو مجرد تعبير عن الغضب فحسب؟ هل من المفترض أن ترى عينيه وهما تمتلئان بالغضب؟ كلا. الكره حقيقي، والبهجة أيضا حقيقية. فقد ارتخى وجهه، وتغير، وصار أصغر سنا، ورفع يده، لكن هذه المرة لإسكات فلو.
قال: «حسنا!» وكان يعني أن ما قيل يكفي، بل أكثر مما يكفي، انتهى هذا الجزء ويمكن مباشرة العقاب بالفعل. وشرع في فك حزامه.
كانت فلو قد توقفت عن الحديث بالفعل. كانت تعاني من نفس الصعوبة التي تعاني منها روز، ألا وهي صعوبة تصديق أن ما تعلم بضرورة حدوثه سيحدث بالفعل، وأنه لم يعد هناك وقت للرجعة.
قالت فلو، وهي تتحرك في الأرجاء بعصبية، كما لو كانت تفكر في العثور على سبيل للهروب من المكان: «يا إلهي! لا تقس عليها! يا إلهي! لست بحاجة لضربها بالحزام. هل ينبغي عليك استخدامه؟»
لم يجبها. استل الحزام ببطء، وأمسك به كما ينبغي. «حسنا! أيتها الفتاة.» تقدم ناحية روز ودفعها من فوق الطاولة. وجهه وصوته تغيرا تماما. كان أشبه بممثل شرير يؤدي دور شخصية مرعبة. بدا كما لو كان من المفترض أن يتلذذ ويصر على فعل كل ما هو مخجل ومشين في هذا الشأن. ولا يعني ذلك أنه كان يتظاهر، أو يدعي، أو لا يعني ما يفعله ، وإنما هو ينفذ بالفعل، ويعني ما يفعله. كانت روز تعلم ذلك، كما كانت تعلم كل شيء آخر عنه.
أخذت تفكر منذ ذلك الحين في جرائم القتل والقتلة. هل يجب ارتكاب جريمة القتل في النهاية، لكي تحدث أثرا، بمعنى أن تثبت للضحية - التي لن تستطيع إبلاغ الآخرين بما تعلمته ولكنها تعانيه فقط - أن مثل هذه الأمور يمكن أن تحدث، وأنه ما من شيء مستحيل، وأن أبشع السلوكيات يمكن تبريرها، ويمكن إيجاد المشاعر التي تتلاءم معها؟
Unknown page