كان يجب أن أنتبه إلى أنني أرتكب تناقضا واضحا من خلال عملي في وظيفة طبيب تحليل نفسي، في التعامل مع النفس البشرية التي لا يمكن مطلقا رؤيتها بالعين المجردة. إن الجراحة هي أكثر فروع الطب وضوحا وشفافية، والطبيب من خلال التدريب والصقل التقني فقط، يستخدم أدواته في استئصال بؤرة المرض وينتهي الأمر. ولكن الطب النفسي من خلال التعامل مع الروح لا يمتلك أدوات إلا مجرد أدوات روحية فقط، وحتى وجهة النظر التي تتعامل مع مريض معافى البدن على أنه حالة خاصة ضد التعميم، لا تزيد على مجرد اختلاف في الدرجة فقط.
لقد انحرف الحديث قليلا، لأرجع بالحديث إلى ريوئتشي؛ كان كلما غرق في السكر أصبح في حالة بائسة وبدأ يشكو مر الشكوى من «ريكو» بلا توقف. إنه يحب «ريكو» بالتأكيد. ومع أن حب «ريكو» له أيضا أمر مؤكد (بخصوص هذه النقطة يتبقى شكوك قليلة داخلي أنا كطبيب تحليل نفسي)، ولكنه لا يستطيع مهما فعل التأكد من حبها له عبر جسدها، ويفشل مهما لاحقه إلى ما لا نهاية. ولكن هل يدعوه ذلك إلى أن يضجر منها؟ كلا، على العكس، يصبح أكثر تشبثا بها وتجره معها إلى حيث تذهب. «لم أشعر حتى الآن أن ثمة امرأة تجرني معها بتلك الطريقة كأنني أجر لأسقط في هوة سحيقة.»
إن تلك الكلمة التي قالها ريوئتشي تحتوي، في الواقع، على حس واقعي غريب.
وكما كررت مرارا؛ لست معنيا بالرد على الاستشارات العاطفية للناس، ولكن هكذا أصبح إنسانا كان، حتى صباح اليوم، مجرد شخص غريب لا أعرفه، يبوح لي بما في أعماق قلبه، ويصبح من الصعب عدم إظهار حميمية زائدة تجاهه. وأثناء سماعي له، تعاظم لدي تخمين محتواه: «ألا يكون سبب برود «ريكو» الجنسي وحيلها السيئة النية تلك، هو موقف ريوئتشي بعدم وعدها مطلقا بالزواج بسبب أنها لم تكن عذراء؟» ولكنني مع ذلك لم يصل يقيني إلى أنه لو تزوج ريوئتشي من «ريكو» غدا ستحل كل مشاكلها. ولا يجب مطلقا أن تتدخل مشاعري الشخصية في هذا الأمر، ولكن قلبي كان يشعر أنني إن جعلت ريوئتشي يتزوج ريكو، ثم تفاقمت حالتها سوءا؛ فإنها ستكون مشكلة كبرى، ومع الحذر الواجب علي كطبيب، فإنه من جانب آخر كان داخلي مشاعر تعمل خفية على عدم السماح لهما بالزواج. ولم يكن أمامي في النهاية إلا أن أقنع ريوئتشي أن يترك ريكو تواصل العلاج معي لفترة من الوقت.
12
في اليوم التالي ، ظهرت «ريكو » التي لم أكن أتخيل أنها ستأتي، في موعدها تماما دون تأخير. واستطعت أن أرشدها إلى غرفة التحليل النفسي بعد أن استعدت هدوئي تماما خلال الليل، وحرصت على كتمان ما حدث أمس تماما.
للحظة، هاج صدري متخيلا خيالات غريبة؛ إذ رأيت عينيها الجميلتين، في المعتاد، حمراوين؛ لأنها لم تنم ليلة أمس تقريبا. في العادة من غير المستحب دخول المريض غرفة التحليل النفسي بتلك الظروف الجسمانية السيئة، ولكن الأمر يختلف من شخص لآخر، وعندما رأيت رجفة «ريكو» تتوقف في اللحظة التي دخلت فيها غرفة التحليل النفسي هذا الصباح، على العكس، أدركت أنها بدأت تتعود على العلاج لأول مرة بعد مرورها بتلك البلبلة الفكرية.
بعد أن رقدت «ريكو» على المقعد نزعت الشال عن عنقها، وفتحت زر بدلتها عند الصدر فعرت المثلث الأبيض من صدرها، ثم قالت وهي تزحف بأصابعها الجميلة من هناك حتى عنقها: «آه، إنني أرتاح بمجرد مجيئي إلى هنا. لم يسبق لي يا دكتور أن اشتقت إلى العلاج مثل اليوم. أعتقد أنه ما من مكان في العالم كله يجعلني أستريح حقا؛ بدنيا ومعنويا، إلا على هذا الكرسي.» «ولكنني كنت أعتقد أنه بالنسبة لك يشبه كرسي الإعدام بالصعق الكهربائي.»
وعلى العكس أجابت ريكو على مزاحي اللاذع بنبرة صوت جادة قائلة: «حقا يا دكتور! إن هذا هو السبب. الإنسان الذي ارتكب ذنوبا فوق ذنوب، يرتاح في النهاية على كرسي الصعق الكهربائي، أليس كذلك؟»
كان من الواضح أنها تملك بالفعل وعيا ذاتيا بالذنب، ولكنني قررت قرارا حاسما؛ هو ألا أبدأ من نفسي الكلام عما حدث أمس.
Unknown page