بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْحَمد لله المتفضل بنعمه المتطول بأياديه ومننه الَّذِي خص من شَاءَ بهدايته من غير حَاجَة ومنعها من شَاءَ من غير نقص وَلَا آفَة
أوجد الْمَخْلُوقَات بقدرته وأتقنها بِعِلْمِهِ ودبرها على حسب إِرَادَته ومشيئته
ودلت بدائعه على حكمته وَشهِدت صنائعه بعزته وعظمته فَكل مفطور شَاهد بوحدانيته وكل مَخْلُوق دَال على إلاهيته وربوبيته متوحد بِصِفَات الْعُلُوّ والتوحيد والتعظيم فِي أزله مُنْفَرد بأسمائه فِي قدسه مقدس عَن الْحَاجَات مبرأ عَن العاهات منزه عَن وُجُوه النَّقْص والآفات متعال عَن أَن يُوصف بالجوارح والآلات والأدوات والسكون والحركات والدواعي
1 / 33
والخطرات بل هُوَ الْأَعْلَى عَن جَمِيع من فِي الأَرْض وَالسَّمَوَات
لَا يَلِيق بِهِ الْحُدُود والنهايات وَلَا يجوز عَلَيْهِ الألوان والمماسات وَلَا يجْرِي عَلَيْهِ الْأَزْمَان والأوقات وَلَا يلْحقهُ النقائض والزيادات
مَوْجُود بِلَا حد مَوْصُوف بِلَا كَيفَ مَذْكُور بِلَا أَيْن معبود بِلَا شبه
لَا تتصوره الأوهام وَلَا تقدره الأفهام وَلَا يُحِيط بكنه عَظمته الدَّلَائِل والأعلام
خلق مَا خلق أنواعا مُتَفَرِّقَة وأجناسا متفقة فَدلَّ بهَا أولي الْأَلْبَاب على أَنه خَارج عَن كل نوع وجنس بعيد عَن مشابهة كل شَيْء بشكل وشكل
ونحمده على نعمه عودا وبدءا ونشكره على فواضله أَولا وآخرا ونستعصمه من الْخَطَأ والزلل ونستوقفه لأَرْشَد القَوْل وَالْعَمَل ونستعينه على إتْمَام مَا ابْتَدَأَ بِهِ من فَضله وَرَحمته ونشهد لَهُ بِالتَّوْحِيدِ والتفرد بإنشاء المخترعات على اختلافها نفعا وضرا وَعَطَاء ومنعا وَخيرا وشرا وَأَن جَمِيع ذَلِك الْعدْل من فَضله والقسط من تَقْدِيره وتدبيره
1 / 34
ونشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وصفوته وَخيرته أرْسلهُ بِالْحَقِّ إِلَى الْخلق بشيرا وَنَذِيرا صَادِقا أَمينا فَقطع بِهِ الْعذر وأكمل الْحجَّة وَختم الرسَالَة ﷺ خَاصَّة وعَلى النَّبِيين وَالْمُرْسلِينَ وَالْمَلَائِكَة المقربين وعَلى جَمِيع المطيعين لَهُ عَامَّة وَسلم تَسْلِيمًا
1 / 35
فصل
أما بعد فقد وفقت أسعدكم الله بمطلوبكم ووفقنا الْإِتْمَام بِمَا ابتدأنا بِهِ على تحري النصح وَالصَّوَاب إِلَى إملاء كتاب نذْكر فِيهِ مَا اشْتهر من الْأَحَادِيث المروية عَن رَسُول الله ﷺ مِمَّا يُوهم ظَاهره التَّشْبِيه مِمَّا يتسلق بِهِ الْمُلْحِدُونَ على الطعْن فِي الدّين وخصوا بتقبيح ذَلِك الطَّائِفَة الَّتِي هِيَ الظَّاهِرَة بِالْحَقِّ لِسَانا وبيانا وقهرا وعلوا وإمكانا الطاهرة عقائدها من شوائب الأباطيل وشوائب الْبدع والأهواء الْفَاسِدَة وَهِي الْمَعْرُوفَة بِأَنَّهَا أَصْحَاب الحَدِيث وهم فرقتان
١ - فرقة مِنْهَا هِيَ أهل النَّقْل وَالرِّوَايَة الَّذين تشتد عنايتهم بِنَقْل السّنَن وتتوفر دواعيهم على تَحْصِيل طرقها وَحصر أسانيدها والتمييز بَين صحيحها وسقيمها فيغلب عَلَيْهِم ذَلِك ويعرفون بِهِ وينسبون إِلَيْهِ
٢ - وَفرْقَة مِنْهُم يغلب عَلَيْهِم تَحْقِيق طرق النّظر والمقاييس والإبانة عَن تَرْتِيب الْفُرُوع على الْأُصُول وَنفي شبه الملبسين عَنْهَا وإيضاح وُجُوه الْحجَج والبراهين على حقائقها
1 / 37
فالفرقة الأولى للدّين كالخزنة للْملك والفرقه الْأُخْرَى كالبطارقة الَّتِي تذب عَن خَزَائِن الْملك الْمُعْتَرض عَلَيْهَا والمتعرضين لَهَا وذكرتم أَن أهل الْبدع من أَصْحَاب الْأَهْوَاء الْفَاسِدَة العادلة لَهُ من مناهج الْكتاب وَالسّنة نَحْو
الْجَهْمِية والمعتزلة والخوارج والرافضة
1 / 38
والجسمية وَمن ناصب هَذِه الْفرْقَة بالعدواة من سَائِر أهل الْأَهْوَاء الْبَاطِلَة تقصد دَائِما تهجين هَذِه الْعِصَابَة بِنَقْل أَمْثَال هَذِه الْأَخْبَار وتروم بذلك التلبيس على الضُّعَفَاء لتوهمهم أَنَّهَا تنقل مَالا يَلِيق بِالتَّوْحِيدِ وَلَا يَصح فِي الدّين وتظن أَن هَذِه الْفرْقَة احتملت ذَلِك لإعتقادها حقائق مَعَاني هَذِه الْأَلْفَاظ على حسب الْمَعْهُود من أَحْوَال الْخلق الْمَعْرُوف من صفاتهم وجوارحهم وأدواتهم واشتغلت بذلك وَهِي ذَاهِبَة عَن مَعَانِيهَا غافلة عَن الْمَقَاصِد فِيهَا فرمتها بِكفْر التَّشْبِيه وبفعلة أهل الْإِلْحَاد والتعطيل جاهلة أَنَّهَا إِنَّمَا نقلت مَا وعت عَن رسولها وروت مَا سَمِعت عَن الْعُدُول عَن النَّبِي ﷺ وَقد اعتقدت أصُول الدّين وحقائق التَّوْحِيد بدلائل الْعُقُول والسمع فروت ذَلِك على مُوَافقَة أُصُولهَا ومعاضدة مَا شهِدت الْبَرَاهِين بِصِحَّتِهَا
وَإِنَّمَا حمل هَؤُلَاءِ المبتدعة على هَذَا التهجين وَالْإِنْكَار على هَذِه الطَّائِفَة بِنَقْل مَا نقل من ذَلِك مَا حمل الملحدة والمعطلة على إِنْكَار كتاب الله تَعَالَى اعتراضا مِنْهُم
1 / 39
عَلَيْهِ بِذكر بعض مَا ذهبت عَن معرفه مَعَانِيهَا وخفائها من آيَاته المتشابهة
وَذَلِكَ أَن آي الْكتاب قِسْمَانِ
فقسم هُوَ مُحكم تَأْوِيله بتنزيله يفهم المُرَاد مِنْهُ بِظَاهِرِهِ وذاته
وَقسم لَا يُوقف على مَعْنَاهُ إِلَّا بِالرَّدِّ إِلَى الْمُحكم وانتزاع وَجه تَأْوِيله مِنْهُ
1 / 40
فَكَذَلِك أَخْبَار الرَّسُول ﷺ جَارِيَة هَذَا المجرى ومنزلة على هَذَا التَّنْزِيل فَمِنْهَا الْكَلَام الْبَين المستقل فِي بَيَانه بِذَاتِهِ
1 / 42
وَمِنْهَا المفتقر فِي بَيَانه إِلَى غَيره وَذَلِكَ على حسب عَادَة الْعَرَب فِي خطابها وَعرف أهل اللُّغَة فِي بَيَانهَا إِذْ لم يكن كل خطابهم جليا بَينا مستغنيا عَن بَيَان وَتَفْسِير وَلَا كُله خفِيا مستحيلا يحْتَاج إِلَى بَيَان وَتَفْسِير من غَيره
فَإِذا كَانَت دَلَائِل الْعقل الله تَعَالَى على مَا فطر عَلَيْهَا الْعُقُول منقسمة فَكَذَلِك دَلَائِل السّمع منقسمة
وكما لم يعْتَرض مَا خَفِي من دَلَائِل على مَا تجلى مِنْهَا حَتَّى يسْقط دَلَائِل الْعُقُول راسا فَكَذَلِك مَا خَفِي من دَلَائِل السّمع لَا يعْتَرض على مَا تجلى مِنْهَا وَإِنَّمَا أَرَادَ الله ﷿ أَن يرفع الَّذين أُوتُوا الْعلم بخصائص رَفعه ودرجات فِيهَا يبين حَالهم بهَا عَمَّن لم ينعم عَلَيْهِ بِمِثْلِهَا فَإِذا كَانَت دَلَائِل الْعُقُول صَحِيحَة مَعَ تفاوتها فِي الْجَلِيّ والخفي عِنْد أَكثر الملحدة فَكَذَلِك دَلَائِل الله ﷿ فِيمَا دلّت عَلَيْهِ من الْأَحْكَام والأوصاف ونعوت الْخَالِق والخلق وَكَذَلِكَ كَون تنويع دَلَائِل السّمع الَّذِي هُوَ السّنَن متنوعة لَا يُبْطِلهَا جهل الْجَاهِل بمعانيها
وَهَذِه الْمُقدمَة تكشف لَك عَن جَهَالَة المبتدعة فِي إعتراضهم أهل النَّقْل عَن أَصْحَابنَا فِي نقل هَذِه الْأَخْبَار فتوضح لَك أَن قَود هَذِه الْمقَالة يجر الْقَائِل بِهِ وَالْقَائِل لَهُ إِلَى أبطال الْكتاب بِمثل مَا أبطل بِهِ السّنة
1 / 43
وَإنَّهُ مَتى زعم أَن للآي المتشابهة الَّتِي وَردت فِي الْكتاب معنى وطرقا من جِهَة اللُّغَة تنزل عَلَيْهَا وتصحح بهَا من حَيْثُ لَا يُؤَدِّي إِلَى شُبْهَة وَلَا إِلَى تَعْطِيل فَكَذَلِك سَبِيل هَذِه الْأَخْبَار والتطرق إِلَى تَنْزِيل مَعَانِيهَا وَتَصْحِيح وجوهها على الْوَجْه الَّذِي يخرج عَن التَّشْبِيه والتعطيل كَذَلِك لم يبْق إِلَّا أَن هَؤُلَاءِ المبتدعة إِنَّمَا تقصد بِهَذَا التهجين الْكَشْف مِمَّا تستره من العقائد الردية فِي هَذِه الطَّائِفَة الطاهرة الَّتِي هِيَ بِالْحَقِّ ظَاهِرَة سَبِيل اعْتِرَاض الملحدة أجاوبني
وَأما مَا كَانَ من نوع الْآحَاد مِمَّا صحت الْحجَّة بِهِ من طَرِيق وثَاقه النقلَة وعدالة الروَاة وإتصال نقلهم فَإِن ذَلِك وَإِن لم يُوجب الْعلم وَالْقطع فَإِنَّهُ يَقْتَضِي غَالب ظن وتجويز حكم حَتَّى يَصح أَن يحكم أَنه من بَاب الْجَائِز الْمُمكن دون المستحيل الْمُمْتَنع
وَإِذا كَانَت ثَمَرَة مَا جرى هَذَا المجرى من الْأَخْبَار مَا ذَكرْنَاهُ فقد حصلت بِهِ فَائِدَة عَظِيمَة لَا يُمكن التَّوَصُّل إِلَيْهَا إِلَّا بِهِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَن يكون الإشتغال بتأويله وأيضاح وَجهه مُرَتبا على مَا يَصح وَيجوز فِي أَوْصَافه جلّ ذكره مَحْمُولا على الْوَجْه الَّذِي نبينه من غير اقْتِضَاء تَشْبِيه أَو إِضَافَة إِلَى مَا لَا يَلِيق بِاللَّه جلّ ذكره إِلَيْهِ فعلى ذَلِك تجْرِي مَرَاتِب هَذِه الْأَخْبَار وطرق تَأْوِيلهَا فاعلمه إِن شَاءَ الله تَعَالَى
1 / 44
ذكر خبر مِمَّا يَقْتَضِي التَّأْوِيل ويوهم ظَاهره التَّشْبِيه
وَهُوَ حَدِيث الصُّورَة وَبَيَان تَأْوِيله فَمن أَقسَام الرُّتْبَة الأولى من هَذِه الْأَخْبَار مِمَّا يدْخل فِي بَاب المستفيض الَّذِي تَلقاهُ أهل الْعلم بِالْقبُولِ وَلم يُنكره مِنْهُم مُنكر وَهُوَ حَدِيث الصُّورَة
وَقد رُوِيَ ذَلِك على وَجْهَيْن فِي بعض الْأَخْبَار وَهُوَ قَوْله ﵇
إِن الله خلق آدم على صورته
وَلَا خلاف بَين أهل الْعلم وَالنَّقْل فِي صِحَة ذَلِك
1 / 45
وَقد رُوِيَ أَيْضا إِن الله خلق آدم على صُورَة الرَّحْمَن وَأهل النَّقْل أَكْثَرهم على إِنْكَار ذَلِك وعَلى أَنه غلط وَقع من طَرِيق التَّأْوِيل لبَعض النقلَة فَتوهم أَن الْهَاء يرجع إِلَى الله تَعَالَى فَنقل على الْمَعْنى على مَا كَانَ عِنْده فِي أَن الْكِنَايَة ترجع إِلَى الله تَعَالَى
وَقد رُوِيَ فِي بعض أَحَادِيث عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس وَفِي حَدِيث أم الطُّفَيْل وَغَيره عَن النَّبِي ﷺ إِطْلَاق لفظ الصُّورَة على وَجه آخر وَهُوَ قَوْله ﵇
1 / 46
رَأَيْت رَبِّي فِي أحسن صُورَة // أخرجه التِّرْمِذِيّ //
1 / 47
بَيَان تَأْوِيل ذَلِك
فَأَما قَوْله ﵇ خلق آدم على صورته فقد تَأَوَّلَه المتأولون من أهل الْعلم على وُجُوه كَثِيرَة سنذكرها ثمَّ نزيد فِيهَا مَا وَقع لنا فِي تَأْوِيله مِمَّا يُوَافق تأويلهم وَبَين خطأ من ذهب عَن وَجهه الصَّوَاب فِي تَأْوِيله وَأظْهر وُجُوه التَّأْوِيل فِي ذَلِك
وَمِمَّا قيل إِن هَذَا الْخَبَر خرج على سَبَب وَذَلِكَ أَن النَّبِي ﷺ مر بِرَجُل يضْرب ابْنه أَو عَبده فِي وَجهه لطما وَيَقُول قبح الله وَجهك وَوجه من أشبه وَجهك
فَقَالَ ﷺ
إِذا ضرب أحدكُم عَبده فليتق الْوَجْه فَإِن الله خلق آدم على صورته // أخرجه البُخَارِيّ //
1 / 48
وَقد نقل الناقلون هَذِه الْقِصَّة مَعَ هَذِه اللَّفْظَة من الطّرق الصَّحِيحَة وَإِنَّمَا ترك بعض الروَاة بعض الْخَبَر إختصارا على مَا يذكر مِنْهُ للدلالة على مَا يحذف إِذا كَانَت الْقِصَّة عِنْده مَشْهُورَة مضبوطة بِنَقْل الْإِثْبَات لِأَن أَكثر الْغَرَض عِنْدهم الْأَسَانِيد دون الْمُتُون فَلذَلِك ترك بَعضهم ذكر السَّبَب فِيهِ
فَالْأولى أَن يحمل الْمُخْتَصر من ذَلِك على الْمُفَسّر حَتَّى يَزُول الْإِشْكَال وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِي ﷺ لَهُ ذَلِك لِأَنَّهُ سَمعه يَقُول
قبح الله وَجهك وَوجه من أشبه وَجهك وَذَلِكَ سبّ للأنبياء وَلِلْمُؤْمنِينَ فزجره عَن ذَلِك
وَخص آدم بِالذكر لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي ابتدئت خلقَة وَجهه على الْحَد الَّذِي يحتذى عَلَيْهَا من بعده كَأَنَّهُ ينبهه على أَنَّك قد سببت آدم وَمن ولد مُبَالغَة فِي الردع لَهُ عَن مثله وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَهَذَا وَجه ظَاهر وَالْهَاء كِنَايَة عَن الضَّرْب فِي وَجهه وَلَا شُبْهَة فِيهِ
1 / 49
وَالْوَجْه الآخر مِمَّا تَأَوَّلَه عَلَيْهِ النَّاس أَن الْكِنَايَة فِي قَوْله صورته ترجع إِلَى آدم وَذَلِكَ يَنْقَسِم إِلَى وُجُوه
أَحدهَا أَن يكون مَعْنَاهُ وَفَائِدَة تعريفنا نعْمَة الله تَعَالَى على أَبينَا آدم ﵇ أَن فَضله بِأَن خلقه بِيَدِهِ وَأَسْكَنَهُ جنته وأسجد لَهُ مَلَائكَته وَعلمه مَا لم يُعلمهُ أحدا قبله من الْأَسْمَاء والأوصاف ثمَّ عَصَاهُ وَخَالفهُ فَلم يُعَاقِبهُ على ذَلِك
1 / 50
بِسَائِر مَا عاقب بِهِ الْمُخَالفين لَهُ فِي نَحوه وَذَلِكَ أَنه رُوِيَ فِي الْخَبَر أَنه أخرج آدم من الْجنَّة وَأخرج مَعَه الْحَيَّة والطاووس فعاقب الْحَيَّة بِأَن شوه خلقهَا وسلبها قَوَائِمهَا وَجعل أكلهَا من التُّرَاب وشوه رجْلي الطاووس وَلم يشوه خلقَة آدم بل أبقى لَهُ حسن الصُّورَة وَلم يَجْعَل عُقُوبَته فِي ذَلِك
1 / 51
فَعرفنَا ﷺ بذلك أَن أَبَاكُم آدم ﵇ كَانَ فِي الْجنَّة على الصُّورَة الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا لم يُغير الله خلقته وَتَكون فَائِدَة ذَلِك تعريفنا الْفرق بَينه وَبَين سَائِر من أخرجه من الْجنَّة مَعَه وإبانته مِنْهُم فِي الرُّتْبَة والدرجة وَهَذِه فَائِدَة لَا يُمكن الْوُقُوف عَلَيْهَا إِلَّا بِخَبَر الصَّادِق
وَالْوَجْه الثَّانِي من ذَلِك إِذا قُلْنَا إِن الْهَاء يرجع إِلَى آدم فسبيله أَن النَّبِي ﵇ أفادنا إبِْطَال قَول أهل الذِّمَّة أَنه لم يكن إِنْسَان إِلَّا من نُطْفَة وَلَا نُطْفَة إِلَّا من إِنْسَان فِيمَا مضى وَيَأْتِي لَيْسَ لذَلِك أول وَلَا آخر وَأَن النَّاس إِنَّمَا ينتقلون من نشوء على تَرْتِيب مُعْتَاد وَإِن كَانَ ذَلِك أبدا كَانَ كَذَلِك فَعرفنَا ﷺ بتكذيبهم وَأَن أول الْبشر آدم ﵇ خلق على صورته الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا وعَلى الْهَيْئَة الَّتِي شوهد عَلَيْهَا من غير أَن كَانَ من نُطْفَة قبله أَو عَن تناسل أَو تنقل من صغر إِلَى كبر كالمعهود من أَحْوَال أَوْلَاده فَأَما مَا دلّت عَلَيْهِ دَلَائِل الْعُقُول من كَون هَذَا الْعَالم ذَا ابْتِدَاء وإنتهاء
وَأفَاد بِهِ مَا لَا يُوصل إِلَيْهِ إِلَّا بِالسَّمْعِ إِلَّا أَن الأَصْل الَّذِي هُوَ مِنْهُ توالدنا لم يكن عَن توالد قبله بل خلق كَمَا كَانَ عَلَيْهِ وَهُوَ آدم ﵇ خلقه الله ﷿ من صلصال كالفخار ثمَّ خلق فِيهِ الرّوح وَلم يكن قطّ فِي صلب وَلَا رحم وَلَا كَانَ علقَة وَلَا مُضْغَة وَلَا مراهقا وَلَا طفْلا بل خلق ابْتِدَاء بشرا سويا كَمَا شوهد // أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم
1 / 52
وعهد
وَالْوَجْه الثَّالِث من وُجُوه هَذَا التَّأْوِيل فِي الرُّجُوع بِالْهَاءِ إِلَى آدم ﵇ على مَا ذهب إِلَيْهِ بَعضهم فِي تَأْوِيله وَهُوَ أَنه أفادنا ﷺ أَن الله ﷿ خلق آدم على الصُّورَة الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا من غير أَن كَانَ ذَلِك حَادِثا أَو شَيْئا مِنْهُ عَن توليد عنصر أَو تَأْثِير طبع أَو فلك أَو ليل أَو نَهَار إبطالا لقَوْل الطبائعيين
إِن بعض مَا عَلَيْهِ آدم ﵇ من هَيْئَة وَصُورَة لم يخلقه الله ﷿ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك من فعل الطَّبْع أَو تَأْثِير الْفلك // أخرج عبد الرزاق //
1 / 53
فنبه بذلك على أَن الله تَعَالَى هُوَ الْخَالِق لآدَم ﵇ على مَا كَانَ فِيهِ من الصُّورَة والتراكيب والهيئات لم يُشَارِكهُ فِي خلق صُورَة من صوره أَو هَيْئَة من هيئاته أحد سواهُ فاستفدنا بذلك بطلَان قَول من قَالَ بتوليد الطَّبْع وإيجابه وتأثير الْفلك وتغييره
وَخص آدم ﵇ بِالذكر تَنْبِيها على أَن من شَاركهُ من الْمَخْلُوقَات فِي مَعْنَاهُ وَهَذِه طَريقَة للْعَرَب فِي التفهيم تذكرا على مَا فِي هَذَا الْبَاب للدلالة على الْأَدْنَى
فَإِذا عرف أَن صُورَة آدم وتركيبه وهيئته لم يخلقها أحد إِلَّا الله ﷿ علم سَائِر المصورات من أودلاه وَغَيرهم فَحكمهَا كَذَلِك
وَقَالَ بَعضهم الْهَاء يرجع إِلَى بعض الْمَشَاهِير من النَّاس والفائدة فِي الْخَبَر يعرفنا أَن صُورَة آدم ﵇ كَانَت كهذه الصُّورَة إبطالا لقَوْل من زعم أَنَّهَا
1 / 54