Mukhtarat Qisasiyya Li Yukiyo Mishima
البحر والغروب وقصص أخرى: مختارات قصصية ليوكيو ميشيما
Genres
يلمع العرق الذي ظهر نضحا على جبين زوجها. أغمض الزوج عينيه، ثم فتحهما وكأنه يختبرهما. فقدت عيونه بريقها المعتاد، وتبدو بريئة جوفاء مثل عيون حيوانات صغيرة.
تلمع الآلام مثل شمس الصيف المتوهجة أمام أعين ريكو، دون اعتبار لحزنها المؤلم الذي يكاد يقسم جسدها إلى نصفين. تزيد الآلام من قامتها أكثر وأكثر، ترتفع وتمتد. شعرت ريكو أن زوجها قد أصبح بالفعل شخصا من عالم مختلف، وأعيد وجوده كله إلى الآلام، وأصبح سجينا في قفص من الآلام لو مدت يديها لا تستطيع لمسه. بل المؤسف أن ريكو لا تتألم. الحزن والأسى لا يؤلم. عندما تفكر في ذلك، تشعر ريكو وكأن شخصا ما أقام بينها وزوجها حائطا زجاجيا عاليا يحجز المشاعر.
منذ زواجهما ووجود زوجها يعني وجودها، وتنفس زوجها هو أيضا تنفسها، ولكن الآن، ورغم وجود زوجها الواضح في الآلام، فإن ريكو في وسط الحزن والأسى لا تستطيع أن تمسك ولو بدليل واحد مؤكد على وجودها.
حاول الزوج جذب يده اليمنى ولفها، ولكن التفت الأمعاء حول نصل السيف وبسبب قوة المقاومة اللينة لها. ارتد نصل السيف؛ ولذا علم أنه لا بد من دفع السيف بكلتا يديه إلى أعمق أعماق البطن ثم يجذبه ليديره. أداره، ولكن السيف لا يقطع كما كان يتوقع. وضع الزوج كل قوته في يده اليمنى وجذب السيف. قطع حوالي ثلاثة أو أربع بوصات.
انتشرت الآلام تدريجيا من داخل أعماق البطن، وصارت البطن بأكملها وكأنها تئن برنين مدو. وكان كأنه ناقوس ضرب بهمجية، مع كل نفس يتنفسه، ومع كل دقة نبض تنبض، تضرب الآلام آلاف النواقيس في وقت واحد، وتهز كيانه وجوده كله. صار الزوج لا يقدر على السيطرة على تأوهاته أكثر من ذلك. لكن عندما نظر فجأة ووجد أن السيف قد قطع حتى وصل إلى أسفل السرة بالفعل، شعر بالرضا والشجاعة.
بدأت الدماء تدريجيا تندفع من الجرح بغزارة مع النبض. تبلل الحصير الذي أمامه محمرا بالدماء المندفعة، وسقط الدم من ثنية السروال ذي اللون الكاكي، بعد أن تجمع فيها. وفي النهاية وصلت نقطة دم طائرة مثل العصفور الصغير، لتصل إلى ركبة رداء ريكو الأبيض البعيد.
عندما أدار الزوج السيف حتى جنب البطن الأيمن، كان نصله قد أصبح أقل عمقا، وظهر جسم السيف المنزلق بين الدماء والدهون. هجمت على الزوج نوبة قيء؛ فصرخ صرخة مبحوحة. مزج القيء الآلام أكثر، والبطن التي كانت حتى الآن صلدة متماسكة، ضربتها الموجات فجأة، وتوسع الجرح، وكأن فتحة الجرح تتقيء بكل عزمها، فقفزت الأمعاء خارجة منها، وكأنها لا تحس ولا تعرف بآلام صاحبها؛ إذ كانت في صحة جيدة وحيوية عالية لدرجة مثيرة، فانزلقت خارجة في فرح وسعادة مغرقة ما بين فخذيه. نظر الزوج لأسفل، وهو يتنفس بكتفه، فاتحا عينيه قليلا، ويتدلى من فمه خيط من اللعاب. وفي الكتف يلمع اللون الذهبي لنيشان الكتف.
تبعثرت الدماء هنا وهناك، وغرق الزوج في وسط بركة دمائه التي وصلت حتى ركبتيه، وهناك وضع إحدى يديه وسقط منهارا. الرائحة العطنة النفاذة تملأ أركان الغرفة، وتظهر بوضوح على الكتف حركة تكراره للقيء وهو منحن للأمام، وكأن الأمعاء قد طردته للخارج. كان السيف قد ظهر كله بما في ذلك النصل، والزوج ما زال قابضا عليه بيده اليمنى.
هيئة الزوج وقتها وقد تقوس ظهره للخلف كانت في غاية البطولة لدرجة لا مثيل لها. ولأنه انحنى للخلف بشكل مفاجئ وعنيف للغاية، فقد سمع بوضوح صوت ارتطام مؤخرة رأسه بعمود الغرفة. ولأن ريكو حتى ذلك الوقت كانت خافضة وجهها، تتأمل بتركيز سيل الدماء المقترب من ركبتيها، فقد تفاجأت لذلك الصوت ورفعت وجهها.
لم يعد وجه الزوج وجه إنسان حي؛ فالعين تقعرت، والبشرة جفت، وتلك الخدود والشفاه التي كانت في منتهى الجمال، تحولت إلى لون الطين المتيبس. ولكن اليد اليمنى التي تقبض على السيف وكأنه أثقل ما يمكن، هي فقط، تتحرك طائشة في الهواء مثل العرائس المتحركة، وتحاول أن تضع نصل السيف أسفل العنق. وهكذا كانت ريكو تتأمل وهي ترى بوضوح، آخر جهود زوجها العقيمة، وأكثرها معاناة. نصل السيف الذي يلمع من الدماء، والشحم يحاول أكثر من مرة الوصول إلى العنق، ثم يخفق. لم تعد توجد بالفعل القوة الكافية؛ النصل الذي أخفق يرتطم بالياقة، أو يصيب النيشان. ورغم أن الهوك مفكوك فإن الزي العسكري الصلد، يضيق؛ ليحمي العنق من نصل السيف.
Unknown page