Muhawarat Alfred North Whitehead

Mahmud Mahmud d. 1450 AH
76

Muhawarat Alfred North Whitehead

محاورات ألفرد نورث هوايتهد

Genres

فعلقت بقولي: «حدث في هذا البلد زحف ضخم مفاجئ نحو التعليم بعد الحرب العالمية، واستمر هذا الزحف منذ ذلك الحين. ولما حل عام 1926م أصبح الزحف شاملا، واستمر في سنوات الأزمة الاقتصادية، ومع انتشار التعليم زاد اعتبار المعلم.»

فقال هوايتهد: «في أوائل القرن التاسع عشر بأمريكا - كما فهمت - كان المعلم والدارس والأستاذ في مكانة مرموقة، كانوا موحدين، تحيط بهم هالة من رهبة الدين. ولما تقدم القرن زالت هذه الهالة؛ فإن التوحيد كان دينا لا يدعو إلى إله واحد وإنما يدعو إلى «إله واحد على الأكثر» بل إلى «إله واحد» إذا كان ذلك.»

قلت: «زد على ذلك أن القارة كانت مفتوحة، فتكون إحساس في نهاية القرن بأن الرجل إذا كان رجلا كما ينبغي له أن يكون، فلا بد له من جمع الثروة، وهذا ما دعا وليام جيمس إلى أن يسمي النجاح «الكلبة المؤلهة» غير أن هذه العبارة لا تسود الآن كما كانت في ذلك الحين.»

وقالت مسز هوايتهد: «لا يزال في كلياتكم «هاربون» من الحياة العملية.» - «لست أنكر ذلك، ولكن رجالا من ذوي الكفايات الممتازة لا يحترفون اليوم مهنة التعليم فحسب، وإنما يلقون احتراما كذلك من أجل هذا.»

وحفزتني فقرة في مقال هوايتهد «نداء إلى العقل» إلى أن أعود إلى السؤال عما إذا كانت إحدى الولايات قد صرحت بالتعبير الكافي عن الدوافع الخلاقة عند الإنسان. إننا نرى رؤساء الولايات بين الحين والحين - برغم إنسانيتهم - لا يعملون وفقا لدافع الخلق والابتكار عند المجتمع، وإنما وفقا لغرائز التملك فيه. - «كان هربرت هوفر باعتباره من طائفة الأصحاب، يطعم الأطفال البلجيكيين باللبن، وقد أمر هربرت هوفر باعتباره رئيسا للولايات المتحدة بإلقاء القنابل المسيلة للدموع على المحاربين القدماء من جيش المنتفعين لطردهم من واشنطن. فما هذا التناقض البعيد المدى؟»

فقال هوايتهد: «إن تقديم اللبن للأطفال البلجيكيين لا يعني قطعا توافر العواطف الإنسانية لديه، إنما كان ذلك عملا تنظيميا قضت به العاطفة السائدة في زمانه، عملا لا مفر من أدائه، وقد كلف بالقيام به. نعم إنه من الأصحاب، ولكنه ضيق الخيال، كان عمله في وظيفته الأولى كمهندس أن يستخرج المعادن من المناجم في الداخل حتى من البحر. وأمثال هؤلاء الرجال لا يفكرون في حدود القيم الإنسانية أو رفاهية البشر، إنما تأتي هذه القيم - إن أتت إطلاقا - عرضا في العمل الرئيسي، وهو نقل المعدن من مكانه وطرحه في مكان آخر، ولا تتجه أفكارهم إلا إلى ذلك. فلما اقتضى الأمر طرد جيش المنتفعين من واشنطن، نشأ موقف لا بد من علاجه بحكمة بالغة، وقد أثبت قوة قبضته الفعلية.» - «إذن دعني أذكر لك مثالا آخر، وقع لنا حادث مع المكسيك في عام 1914م؛ ذلك أن أمرا مثيرا قد وقع في ميناء تامبيكو، وكان أول الأمر عراكا، ثم تحول إلى نزاع حول إهانة تتطلب اعتذار المكسيكيين وتحية علمنا، وأخذت الأمور تزداد سوءا؛ فصدرت الأوامر لأسطول شمال الأطلنطيق بالتحرك صوب ساحل المكسيك، واشتعلت نار الشعور العام (أو هكذا على الأقل كان صوت الصحافة) وأمر الرئيس ولسن الأسطول بمهاجمة فيراكروز والاستيلاء عليها، وقد فعل، ومات في سبيل ذلك سبعة عشر فتى؛ ستة عشر من القوة البحرية وأحد البحارة (ومات بعد ذلك ببضعة أيام رجلان متأثرين بجراحهما). وقبل ذلك بست سنوات فقط لم يكن مستر ولسن رئيسا للولايات المتحدة، إنما كان رئيسا لكلية جامعية في برنستن، رجلا إنسانيا مهذبا كأي زميل من زملائك هنا، يحزن إذا مات سبعة عشر طالبا مستجدا في فصله على أثر وباء. وجيء بالجثث إلى فناء الأسطول في بروكلن تحملها طرادة مسلحة، وسارت النعوش مغطاة بالأعلام في أرض الاستعراض في مناسبات مختلفة. وجاء الرئيس من واشنطن ليلقي كلمة التأبين، فقال إنه يغبط هؤلاء الشبان. وكان ولسن الموظف الذي أصدر إليهم الأمر بالهجوم، وكان ولسن الرجل هو الذي ينظر إلى النعوش السبعة عشر. وأذكر أن ذلك كان في شهر مايو من عام 1914م، وهو يتنبأ بالحرب العالمية أكثر من أي إنسان آخر، فلم يكن عالمنا قد قسا قلبه بعد بمرور سنوات عديدة من القتل الجماعي. وكانت أمثال هذه الحوادث تقابل بالشعور العادي؛ فتحطم قلب المستر ولسن. إنما أردت أن أقول إنه كرئيس كان لزاما عليه أن يعمل ممثلا لصالح الملكية الجماعية بطريقة لا يرضى عنها كإنسان. إنما كان جانب من الرجل فقط هو الذي يعمل كرئيس؛ لأن جانبا من الرجل فقط هو الذي تنتظمه الدولة.»

فأجاب هوايتهد بأن الرجال داخل الدولة يتابعون مشروعات عديدة مشتركة تعبر عن أوجه أخرى من طبائعهم؛ تربوية، وخيرية، وخلاقة، وفنية، واجتماعية. وربما كان من وظيفة الدولة حتى الآن أن تهيئ ظروفا من الهدوء الكافي الذي يمكن أن يمارس فيه المرء هذه الضروب المتنوعة من ألوان النشاط. وكثير من هذه الألوان - كالعلم والتربية - أصبحت بالفعل دولية، تتجاوز حدود الولاية.

وكان ما قاله في مقاله «نداء إلى العقل» هو: «إن كل كائن بشري بناء أشد تعقيدا

وخلال مناقشتنا لهذا قال فيما بعد: «ليس واجب الحكومة إرضاء كل إنسان

إن المدنية لا تنهار إذا انحرفت ناحية واحدة كبرى أو ناحيتان من نواحي النشاط، ولكن

Unknown page