Muharribu Kutub Tumbuktu
مهربو كتب تمبكتو: السعي للوصول إلى المدينة التاريخية والسباق من
Genres
الفصل التاسع عشر
مصنع الأساطير
2013-2015
في الأيام التي تلت التصريح المثير لرئيس البلدية سيسيه، تباطأت أنباء الإجلاء في الظهور للعلن. بدا أن لا أحد يريد أن يكشف قبل الأوان الحقيقة المتمثلة في أن كل المخطوطات تقريبا كانت في مأمن. في جامعة كيب تاون، استقبل فريق مشروع مخطوطات تمبكتو مكالمات من صحفيين يبحثون عن تحليل خبير لما قد حدث. دعاهم الأكاديميون إلى توخي الحيطة. فبمجرد أن شاهدوا الصور التلفزيونية الآتية من مبنى أحمد بابا، عرفوا أن جميع الوثائق لم تحرق: فببساطة لم يكن ثمة ما يكفي من الأضرار، ولا ما يكفي من الرماد. وعندما اتصلوا بزملائهم في مالي فوجئوا بأن لا أحد منهم كان من شأنه أن يفسر بالضبط ما قد حدث. تذكرت سوزانا مولينز ليتيراس، التي كانت وقتئذ طالبة دكتوراه تعمل مع المشروع، قائلة: «امتنعوا عن أن يطلعونا على الأمر.» ثم أضافت: «أخبرونا بأن هذا كان لأسباب أمنية، وأن الأمر كان غير آمن على الإطلاق.» بدا لها أنه في ذلك الوقت كان هذا القدر من الحيطة غير ضروري.
ومع ذلك، بدأت معلومات منتقاة تتسرب إلى أولئك الذين كانوا يعرفون حيدرة معرفة جيدة. قال جان-ميشيل دجيان، وهو كاتب فرنسي تخصص في ثقافة غرب أفريقيا، لصحيفة «ذا نيويوركر» في يوم التحرير إن معظم مخطوطات تمبكتو - «نحو خمسين ألفا» - كانت آمنة وإن حيدرة قد نقل أكثر من خمسة عشر ألفا إلى العاصمة قبل شهرين لحمايتها. في وقت لاحق من ذلك الأسبوع، كتب المراسل المخضرم في أفريقيا تريستان ماكونيل مقالا لكل من صحيفة «جلوبال بوست» الرقمية ومجلة «هاربرز» كشف فيهما حيدرة تفاصيل عملية الإجلاء. كتب أن رجل المكتبات كان قد شرع، متعاونا مع «حفنة من المتطوعين»، في إخفاء مخطوطات تمبكتو. كان قد عمل، بمعاونة «خمسة عشر زميلا»، كل ليلة لمدة شهر في وضعها في خزائن، بادئا بمجموعة مما حيدرة ثم منتقلا إلى مجموعات أخرى. كان «أكثر من ألف» صندوق من المخطوطات قد دفنت تحت أرضيات طينية، أو خبئت في خزانات وغرف في منازل خاصة، أو أرسلت عبر النهر. قال حيدرة لماكونيل إنه رفض عروضا بمساعدة إضافية، لأنه لم يرغب في أن يعرف أحد آخر الموضع الذي كانت المخطوطات مخبأة فيه.
عندما أدركت وسائل الإعلام العالمية أن ما كان يعتقد أنه قد دمر كان في الواقع قد حفظ، بدأت جولة جديدة من التغطية الصحفية، وبدأت أعداد المخطوطات التي أجليت في التزايد. بحلول الخامس والعشرين من فبراير، كان الخمسة عشر ألف مخطوطة التي ذكرها دجيان قد صارت، بحسب مجلة «دير شبيجل»، «أكثر من مائتي ألف وثيقة، أو نحو ثمانين بالمائة من [مخطوطات تمبكتو]»، وذلك نقلا عن وزير الخارجية الألمانية كمصدر لها. لاحقا ذكرت وثيقة إحاطة ألمانية أن الرقم هو مائتان وخمسة وثمانون ألفا، بينما في أبريل، في مجلة «ذا نيو ريببلك» الأمريكية، ذكر نقلا عن حيدرة أنه زعم أن «خمسة وتسعين بالمائة تقريبا من مخطوطات المدينة البالغ عددها ثلاثمائة ألف مخطوطة قد وصلت بأمان إلى باماكو.» بحلول عام 2015 كان من شأن نسبة الخمسة والتسعين بالمائة هذه أن تصبح 377491 مخطوطة، شحنت فيما يقرب من 2500 خزانة. لم يكن هذا العدد يشمل الأربعة والعشرين ألفا أو نحو ذلك التي أجليت من مبنى أحمد بابا القديم، وهو ما كان من شأنه أن يصل بالمجموع إلى أكثر من أربعمائة ألف مخطوطة.
في الثالث عشر من مارس، من عام 2013، بعد ستة أسابيع من التحرير، أطلقت دياكيتي حملة جديدة لجمع التبرعات، تحت اسم «تي 160 كيه»: «مكتبات تمبكتو في المنفى»، إلى جانب محاضرة في جامعة أوريجون. (قالت إن تسمية «تي 160 كيه» تشير إلى «المائة والستين ألف مخطوطة الأولى» التي كانت قد أجليت من تمبكتو.) في محاضرتها، تذكرت دياكيتي كيف هب أهل تمبكتو والقرى المحيطة بها لتقديم المساعدة لإنقاذ التراث، في الوقت الذي كانوا يشعرون فيه بالخوف على حياتهم ومستقبلهم، ولا يتلقون أي نوع من الدخل لأن أعمالهم التجارية أو وظائفهم كانت قد انحسرت مع الأزمة. دمعت عيناها تأثرا بقوة القصة. وقالت: «سأبدأ في البكاء في أي لحظة هنا مجددا.» ثم أضافت: «ها قد بدأت.»
تكلمت لمدة خمسين دقيقة - «وهي مدة قصيرة من الوقت لمغامرة بهذه الضخامة»، على حد وصفها - لكنها كانت كافية لها لتكشف النتائج الجديدة المثيرة للاهتمام بشأن المخطوطات. قالت إنه أثناء عملية الإجلاء، كان العاملون قد قاموا بعمل قائمة جرد تقريبية، واكتشفوا للمرة الأولى أن عدد الكتب الدينية في المجموعات كان أدنى بكثير من عدد الأعمال العلمانية، التي كانت تشمل أشعارا، وأقاصيص، ومقالات، وكتبا للطهي، وأعمالا عن علوم العصور الوسطى، والطب، والموسيقى، و«غير ذلك الكثير.» ومع ذلك فإن ما كانت لا تزال تجده مثيرا هو مبحث كانت قد نقبت عنه قبل ذلك بعقد تحت رعاية «المجموعة البحثية الخاصة بحل النزاعات الخاصة» في مالي، وهو: المخطوطات التي احتوت على نصوص كانت تستخدمها جماعة من الدبلوماسيين الإسلاميين تسمى «سفراء السلام»، وفي رأيها أنه ينبغي الآن استخدام هذه النصوص لتتصدر جهود عملية المصالحة في مالي. بل إن هذه النصوص يمكن أن تحتوي على نموذج لحل المنازعات في جميع أنحاء القارة.
إن الطريقة التي جمعت بها المخطوطات الناس أثناء عملية الإجلاء تقودنا إلى الاعتقاد بأنها، وهذه المادة المرجعية، يمكن أن تقود عملية إحلال السلام الدائم في مالي، وربما يكون هذا هو قدر المخطوطات، على الأقل في هذه الصيغة لوجودها.
ولكن قبل أن يمكن للمخطوطات أن تحقق هذا القدر، كان ثمة حاجة إلى المزيد من التمويل. فبعيدا عن كونها آمنة، كانت المخطوطات في باماكو واقعة تحت تهديد طقس المدينة الرطب، واستلزمت هذه الأزمة الجديدة مبالغ مالية أكبر من تلك التي استلزمتها عملية الإجلاء. كان المستهدف من حملة «تي 160 كيه» - التي روج لها في وسائل الإعلام القديمة والجديدة على حد سواء - هو سبعة ملايين دولار أمريكي. بعد مرور شهرين، في الخامس عشر من مايو، نشر حيدرة «خطة عمل لإنقاذ مخطوطات تمبكتو التي أجليت إلى باماكو، والحفاظ عليها، وزيادة قيمتها»، والتي فصلت تكاليف الحفاظ على وثائق منظمة سافاما ورقمنتها وفهرستها والبحث فيها. حددت تكلفة هذا البرنامج الذي كانت مدته ثلاث سنوات بمبلغ أعلى بكثير، بما يزيد قليلا عن 22 مليون دولار أمريكي: وهو مبلغ هائل في بلد كان متوسط الدخل السنوي فيه 1500 دولار أمريكي فقط.
Unknown page