Muharribu Kutub Tumbuktu
مهربو كتب تمبكتو: السعي للوصول إلى المدينة التاريخية والسباق من
Genres
جاء العمل القسري ومصادرة الطعام بمثابة صدمة للمدينة المقدسة، التي كانت محل تبجيل لقرن من الزمان. كتب مؤلفو كتاب «تاريخ الفتاش» يقولون: «لا فتنة أعظم ولا أكبر على أهل تنبكت ولا أمر منها»:
ولا يحاط باطراد ما نزلت بتنبكت من المصائب والإتلاف عند نزولهم [المغاربة] بها. ولا يحصروا مما أحدثوه فيها من الزور والكبيرة.
ومع ذلك، لم تكن هذه إلا البداية.
عندما تلقى السلطان رسالة جودار التي تحدد الخطوط العريضة لاتفاق السلام، غضب غضبا شديدا واستبدل به رجلا من شأنه أن يقضي على السونجاي للأبد. كان هذا الرجل قائدا سابقا للمرتدين، ذا مزاج متقلب، واسمه محمود بن زرقون. وصل الباشا محمود إلى تمبكتو في السابع عشر من أغسطس من عام 1591، وتولى قيادة قوة السلطان، وعلى الفور انطلق شرقا وجودار في عقبه، مطاردا بقية السونجاي. وأثناء غيابه الذي دام سنتين، ثارت تمبكتو على الحكم المغربي، وفي خريف عام 1593، عاد محمود ومعه خطة موضوعة بعناية لمعاقبة الرجال الذين اعتقد أنهم كانوا يساندون التمرد سرا طول الوقت؛ العلماء ورجال الدين بالمدينة. أمر بالقبض على اثنين من كبار أشراف المدينة وإعدامهما، وأعلن أنه يجب على الناس أن يأتوا إلى مسجد سانكوري في مجموعات لتجديد البيعة للسلطان. في اليوم الأول كان دور التجار من بلدات الواحات في الصحراء الكبرى، وفي اليوم الثاني كان دور الناس من بلدات القوافل في الغرب. في اليوم الثالث، الموافق العشرين من أكتوبر، وهو تاريخ وصفه أحمد بابا بأنه يوم الخراب، كان دور العلماء.
عندما جاءت اللحظة، أحضروا المصحف وكتب الحديث إلى مسجد سانكوري واصطف صفوة رجال الحياة الفكرية في تمبكتو في الداخل. وضع رجال مسلحون على المخارج وعلى سطح المبنى، وغلقت الأبواب، وكبل الفقهاء وبعد ذلك سحبوا إلى الخارج، واحدا تلو الآخر. أمر محمود بأن يؤخذ الأسرى مشاة عبر المدينة إلى قصبته في فريقين. أركب القاضي عمر، الذي كان شيخا كبيرا للغاية ولا يقدر على السير، على حمار صغير اقتيد عبر وسط المدينة، بينما سلك فريق ثان طريقا شرقيا حول المدينة. بالقرب من مسجد سيدي يحيى، استل أحد الأسرى سيف أحد الرماة وهاجمه به، وعندئذ بدأ رجال السلطان موجة من التقتيل، فقطعوا رءوس السجناء المحيطين بهم. قتل أربعة عشر من التمبكتيين على الفور، وفي ذلك تسعة علماء من سانكوري.
يروي كتاب «تاريخ الفتاش» أن القاضي عمر كان مع خادم يمسك مقاليد داره عندما أبلغ بخبر المذبحة. انخرط الخادم في البكاء، فضربه جندي مغربي بالسيف فقتله على الفور. عندئذ بدأ القاضي يضحك. عندما سئل عن سبب ذلك، أجاب: «كنت أحسب أنا خير من هذا الغلام فظهر فضله علي الآن، وقد سبقني إلى الجنة.» وضع بقية العلماء تحت الحراسة في القصبة، بينما مضى جنود الباشا محمود يفتشون في منازلهم، ويأخذون كل ما له قيمة. سجل السعدي في كتاب «تاريخ السودان»: «ونهب أتباعه ما اتصلوا بها [أي كل ما وقعت عليه أيديهم من ممتلكاتهم] وكشفوا عوراتهم وجردوا حرائرهم، وفعلوا بهن الفواحش.» وكان من ضمن ما نهب مكتبة أحمد بابا الكبيرة.
وبعد أن بقي العلماء محبوسين في القصبة مدة خمسة شهور، أمر بأن يؤخذ العلماء الذين اعتبروا خطرين - الذين كان معظمهم من أفراد عائلة آقيت - عبر الصحراء إلى مراكش مع أسرهم. أرسل ما كان جملته سبعين أسيرا مكبلين بالسلاسل. كانت الرحلة شاقة على العلماء الذين لم يكونوا يهتمون بمتاع الدنيا؛ وفي إحدى مراحلها، سقط أحمد بابا، مثقلا بأغلاله، من على جمله، وكسرت رجله. بلغوا مراكش في الحادي والعشرين من مايو، من عام 1594، وأودعوا السجن. ومات القاضي عمر الطاعن في السن هناك.
بعد عامين، أطلق سراح الأسرى الباقين على قيد الحياة وأودعوا في شكل من أشكال الإقامة الجبرية، وسمح لأحمد بابا بمقابلة السلطان. وجد الحاكم العظيم محتجبا عن أنظار البشر العاديين بستار، ورفض أن يتكلم معه حتى أزيح الستار؛ إذ قال بابا إنه بالكلام من وراء حجاب، كان المنصور يتشبه بالله. عندما أذعن السلطان لطلبه، سأله بابا السؤال الذي لا بد أنه كان يعتمل بداخله لسنوات: «أي حاجة لك في نهب متاعي وتضييع كتبي وتصفيدي من تنبكت إلى هنا؟» أجاب المنصور بأن هذا جزء من سعيه لتوحيد العالم الإسلامي وأنه بما أن بابا كان واحدا من أعيان المسلمين في بلده، فإن إذعان بقية مملكة سونجاي من المؤكد أنه سيتبع إذعانه.
كان العقد الذي أمضاه بابا في العاصمة المغربية هو أغزر المراحل إنتاجا في حياته العملية. أصبح مشهورا بصفته فقيها ومدافعا عن حقوق الإنسان، وذاع صيته في سائر أنحاء المغرب. فكان يعلم النحو، والبلاغة، والتوحيد، والفقه المالكي، وكتب بغزارة: إذ كتب ستة وخمسون كتابا من أعماله المعروفة في هذه الفترة. لكنه كان يشتاق إلى وطنه، كما تحكي قصيدة كتبها في المغرب:
أيا قاصدا كاغو [جاو]، فعج نحو بلدتي
Unknown page