Muharribu Kutub Tumbuktu
مهربو كتب تمبكتو: السعي للوصول إلى المدينة التاريخية والسباق من
Genres
كان من شأن كتاب استعماريين آخرين، حريصين على إظهار إنجازات البلدان المحتلة حديثا، أن يسيروا على خطى دوبوا. من بين هؤلاء كانت فلورا شو المثيرة للفضول، المعروفة أيضا باسم الليدي لوجارد. ولدت شو في عائلة عسكرية في وولويتش، جنوب شرق لندن، ولم تتلق تعليما رسميا، مع أنها أمضت جانبا كبيرا من طفولتها في القراءة في مكتبة الأكاديمية العسكرية الملكية. وعندما كانت في السابعة عشرة من عمرها أصبح الناقد جون راسكن راعيا لها، وشجعها على الكتابة، وأصبحت مؤلفة ناجحة إلى حد ما. ومع ذلك، كان المجال الذي كان من شأنها أن تتفوق فيه هو الصحافة: أصبحت أول امرأة تنضم إلى الطاقم الدائم لصحيفة «ذا تايمز» وفي عام 1893 عينت محررة استعمارية بها. كانت صديقة وداعمة لسيسل رودس، بل إنها حتى صاغت مصطلح «نيجيريا» في مقالة في صحيفة «ذا تايمز» في عام 1897. وبحسب ما ذكر أحد معاصريها، كانت «شابة جميلة، مهندمة، نابغة، مستقيمة، على أعلى قدر من البراعة، لديها القدرة على بذل جهد هائل في العمل، صلبة للغاية، وتتكلم وكأنها أحد قادة صحيفة «ذا تايمز».» في عام 1902 تزوجت من المفوض السامي البريطاني في شمال نيجيريا، فريدريك لوجارد، وبعد ثلاثة أعوام نشرت كتابا عن تاريخ غرب أفريقيا، هو كتاب «تابعة استوائية»، الذي جمعت فيه مجموعة هائلة من المواد المرجعية، من ضمنها كتاب «تاريخ السودان» الذي وصفته بأنه «كنز».
كانت مهمة شو التي اختارت لنفسها القيام بها في كتابها هي توضيح طبيعة المنطقة للقارئ الغربي وشرح مباهجه. وللقيام بذلك، أجرت كثيرا مقارنات جدلية بين تاريخ سونجاي والخبرات التي قد يفهمها قراؤها. وهكذا كان سجن إقليم أسكيا يؤدي «غرضا مشابها لذلك الذي كان يؤديه برج لندن»، بينما في ظل حكم خلفاء أسكيا الأكبر، «كانت حفلات الموسيقى، التي تقدم مغنين من كلا الجنسين، محل ارتياد من الكثيرين.» في كثير من النواحي، كانت إمبراطورية سونجاي متقدمة إلى حد بعيد عن أوروبا المعاصرة: فكتبت أنه كان يوجد جراحو عيون مشهورون ممن كان بمقدورهم إجراء عمليات مياه بيضاء، وكان يوجد معرفة كافية بعلم الفلك حتى إن «ظهور المذنبات، الذي كان أمرا مدهشا لأوروبا في العصور الوسطى، كان يلاحظ أيضا بهدوء، باعتباره مسألة محل اهتمام علمي، في تمبكتو.» لكن أعظم إنجاز لشعب سونجاي كان «جامعة تمبكتو»، المؤسسة التي كان دوبوا قد استحضرها من أبحاثه فيما يتعلق بالمدارس الإسلامية حول مسجد سانكوري. بحسب ما ذكرت شو، كانت الجامعة قد جعلت تمبكتو «مركزا حضاريا نشطا جدا»، أثناء العصور الوسطى السودانية.
سينظر لاحقا إلى العديد من هذه المزاعم باعتبارها مبالغات، ولكنها كانت معتدلة مقارنة بنظرية كانت قد أشيعت لأول مرة عام 1880، وهي النظرية التي أعطتها شو حينئذ مصداقية؛ القائلة بأن الماليين قد أبحروا إلى الأمريكتين قبل كولومبوس بوقت طويل، وبأن نسلهم قد ساعد في تأسيس إمبراطورية الأزتيك. يقال إن مصدر هذه القصة هو حكاية حكاها مانسا موسى أثناء رحلة حجه. عندما سئل موسى كيف صار ملكا لمالي، أجاب بأن سلفه كان قد أطلق حملة استكشافية استثنائية، مجهزا مائتي سفينة بالرجال ومائتي سفينة أخرى بما يكفي من الذهب، والماء، والزاد لأن يدوم معهم لأعوام، وأمر قائدهم ألا يعود حتى يصل إلى الجهة الأخرى من المحيط الأطلنطي. وقال موسى إنه لم يعد من هذه السفن إلا سفينة واحدة، ومعها قصة مفادها أن السفن الأخرى قد وصلت إلى مصب نهر قوي التيار. وعندئذ، بحسب حكاية موسى المزعومة، جهز السلطان حملة استكشافية جديدة:
جهز ألفي سفينة، منها ألف لنفسه وللرجال الذين أخذهم معه، وألف للمياه والزاد. تركني لأنوب عنه وأبحر في المحيط الأطلنطي مع رجاله. كانت تلك هي آخر مرة نراه فيها هو وكل أولئك الذين كانوا معه ، وهكذا صرت أنا ملكا.
هل من المحتمل أن المصب العظيم الذي وصل إليه الأسطول المالي كان نهر الأمازون؟ أو أن الماليين كانوا قد تابعوا طريقهم من هناك إلى المكسيك، حيث ساعدوا هم وأحفادهم في إقامة إمبراطورية الأزتيك؟ استشهدت شو بالعديد من الأدلة الداعمة لهذه الفرضية غير المحتملة. كان من هذه الأدلة حقيقة أن ابن بطوطة في روايته لزيارته إلى بلاط الحكم المالي، سجل أن «شعراء يرتدون الأقنعة ويلبسون مثل الطيور سمح لهم بالإفصاح عن رأيهم للملك»:
يصعب على المرء ألا يستحضر في الوصف [الذي قدمه ابن بطوطة]، ببعض التفصيل، ممارسات مشابهة ورثها التيزكوكان إلى الأزتيك، الذين كانوا، في نفس خط العرض تقريبا في القارة الأمريكية في نفس هذا الوقت، في منتصف القرن الرابع عشر، ينجحون في اتخاذ موقعهم على الهضبة المكسيكية.
اشتملت المصادفات الأخرى على عادات في كلا البلدين كان يتوقع فيها من الأشخاص الذين يستدعون إلى البلاط أن يغيروا ما يلبسونه ويرتدون ثيابا رثة، بينما تتماثل العادة السودانية المتمثلة في أن يحثو المرء التراب على رأسه قبل أن يخاطب الإمبراطور مع ركوع الأزتيك للمس الأرض باليد اليمنى. ومع ذلك كان من أهم الأدلة التي ساقتها شو أمر لون بشرة الجنسين: «يجدر أن نتذكر أن الأزتيك، رغم أنهم ليسوا زنوجا، كانوا جنسا ذا بشرة داكنة أو نحاسية اللون، على ما يبدو من قبيل اللون الذي يصفه بارت بأنه لون «الأجناس الحمراء» التي في السودان.» بحسب شو، إن لون البشرة هذا كان قد نتج عن اختلاط «فحولة العربي» مع «الطبيعة اللطيفة للسوداني الأسود»، الذي أنتح جنسا متفوقا جينيا. وأضافت: «نتيجة لتصادم واندماج هاتين القوتين، بلغت الحضارة السوداء أعظم درجة وصلت إليها على الإطلاق في أفريقيا الحديثة.»
على الرغم من غياب أي دليل ملموس، فستظل حكاية الحملة البحرية المالية في القرن الرابع عشر إلى أمريكا تذكر على أنها حقيقة في بعض الدوائر بعد ذلك بقرن.
بحلول أوائل القرن العشرين، كانت أسطورة تمبكتو الثرية ذات الأسقف الذهبية قد نبذت منذ وقت طويل، ولكن كان قد حل محلها فكرة كون تمبكتو مدينة جامعية مستنيرة ترفه فيها فرق الموسيقى عن الأباطرة ويرسم فيها علماء الفلك مسارات المذنبات في نفس الوقت الذي كانت فيه أوروبا تجاهد للخروج من عصور الظلام. كان لهذه الأسطورة أساس أكثر مما كان للأسطورة القديمة، ولكنها كانت لا تزال مبالغة صارخة، قصة كتبت لتناسب الحاجة الجديدة إلى الغرابة المثيرة. يبدو أن تمبكتو كانت تعكس لكل واحد من الرحالة الذين وصلوا إليها شيئا مما أرادوا أن يجدوه فيها. اكتشف لينج الرومانسي نهايته المتسمة بالعظمة. ووجد كاييه، المغامر متواضع الحال، مدينة بسيطة. وكشف بارت، العالم، عالما من المعلومات الجديدة. وتوصل دوبوا، الصحفي، إلى انفراده الحصري، بعدما أماط اللثام عن الماضي الخفي للمنطقة.
فالأمر الغامض لا يمثل شيئا إذا لم يكن ملزما.
Unknown page