Misr Min Nasir Ila Harb Uktubir
مصر من ناصر إلى حرب
Genres
أما عن الموقف الحقيقي للاتحاد السوفييتي فيتلخص في أنه قدم المساعدة والدعم للعرب لكي يحققوا ظهورا مؤثرا مهيبا لقدراتهم الكامنة؛ أي الانتصار بالمعنى السياسي العسكري، ولإنقاذ العرب عندما تحولت دفة الحرب لغير صالحهم. وقد سعى الاتحاد السوفييتي بروح الانفراج للتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية في قضية حل النزاع في الشرق الأوسط، بل إنه لم يخش المخاطرة بالدخول في مواجهة مع الولايات المتحدة عندما بدا أن هناك تهديدا بهزيمة ساحقة للعرب بسبب الإمدادات الهائلة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل.
يحتوي كتاب هيكل على تقديرات وعلى حقائق، ومن ثم فإننا سوف نولي اهتمامنا الأساسي، من خلال تعليقاتنا للحقائق، ومع ذلك سيكون علينا أن نتحدث أيضا عن بعض التقديرات التي أوردها الكاتب في كتابه، وخاصة أن هذه التقديرات تنطلق في كثير من الأحيان إما عن إحاطة بالوقائع، وإما نتيجة لطرحها طرحا غير دقيق (التعليقات مطابقة لترتيب نص الكتاب).
المقدمة
ص8:
يبدأ الكاتب عمله بالتأكيد على حتمية نشوب حرب جديدة في الشرق الأوسط.
الأرجح أن الأمر لم يكن يستحق مثل هذا الحكم القاطع؛ إذ كان من الممكن ألا تقع الحرب في المستقبل المنظور لمدة، لنقل من عشر إلى خمس عشرة سنة. الأمر يتوقف على السياسة التي كانت ستنتهجها كل من إسرائيل ومصر.
كان من الممكن أن يبادر العرب بالحرب، لو أنهم تأكدوا أن مصر ستشارك فيها بحزم؛ فبدون مشاركة مصر لما خاضت الدول العربية الأخرى غمار حرب ضد إسرائيل؛ لأنها كانت ستخشى من الأمر الواقع وهو تلقي الهزيمة على يد إسرائيل. ولهذا فالدول العربية أغلب الظن، كانت ستتعامل بواقعية تجاه إمكانية نشوب أعمال عسكرية دون مشاركة مصر فيها. ومع وجود السادات في الحكم وانتهاجه لسياسة التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية، لم تكن مصر لترغب في المستقبل القريب في الدخول في حرب ضد إسرائيل، حيث إن ذلك يمثل تناقضا مع نهجها في التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية. فضلا عن ذلك فمن الصعب أن نتصور قيام عمليات عسكرية إذا ما عادت قناة السويس للعمل. ليس من قبيل الصدفة أن الإسرائيليين والأمريكيين كانوا كثيرا ما يعلنون أن أفضل خط دفاع لإسرائيل هو قناة السويس في حالة عملها. على أية حال، لا يمكن الحديث الآن عن انتظار إسرائيل لهجوم عربي مفاجئ.
من غير المحتمل في الظروف الحالية أن تظهر إسرائيل أي مبادرة أو أن تبدأ حربا واسعة ضد مصر؛ فإسرائيل يهمها استمرار السادات في تقديم التنازلات للولايات المتحدة الأمريكية. ومن الناحية العسكرية الصرفة فإن هذه «الحملة العسكرية» لن تعود بالنفع على إسرائيل؛ لأن الولايات المتحدة ليست مهتمة بقيام حرب في الشرق الأوسط؛ لأن ذلك يعوق من ممارستها لمنهجها العام في النفاذ إلى الدول العربية.
كان الأرجح هو قيام إسرائيل بمهاجمة سوريا تحت أي مبرر، ولكن على إسرائيل عندئذ ألا تنسى علاقات التضامن التي لا تزال موجودة بين الدول العربية، حتى ولو كانت هذه العلاقات قد أصابها الضعف، وهو ما يعني احتمال دخول دول عربية أخرى في الحرب، ولو ضد إرادتها (مثل مصر على سبيل المثال)، وهو ما يمكن أن يتنافى في نهاية الأمر مع المصالح الحالية للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.
ولهذا فمن الصعب، من وجهة نظرنا، القول على هذا النحو القاطع «بحتمية» نشوب حرب جديدة في الشرق الأوسط في المستقبل القريب. ولكن لا يمكن من الناحية التاريخية، بطبيعة الحال، التنبؤ بما سيحدث، كما أن من الجائز أيضا أن تتغير طبائع الدول العربية، بل وإسرائيل نفسها، كما تتغير سياسة الولايات المتحدة الأمريكية. وأخيرا، فمن الممكن أيضا وقوع ما لم يكن في الحسبان.
Unknown page