Misr Min Nasir Ila Harb Uktubir
مصر من ناصر إلى حرب
Genres
ثم أردف قائلا: «أرجوكم أن تبلغوا موسكو فورا بضرورة العمل على وقف إطلاق النار بأقصى سرعة ممكنة. إن لديكم علاقات مع الأمريكيين. أرجو أن تتصرفوا بأسرع ما يمكن.»
أما حافظ إسماعيل فعاد للتدخين مجددا بعصبية مبتعدا قليلا عن الدرابزين.
قلت للسادات بقدر ما استطعت من هدوء: «مفهوم» (يا لها من نهاية مفاجئة!) «أود أن أكرر: أنتم تطلبون وقفا فوريا لإطلاق النار بأقصى سرعة ممكنة مع بقاء القوات المتحاربة في مواقعها الحالية.»
أومأ السادات برأسه: «نعم.»
عدت أتحدث مدققا: «وكيف ستتصرفون مع المجموعة الإسرائيلية التي تسللت إلى الضفة الغربية للقناة؟ وهل ستبقى في مواقعها هناك؟»
أجاب السادات: «نعم، على الرغم من اعتبارها «متسللة»، فإنه لم يعد هناك خيار آخر.»
أسرعت عائدا إلى السفارة.
في تلك الليلة لم يغمض لي جفن بطبيعة الحال، وسرعان ما اضطررت للانطلاق مرة أخرى بعد ساعتين عائدا إلى الرئيس لتدقيق بعض القضايا حول موقف مصر المقبل، على الرغم من علمي أن الرئيس لا بد وأنه استغرق في النوم (!) أحس الياور بالفزع من جراء إصراري على إيقاظ الرئيس، ولكنه استجاب في النهاية لطلبي. استقبلني السادات مرتديا «روب» فوق البيجامة في غرفة مجاورة لغرفة نومه. جلس متربعا على الأريكة. كان وجهه متوردا يفيض بالصحة، وكانت عيناه متألقتين. ابتسم، ولم يكن هناك ما يشي بإدراكه لخطورة القرار التاريخي الذي اتخذه، ولا بالساعات الحاسمة التي تمر الآن، أو بالذين يستشهدون. كان مظهره وكأنه يقول إن الحرب قد انتهت بالنسبة له.
بعد مباحثات سوفييتية أمريكية معقدة، حاول فيها الأمريكيون أن يطيلوها عن عمد حتى يعطوا الفرصة للقوات الإسرائيلية أن تتوغل أكثر في الأراضي المصرية، ومن ثم وضع مصر في موقف أكثر صعوبة. صدر في الثاني والعشرين من أكتوبر قرار مجلس الأمن رقم 338 بشأن وقف إطلاق النار في خلال مدة لا تتجاوز 12 ساعة (كان كيسينجر يصر أثناء المباحثات على أن يتم إقرار وقف إطلاق النار خلال 48 ساعة، خفضها نتيجة إصرارنا إلى 24 ساعة، ثم وافق في النهاية على أن تكون 12 ساعة). وقد تضمن القرار أيضا الدعوة إلى ضرورة الإسراع الفعلي لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 242، وتقرر إجراء مباحثات لإقرار السلام في الشرق الأوسط. وطوال فترة المباحثات كنت على اتصال دائم بالسادات، الذي أعرب عن رضائه التام بنتائجها.
إنني أود هنا أن أذكر بهذه الأحداث من حرب أكتوبر حتى أكشف الأكاذيب التي راح السادات وعدد من المقربين منه في ترويجها في وقت لاحق حول موقف الاتحاد السوفييتي. لقد راح هؤلاء يؤكدون أن الاتحاد السوفييتي لم يقدم أي مساعدة لمصر، وإنه كان «يضغط» عليها ليضطرها لوقف العمليات العسكرية «الناجحة»، و«فرض» موقف إطلاق النار عن طريق اتخاذ مجلس الأمن قرار رقم 338، الذي «أضاع» على مصر انتصارها.
Unknown page