Misr Min Nasir Ila Harb Uktubir
مصر من ناصر إلى حرب
Genres
لقد شن الجيش السوري هجومه الناجح في نفس الوقت مع الجيش المصري، واستطاع استرداد مرتفعات الجولان من أيدي القوات الإسرائيلية. وبينما كان المصريون يطورون هجومهم إلى الأمام، إذا بهم .. يتوقفون. وهنا ركزت القوات المسلحة الإسرائيلية كل جهودها على الجبهة السورية، وسرعان ما استردت الأراضي التي حررها السوريون لتتقدم باتجاه دمشق، ولتبدأ في شن غارات جوية مكثفة على المدن والموانئ السورية. وهكذا أوقف الجيش المصري عملياته القتالية، على الرغم من أنه بات واضحا أن المناورة الاستراتيجية للإسرائيليين تمثلت في تفتيت خصومها إلى جزءين؛ سوريا أولا، ثم مصر من بعدها. كان من المنطقي - من وجهة النظر العسكرية - أن يواصل المصريون تقدمهم؛ إذ كان من الصعب على إسرائيل أن تعيد الإمساك بزمام الأمور لو أن الحرب جرت بصورة فعلية على الجبهتين المصرية والسورية معا. لو أن .. كل القضية كانت معلقة بهذه ال «لو أن».
وردا على سؤال حول الخطط العامة للعمليات العسكرية، أجاب السادات بعصبية بالغة قائلا إنه «لا ينوي الجري في سيناء»، وإن تكتيكه يتلخص في إنزال أكبر خسائر ممكنة بالإسرائيليين وليس في «الاستيلاء» على الأرض، وإنه سوف ينتظر قدوم قواتهم المسلحة الرئيسية (!) ليطحنها. إنه لمنطق عسكري وتكتيك غريبين بعد أن أوشك المصريون على الاقتراب من ممري «الجدي» و«متلا» في سيناء، وأصبح الطريق مفتوحا وممهدا إليهما. ومن المعروف أن من يمتلك هذين الممرين يمتلك بالفعل سيناء بأكملها.
في التاسع والعاشر من أكتوبر بدأ السوريون في التراجع، بينما توقفت القوات المصرية عن الحركة تماما. كانت هذه هي السياسة، وهي سياسة خلقت انطباعا لا إراديا أن القوات المصرية كما لو كانت قد «نفذت» ما كلفت بفعله، وأن هذه القوات ليس لديها خطط أكثر. في الواقع لم تكن هناك، ربما، أية خطط، ولكن كانت هناك خطط أخرى سياسية.
منذ اندلاع الصراع والنشاط السياسي العاصف يزداد أواره بين جدران الأمم المتحدة وفي عواصم معظم دول العالم. وانشغل مجلس الأمن بهذا الصراع، عندما طرح عليه مشروع القرار الأمريكي، الذي يطالب بسرعة وقف إطلاق النار وانسحاب القوات المتحاربة إلى مواقعها التي كانت عليها قبل السادس من أكتوبر. كان من الواضح أن الولايات المتحدة نفسها كانت تدرك عدم الشرعية السياسية في طلب عودة القوات إلى مواقعها التي كانت عليها قبل نشوب الحرب، يعني موافقة العرب على «شرعية» احتلال إسرائيل لأراضيهم؛ فالعرب إنما قاموا بتحرير أراضيهم ولم يحتلوا أراضي غيرهم. وبطبيعة الحال فقد رفض العرب وأصدقاؤهم المشروع الأمريكي. وقد اتضح أن المشروع قد تم تقديمه على هذا النحو كسبا للوقت اللازم حتى تتمكن الولايات المتحدة من إرسال صفقات كبيرة من الأسلحة إلى إسرائيل. وهو ما تحدث عنه هنري كيسينجر بعد ذلك في مذكراته.
ناقشت الأمم المتحدة اقتراحا بشأن اتخاذ قرار يطلب من الأطراف وقف إطلاق النار مع بقاء القوات المتحاربة في مواقعها الحالية، وفي الوقت نفسه تم النظر في تنفيذ قرارات الأمم المتحدة السابقة بشأن وقف احتلال إسرائيل للأراضي العربية. والآن، إذا ما نظرنا للماضي، يمكن أن نتصور أن قبول هذا القرار في هذه اللحظة - وبعد أن استعادت سوريا بالفعل كل الأراضي التي احتلتها إسرائيل، كما قامت القوات المسلحة المصرية باستعادة 12-15 كيلومترا على الضفة الشرقية بامتداد الجبهة على قناة السويس - أمر في صالح العرب، وخاصة أن وقف العمليات العسكرية في هذا الوقت كان من شأنه أن يوفر فرصا جيدة لتسوية مجمل الصراع العربي الإسرائيلي على أسس عادلة. على أن هذا القرار قوبل بمعارضة شديدة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية و... مصر! لقد بدا «توافق» هذين الموقفين أمرا غريبا؛ فقد توقفت القوات المصرية تماما عن العمليات العسكرية، ولو أنها كانت تواصل تقدمها في تحرير أراضيها، لكان موقف مصر مفهوما.
4
أما موقف الولايات المتحدة الأمريكية فكان مفهوما؛ إذ كانت تنتظر هجوما إسرائيليا ضخما، وكانت تواصل هي إمداداتها لصالح إسرائيل. فلماذا إذن لم توافق مصر على هذا المشروع؟
وقت طويل استغرقناه أنا والسادات في بحث القرار الأفضل لمجلس الأمن بالنسبة لمصر وسوريا. كان الصمت يخيم على الجبهة المصرية في تلك الفترة، بينما راحت إسرائيل مستندة إلى الجسر الجوي الأمريكي وعلى القواعد الأمريكية في أوروبا في الحصول على صفقات عسكرية ضخمة توجه آلتها العسكرية بكل ضراوة نحو سوريا. وكان السادات يرد قائلا: إذا كانت سوريا عاجزة عن الهجوم ، فلتأخذ موقف الدفاع (وكأن اتخاذ موقف الدفاع أمر سهل)، أو فلتشن حربا شعبية فلديها أراض واسعة ... وهلم جرا. لم يكن الوضع على الجبهة السورية يهمه في قليل أو كثير. كان من الواضح أنه كان يمط الزمن منتظرا أمرا ما. ما هذا الأمر؟ ها هم الإسرائيليون يبدءون في قصف المعابر المصرية على القناة.
في السادس عشر من أكتوبر وردت إلينا أخبار مفاجئة تفيد بعبور خمس أو ست دبابات إسرائيلية إلى الضفة الغربية لقناة السويس!
وقبل هذا اليوم بأسبوع تقريبا، وبعدما أصبح خط الجبهة على الضفة الشرقية واضحا، لفتنا انتباه القيادة المصرية على الفور بوجود فاصل كبير بين الجناح الأول للجيش الثاني والجناح الأيسر للجيش الثالث عند البحيرات المرة خلف القناة. كان هذا معناه أن جناحي الجيش عرضة لهجوم الإسرائيليين الذين يستطيعون فصل الجيشين عن القناة. ومن المعروف أنه لم يكن هناك في هذه الفترة مستشارون عسكريون سوفييت في الجيش المصري. وقد أجاب العسكريون المصريون على أسئلتنا بأنها من «متطلبات تنظيم القتال». وهكذا تسللت الدبابات الإسرائيلية تحت جنح الليل لتعبر القناة إلى الشاطئ المصري الأفريقي لتتمركز تحديدا عند هذا الفاصل، عند حلق مدخل القناة في البحيرات المرة.
Unknown page