Misr Min Nasir Ila Harb Uktubir
مصر من ناصر إلى حرب
Genres
راوغ هيكل في الإجابة قائلا: لا أعرف، أظن أن الرئيس كان يعول بشدة على أن يسمع إجابة أخرى.
بعبارة أخرى: كان السادات يود لو استطاع أن يزج بالاتحاد السوفييتي في هذه القصة، وأن يربط بينه وبين «المتآمرين».
لم يحظ السادات، استنادا إلى مظاهر كثيرة، بالتأييد الواسع أو الشعبية الجارفة التي كان عبد الناصر يتمتع بها. لقد حققت ثورة 1952م بقيادة عبد الناصر كثيرا من الإنجازات للكادحين، فقامت بالإصلاح الزراعي، وأتاحت إمكانية التعليم والتأمين الاجتماعي، وسنت قوانين للعمل وما إلى ذلك، لكنها لم تتمكن من القضاء على الفروق الاجتماعية ... كما أن الغالبية العظمى من الشعب المصري بقيت على حالها من الأمية. والأمي - بحسب تعبير لينين - خارج السياسة. ولهذا فإن غياب الجماهير عن المشاركة الفعالة في إعادة بناء البلاد، والسلبية تجاه ما يحدث في الشأن السياسي، كانا يمثلان الخطر الأكبر المحدق بثورة 1952م الوليدة، والتي إن لم يكتمل نموها لانتقلت السلطة بطريقة أو أخرى إلى الأقوى، والأقوى كان ولا يزال هو البرجوازية، وكان السادات هو التعبير الأمثل لمصالحها. لم تتخذ أغلبية الشعب موقفا تجاه التصرفات التي اتخذها السادات ضد أنصار ناصر والتي وصلت إلى حد مطالبة النيابة بإعدامهم. على أن غالبيتهم صدرت ضدهم أحكام بالأشغال الشاقة، بينما حكم على الباقين بالسجن لمدد طويلة.
ظل كثير من المصريين لا يعرفون جوهر الخلافات بين السادات والقيادات السياسية التي تبقت من العصر الناصري، كما لم يعرفوا نياته في التوجه نحو التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية والاتصالات السرية التي جرت بين الأمريكيين والرئيس السادات الذي نجح في إخفائها. وعلى عجل راح الأمريكيون يفسحون المجال لقوى اليمين ويضاعفون من ضغوطهم على السادات. كانت هاتان القوتان - اليمين المصري والأمريكيون - يستهدفان إبعاد مصر عن الصداقة والتعاون مع الاتحاد السوفييتي، ومن هنا ظهرت كل أشكال الشائعات المغرضة والافتراءات في حق بلادنا، كما جرت محاولات تدريجية من أجل خلق مناخ معاد للسوفييت في البلاد. كان من الضروري، بطبيعة الحال، الحيلولة دون ذلك.
أستطيع أن أقول إن الشعب المصري لا يزال يكن مشاعر المودة العميقة للاتحاد السوفييتي وللمواطنين السوفييت. لقد أتيحت لنا العديد من الفرص للاقتناع بأن «رشاش الوحل» العدائي الذي أطلقه السادات أو جزء من الصحافة المصرية على بلادنا لم يجد دعما كبيرا أو حتى انتشارا بين الطبقات العريضة من الشعب المصري. إن أهم ما يميز الشعب المصري هو حبه للعمل والحياة، وعلى الرغم مما يكتنف حياته من مصاعب، وهو دائم الشك والسخرية من كل المسلمات التي تفرض عليه من أعلى؛ فإنه شعب لا يحب البديهيات ولا يؤمن بها وإنما يتناولها بحذر وريبة. إن الغالبية العظمى من الشعب تعاني من الأمية، لكن السواد الأعظم يعلم جيدا أن أصدقاءه السوفييت وأن الدولة السوفييتية وقفا بجانبه في أوقات الشدة.
ولا يزال المثال واضحا بالنسبة للمصري البسيط الذي يتذكر الثري الإنجليزي المتعالي، والذي كان يتصرف في بلادهم تصرف صاحب البيت، وهو الآن يرى الخبير السوفييتي المتواضع وهو يعمل إلى جانبه في المصنع وموقع العمل، أو الضابط المستشار العسكري الرفيق الذي يقاسم الجنود المصريين متاعب الحياة العسكرية. كان على السادات أن يدرك الظرف الموضوعي المتمثل في مزاج المصريين وميولهم، وهو ما يفسر تصريحاته أحيانا وكلماته الطيبة تجاه الاتحاد السوفييتي وإلحاحه بصورة استعراضية على توقيع اتفاق صداقة بين البلدين ودعوة قيادات سوفييتية رفيعة لزيارة القاهرة.
كان توقيع مثل هذا الاتفاق يلبي على نحو موضوعي مصالح دعم العلاقات بين الشعبين المصري والسوفييتي ووقف أعداء هذه العلاقة من توجيه ضربة قاصمة إليها.
وقد رد الاتحاد السوفييتي على اقتراح السادات بشأن توقيع اتفاق الصداقة والتعاون بالموافقة. وتمت إبان المباحثات التي جرت في القاهرة الموافقة على المقترحات جميعا التي تقدم بها الجانب المصري.
وفي السابع والعشرين من مايو 1971م، جرى توقيع الاتفاق في القاهرة، الأمر الذي أثار قلقا واضطرابا لدى الولايات المتحدة الأمريكية. وعلى الفور وصل إلى القاهرة المبعوث الأمريكي ستيرنر قادما من واشنطن. وكان على السادات أن يؤكد لهذا الموظف الصغير أنه لا ينوي إدخال أية تغييرات على علاقته بالولايات المتحدة الأمريكية.
بالنسبة للظروف التي تم فيها عقد هذا الاتفاق فإنني أذكر هنا بشكل خاص، بصفتي شاهد عيان على الأحداث، أن السادات تحدث أكثر من مرة في خطبه أن الاتفاق كان «مفروضا» عليه من الجانب السوفييتي، وأن نصه لم يراع الملاحظات وما إلى ذلك. والحقيقة أن الأمر لم يجر على هذا النحو إطلاقا.
Unknown page