ولما حادثت عزمي شاكر في ذلك قال لي: لم تكن وفديتي قوية كالحال في جيلكم، وتخلصت منها تماما قبيل الثورة، ولكني بقيت على صلة حميمة بالجناح الوفدي اليساري، وعددت منذ ذلك الوقت من الشيوعيين، وعرفت بذلك في أوساطهم.
وقال لي أيضا: ولما قامت ثورة يوليو استقبلتها بترحاب وحذر معا، أعجبت بإلغائها للنظام الملكي، وبتحقيقها للجلاء، ولم أعجب كثيرا بإصلاحها الزراعي، وسرعان ما اعتبرتها انقلابا قصد به الإصلاح وتفادي الثورة الحقيقية.
وبسبب موقفه فصل من هيئة التدريس الجامعية، ثم اعتقل أعواما، ثم أفرج عنه فعمل في الصحافة، وعكف على الكتابة في الموضوعات التي تتيح له التعبير بإخلاص عن آرائه؛ فآثر الكتابة في الشئون الخارجية أو التاريخية أحيانا، وعقب صدور قوانين يوليو 1961 الاشتراكية تغير موقفه تغيرا ذاتيا وجذريا، وعن إخلاص حقيقي، كان قد انضم إلى أصدقائنا، وكان يجتمع بنا في مكتب سالم جبر وصالون ماهر عبد الكريم، وذات يوم قال لي: الثورة هي أنسب حركة تاريخية لوطننا في ظرفه الراهن.
فقلت له: إذن غيرت رأيك؟ - أجل، علينا أن نضع عقائدنا بين قوسين، وأن نؤيدها بكل قوانا!
وآمنت بصدقه ، ولم أجد ما يدعو إلى التشكيك فيه، ثم إنني من المؤمنين بإخلاصه. ومن يومها وهو دائب على تأييد الثورة بقلبه وقلمه، في سره وعلانيته، ولم يفهم موقفه على حقيقته في أوساط زملائه.
وأذكر أن عجلان ثابت قال لي عنه: إنه وغد لا أكثر ولا أقل، ومهما خطر في لباس قديس!
فقلت له: إني أعتقد بإخلاصه، لا يداخلني شك في ذلك.
فقال ساخرا: إن أقواله تبرر ترددك، هذا كل ما هنالك!
وسنحت فرصة لرجوعه إلى الجامعة، ولكنه آثر الجهاد في ميدان الصحافة. ومن المهم أن أسجل أنه لم يكن مؤيدا أعمى أو متعاميا، فلم تكن تخفى عنه الأخطاء التي ترتكب، وكثيرا ما كان يردد: مما يؤسف له أن الثورة لم تعتمد على الثوريين الحقيقيين، فخلقت منهم أعداء حينا، أو وضعتهم تحت المراقبة حينا آخر.
وقال مرة بحزن شديد: إن الفساد ينتشر كالوباء، لا نملك إلا التحذير، وحتى ذلك لا يتيسر لنا إلا فيما ندر.
Unknown page