109

Maqamat

مقامات القرني

Genres

في حبور وبهجة وصفاء إن من أعظم المتع التي عاشها الصحابة ، تلك الفصاحة ، والبراعة ، والنجابة ، التي كانوا يسمعونها من سيد الفصحاء ، وإمام البرعاء ، وأبين العرب العرباء ، كان إذا تكلم ملك المشاعر ، واستولى على الضمائر ، واستمال السرائر ، فلا يريدون بعده كلام خطيب ولا شاعر ، إذا نطق عليه الصلاة والسلام وتدفق ، فكأنه الفجر أشرق ، والماء ترقرق ، والنور في الأرواح ترفق . إن من النعيم ، عند ذاك الجيل العظيم ، سماع ذلك النبي الكريم، في منطق سليم ، وصوت رخيم ، وقول قويم ، ونهج مستقيم . ثم درج خطباء الأمة على منواله ، وسبكوا أقوالهم على أقواله ، فمن مقل ومكثر ، ومن مؤثر ومتأثر . فأحسن الخطباء من جعل القرآن معينه ، وملأ بنور الحديث عينه ، وجعل البيان خدينه ، ثم أكثر من التدريب ، وأدمن التجريب ، وأخذ من كل فن بنصيب ، فترى له من البراعة ، ومن الجرأة والشجاعة ، ما يخلب ألباب الجماعة ، جمالا في بيان ، وحسنا في إتقان ، مع عذوبة لسان ، وثبات جنان . غير أن البلاء ، يأتي من الأغبياء ، المعدودين في الخطباء ، فهم كالغيم في الصحو ، وكاللحن في النحو ، عبارات من حجاب البيان سافرة ، وجمل متنافرة . وتركيب غريب ، ليس عليه من سلطان الإبداع رقيب ، هم أحدهم أن يقول ، ولو أخطأ في النقول ، وعاث في العقول ، فمنع هؤلاء من الخطابة إصابه ، حتى يراجع كل منهم حسابه . فليست المنابر أسواق باعة ، ولا أحواش زراعة ، ولا ورش صناعة ، إنما المنابر مواضع طاعة ، تهذب بها الأجيال ،وتصقل بها عقول الرجال

ومنطق كضياء الشمس تحسبه

يدب في الجسم مثل البرء لو نظمت

من حسنه سحر هاروت وماروت

Page 9