Madina Fadila Cabr Tarikh

Catiyat Abu Sucud d. 1450 AH
183

Madina Fadila Cabr Tarikh

المدينة الفاضلة عبر التاريخ

Genres

بمناقشة أفكار فلسفية أكثر من اهتمامه بتقديم مجتمع مثالي، وأخيرا كان كتاب سيباستيان فور

S. Faure «السعادة العالمية» نوعا من الدعاية العاطفية ذات التأثير المحدود.

وقد أسهم ه. ج. ولز

1 (1866-1944م) بدور أكبر وأهم في الأدب اليوتوبي بكتابيه «يوتوبيا حديثة» و«بشر كالآلهة»، وإن كان الكتاب الأول - بالرغم من عنوانه - يدين بالكثير ليوتوبيات الماضي.

أعلن ولز، في «يوتوبيا حديثة»، القطيعة مع التراث اليوتوبي، برفضه وصف مجتمع كامل. وهو يقول في ذلك: «لن يكون هناك مكان للكمال في يوتوبيا حديثة، إذ يجب أن تحتوي اليوتوبيا أيضا على الخلافات والصراعات وهدر الطاقات، وإن كان الهدر فيها أقل بكثير جدا مما يحدث في عالمنا.» ويوتوبياه «حالة ممكنة التحقق كما هي في نفس الوقت مرغوب فيها أكثر من العالم الذي نعيش فيه»، ولكنها ستكون «مستحيلة إذا نظر إليها بأي معيار يكتفي بالمقارنة بين اليوم والغد».

ظهرت «يوتوبيا حديثة» في عام 1905م، أما «بشر كالآلهة» فقد وصف فيها ولز مجتمعا بلا صراعات أو خلافات أو هدر للطاقة. وربما يكون ولز، على خلاف أفلاطون في شيخوخته، قد أصبح في أواخر حياته أكثر تفاؤلا مما كان في شبابه، أو ربما يكون قد اعتبر «يوتوبيا حديثة» - أو أفضل دولة بالتقريب - مجرد مرحلة انتقال ضرورية نحو مجتمع كامل.

إننا مع «يوتوبيا حديثة» نترك خلف ظهورنا اليوتوبيات القومية، بل نترك - إذا جاز التعبير - الاتحادات الفيدرالية لليوتوبيات. ويزعم ولز أن عصر الحدود والحواجز اللغوية التي تفصل بين الأمم قد مضى، ولا يمكن أن يفي بالغرض من اليوتوبيا الحديثة إلا كوكب كامل؛ لأن «الدولة التي تبلغ في الظروف الحديثة من القوة ما يكفي للمحافظة على عزلتها، سيكون لديها كذلك القوة الكافية لأن تحكم العالم، وإذا لم تحكمه بشكل إيجابي فعال، فسوف تقبل بشكل سلبي المشاركة في كل التنظيمات البشرية الأخرى، ومن ثم تصبح مسئولة عنها جميعا، ولهذا فلا بد أن تكون دولة عالمية.» هذه الدولة العالمية التي ننتقل إليها بفضل مجهود يبذله الخيال، تقع على كوكب مشابه لكوكبنا إلى حد كبير، وكل نهر، أو بحيرة، أو جبل على أرضنا له ما يناظره في يوتوبيا، كما أن كل واحد من سكان الأرض له نظيره بين سكان الكوكب اليوتوبي الذي يقع في مكان ما وراء كوكب الشعرى اليمانية. والاختلاف الوحيد بين يوتوبيا وبين أرضنا هو أن التنظيم الاجتماعي فيها قد تطور، خلال حقبة حديثة نسبيا، تطورا سريعا، وبلغ مستوى أعلى بكثير من مستوى التنظيم الاجتماعي على سطح الأرض.

والصورة الخيالية لهذا التنظيم الاجتماعي الجديد تسري فيها معرفة عميقة باليوتوبيات السابقة. وهي تنتقد بعض السمات المميزة لليوتوبيات الأخيرة، وإن لم يكن هذا النقد هو أقل أجزاء الكتاب أهمية؛ إذ إن هناك سمات أخرى متضمنة في مشروع ولز. فأفلاطون وأوجست كونت يقدمان جانبا كبيرا من بنائها النفسي، بينما يزودها تيودور هرتسكا بالبناء الاقتصادي. ولكن ولز يذهب إلى أن هناك حاجة ماسة إلى مشروع جديد بالكامل، على أساس أن اليوتوبيات السابقة لم تعط الفرد الحرية الكافية. وهو يلاحظ بحق «أن اليوتوبيات الكلاسيكية كانت تنظر إلى الحرية بوصفها شيئا تافها نسبيا. ومن الواضح أنها اعتبرت الفضيلة والسعادة منفصلين انفصالا كاملا عن الحرية، كما تصورت أن كليهما أهم منها بكثير. ولكن وجهة النظر الحديثة، بإصرارها المتزايد على الفردية وعلى أهمية تفردها، لا تنفك تعمق قيمة الحرية باستمرار، حتى لقد بدأنا ندرك أخيرا أن الحرية هي جوهرة الحياة، بل إنها في الحقيقة هي الحياة ذاتها، وأن الأشياء الميتة، أي الأشياء التي لا تملك حرية الاختيار، هي وحدها التي تطيع القانون طاعة مطلقة. إن إطلاق العنان لفردية الإنسان يعد من وجهة النظر الحديثة هو الانتظار الذاتي للوجود، على اعتبار أن انتصارها الموضوعي يتمثل في استمرار البقاء من خلال العمل الخلاق والذرية.» ومن هنا يستطرد ولز مؤكدا «أن الحرية الفردية في المجتمع ليست دائما، كما يتصور علماء الرياضة، ذات سمة أو علامة واحدة. وتجاهل هذه الحقيقة هو الخطأ الأساسي الذي تقع فيه النزعة الفردية الحديثة. فالواقع أن الاتجاه لمنع كل شيء في إحدى الدول ربما يزيد من كمية الحرية، كما أن الاتجاه إلى السماح بكل شيء ربما يقلل منها. ولا يستتبع هذا، كما يحاول هؤلاء الناس أن يوهمونا، أن الإنسان يكون أكثر حرية عندما يعيش في ظل أقل عدد ممكن من القوانين، أو أنه يكون أكثر تقيدا في ظل أكبر عدد ممكن من القوانين.»

إن الافتراض القائل بأن القانون هو أفضل حارس للحرية يكاد يكون هو القاعدة الأساسية في كل اليوتوبيات تقريبا. وعلى الرغم من دفاع ولز عن الحرية، فإنه يقع في نفس الخطأ الذي وقع فيه أسلافه من اليوتوبيين بإقحام كمية ضخمة من التشريعات في يوتوبياه. وهو يرى - بسذاجة طفولية - أنه يمكن منع جرائم القتل عن طريق «منع حرية القتل الشائعة»، وكأن الناس سيبدءون في ذبح بعضهم بعضا بمجرد إلغاء عقوبة القتل فجأة. وفي حين أكدت معظم اليوتوبيات السابقة أن الهدف من التشريع هو إلغاء «سبب» الجريمة، يرى ولز أن التشريع العقابي هو العلاج الوحيد لها.

والواقع أن مفهوم «ولز» عن الحرية هو في نهاية الأمر مفهوم ضيق جدا. فهو يستنكر «قمع فردية الأفراد بردها إلى نمط واحد عام»، كما يستنكر كذلك «المجتمع المثالي القديم الذي كان مجتمعا له عقيدة واحدة مشتركة، وعادات واحتفالات مشتركة، وسلوك مشترك، وصيغ حياة مشتركة، كان الناس في نفس المجتمع يرتدون نفس الزي، كل حسب وضعه المحدد أو مرتبته المعترف بها، وكان كل واحد منهم يتصرف بنفس الطريقة، ويحب ويتعبد ويموت بنفس الطريقة.» ولكن لا يكاد ولز يدين هذا النموذج، حتى يبدأ في صياغة نموذج مشابه، حين يصف طبقة حاكمة لها نفس السمات التي ذكرناها الآن. أما حرية الإبداع فهي مقصورة على أولئك الذين تتوافر لهم وسائل خاصة أو يختارون العمل الذي يفيد الدولة. بهذا تكون الحرية عند ولز نتيجة حل وسط يوفق بين الاشتراكية وبين مبدأ «دعه يعمل» الذي تأخذ به الرأسمالية، ومن ثم تكون حرية غير كافية ولا مرضية، شأنها شأن كل الحلول الوسط: «إن كل من يتأمل الفردية والاشتراكية في صورتيهما المطلقتين يجد أن كلتيهما طرفان لتناقض سخيف غاية السخف، فالأولى تجعل الناس عبيدا للأقوياء والأغنياء، والثانية تجعلهم عبيدا لموظفي الدولة، أما الطريق الصحيح فهو يسير - ربما بشكل متعرج - في الوادي الذي يقع بينهما ... إن الواجب يفرض علينا ألا نحرص فحسب على توفير المأكل والملبس والنظام والصحة، بل يفرض علينا أيضا أن نوفر المبادرة الحرة.»

Unknown page